سوري يعرض كليته للبيع… مقابل هدية!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يتلقَ أيمن (اسم مستعار) حتّى اللحظة، عرضاً مباشراً من أحد لشراء كليته التي عرضها للبيع بعد أزمة معيشية قاسية وتفكير عميق في مشكلاته دفعاه إلى اتخاذ قرار قد يُواجه بسببه موجة استغلال من تجّار ومافيا بيع الأعضاء البشرية التي انتشرت بشدّة في الأعوام القليلة الماضية، لا سيما في ظلّ غياب الرقابة والانضباط الأمني والسياسي في البلاد ومحيطها العربي.

أيمن (28 عاماً) وهو سوري من ريف حماة الشمالي، وصل إلى لبنان منذ شهرين فقط، يرفض مصطلح “بيع” الكلية، لأنّه يعتبر أنّ مبادرته لم تكن مادية فحسب، بل إنسانية بصورة رئيسة، ولهذا السبب يُوضح أنّه “يتبرّع” بكليته، وينزع من جسده عضواً مهماً قد يُؤدّي إلى إصابته بمرض أو عارض صحي خطير كغسل الكلى فيما بعد، ليُنقذ مريضاً أو مصاباً بهذا الداء وغيره عبر كليته التي تتمتّع بصحة جيّدة في جسد شاب أنهكته الظروف المالية والاقتصادية في بلاده التي تعيش أزمة حرب قاسية لم تنتهِ بعد، “فأنا أعطي حياة لإنسان آخر في وقتٍ قد أتعرّض فيه للموت، ويُمكن القول إنّ ثمن حياته سيكون غالياً عليه ليرتاح، لكن التخلّص من الفقر والحرمان الذي نواجهه أفضل بكثير من تعرّضنا لمزيد من الاهمال الذي أدّى إلى اختناقي والتفكير جدّياً في الانتحار أكثر من مرّة لأرحم نفسي. باختصار إنّ حياتي تستحقّ المجازفة كي لا أفقد الأمل”.

وفي تفاصيل هذه القضية التي لم تكن الأولى من نوعها، لا يخفى على أحد أنّ العديد من اللبنانيين وكذلك السوريين قد وجدوا في الفترة الأخيرة، أنّ بيع الكلية بات الحلّ الجذري للحصول على آلاف الدولارات رغبة منهم في تحقيق هدف معيّن مرتبط بأمرين رئيسين: الأوّل يكمن في تأمين الشخص تكلفة علاج لنفسه أو لمقرّبين منه، والثاني يرتبط بفقدانه الأمل في ظلّ أزمة اقتصادية لم تكن في حسبان أيّ شاب اضطر لمواجهة عاصفة الأزمات التي لا تقتصر على ميدان دون آخر. أمّا أيمن فقد جذب أنظار المقرّبين منه بعرضه، بعدما ركّز على مصطلح “التبرّع” بكليته مقابل حصوله على “هدية” من صاحب النصيب.

وعن سعر “الهدية” التي رغب في تلقّيها مقابل كليته، التي جرت العادة أن تباع بثمن يصل إلى 30 ألف دولار، لا يرفض أيمن فكرة مناقشة السعر أكثر مع المريض خصوصاً إذا كان يُواجه صعوبات مالية، إذْ “يُمكنني في هذه الحال أن أخفض من السعر حوالي 5 آلاف دولار تقريباً”.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “فكرتي لم تكن جديدة بل قديمة – حديثة، وبت متمسكاً بها بصورة أكبر بعد وصولي إلى وضع مادّي رديء للغاية يُمكنني أن أصفه بكلمة واحدة: صفر. وفكرت في التبرّع بكليتي وأنا أدرك تماماً أن لا خطورة صحية على حياتي لأنّني تعلّمت من تجربة عسكرية طويلة ومضمونة تزيد عن السبعة أعوام في سوريا، كيفية إسعاف المرضى والتمريض في زمن الحرب، لكن أصدقائي والمقرّبين حتّى من الأطباء رفضوا هذه الفكرة في سوريا وغيرها لأنّها تُعرّضني لمخاطر صحية كما مادّية ناتجة عن عمليات نصب وسرقة معروفة أصبحت تُخيف الكثير من النّاس على أعضائهم مع انتشار تجارة الأعضاء”.

أيمن الذي كان يعيش في منزل عائلته في ريف حماة الشرقي والتي انتقلت إلى محافظة الرقّة ولم يرها منذ أكثر من سنة ونصف السنة بسبب الحرب وسيطرة الأكراد على المنطقة، يوضح أنّه باع كلّ شيء وكلّ ما يملك ليصل إلى لبنان منذ شهرين بعد عرض عمل اتضح فيما بعد أنّه “ضرب مبكّل”، قائلاً: “بعد خبرتي بالاسعاف الحربي، أتيت لأساعد شخصاً مسناً واتفقنا على معاش شهري يصل إلى 350 دولاراً، وبعد عملي تقاضيت 60 دولاراً فقط، فشعرت بكرب وحزن كبيرين خصوصاً بعد بيعي كلّ شيء ولم يبقَ من أغراضنا إلّا فرشة النوم، وبعد فترة ضياع وضيق تواصلت مع العديد من الناس، وتوجهت إلى شخص في عمشيت وعملت في أعمال البلاط وغيرها، وحالياً أعمل ناطوراً في بناية بالمنصورية لأجمع مبلغاً يُسعفني أقلّه للعودة إلى سوريا”.

ولا يُمانع أيمن بيع كليته في لبنان، لكنّه يرفض كلّياً فكرة الهجرة غير الشرعية التي يقوم بها مواطنون، نازحون أو مقيمون من لبنان ليُحسّنوا أوضاعهم، “لأنّني سأجمع المال إنْ قمت ببيعها هنا لأعود إلى سوريا، فطموحي بسيط ويُركّز على شراء منزل ومحل تجاري لأعيش عيشة كريمة مختلفة عن الجحيم الذي نعيشه، لكن إنْ عدت إلى سوريا من دون بيعها سأستئأجر منزلاً خلال 10 إلى 15 يوماً، وفي هذا الوقت سأزور مستشفى المواساة الجامعي في الشام (دمشق)، حيث تُعلّق إعلانات أمامه حول حاجات المرضى، ومع أنّني لم أتواصل بعد مع أيّ طبيب ليكشف عن حالي الصحية سواءً أكان في سوريا أو لبنان، سأتواصل مباشرة مع المريض لأتفق معه، مع العلم أنّني حاولت تعبئة طلب طبّي في أحد مستشفيات لبنان عبر الانترنت لكنّه لم يكتمل بصورة صحيحة، وفضّلت التواصل مع صاحب العلاقة مباشرة”.

شارك المقال