المونة القروية… اكتفاء منزلي وتجارة مربحة

راما الجراح

حالما يطل أيلول “بطرفه المبلول” تستعد نساء القرى والبلدات البقاعية لتحضيرات المونة الشتوية، التي تُعد مصدراً غذائياً وصحياً في بيوتهن لغناها بالفيتامينات والبروتينات. أصناف المونة كثيرة ومختلفة، ففي كل منزل قروي هناك غرفة صغيرة مخصصة لها بدءاً بالحبوب من عدس، برغل، حمص، وفاصوليا، والكشك ومكدوس الباذنجان وربّ البندورة والقاورما، مروراً بالمربيّات “المعقود” على أنواعها، والكبيس والمخلّلات، وصولاً إلى توضيب بعض أنواع الخضروات في الثلّاجات وتجفيف الفاكهة كاللوز والجوز والمشمش والتين والزبيب.

على الرغم من إرتفاع أسعار اللبن والحليب، ومكونات تحضير المونة، إلا أنها بحسب النسبة الأكبر من أهالي القرى تعتبر حتى اليوم مصدر توفير كبير على جيوبهم خصوصاً في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد، وحتى لو أن جميع المواد الغذائية موجودة في المحال التجارية الكبرى، فإن مذاق الأطعمة التي تصنع يدوياً وتحفظ في البيوت من دون مواد حافظة، لا تتوافر في أي منها.

الكشك من أساسيات المائدة الشتوية

تقول أم علي (٥٠ عاماً): “البيت بلا مونة ما بيسوى شي، أي لا قيمة له، وننتظر بداية فصل الخريف كل سنة للبدء بالتحضيرات، وأهم صنف في البقاع ويعتبر من أساسيات المونة هو الكشك الذي يمكن تناوله مطبوخاً، أو تحضيره على شكل فطائر”.

وبالنسبة الى طريقة التحضير، توضح لموقع “لبنان الكبير” أنه “يحتاج إلى جهد ووقت، فمن السهل أكله لكن من الصعب تحضيره. هذا العام اشتريت ١٠ كيلو برغل، تغسل وتجفف تحت أشعة الشمس مع التحريك الدائم، وفي الوقت نفسه يضاف اللبن (٢٢ كيلو لهذه الكمية) إلى البرغل مع التحريك الدائم حتى يجف، ثم يؤخذ إلى المطحنة لكسر البرغل (أي طحنه)، وتضاف اللبنة إليه، ويوضع في العجانة ويعجن جيداً، وبعدها يُمد الخليط على قماش خام ويقطع (بواسطة منخل خاص) ليجفف جيداً تحت أشعة الشمس، وعندما يفرط الكشك يفرك باليد حوالي خمس مرات حتى يجف جيداً، ثم يؤخذ إلى المطحنة الناعمة، فيطحن ثم ينخل بالمنخل الناعم، وبعدها يمد على قماش ويترك ليجف عشرة أيام، ثم يوضع في أوعية المؤونة، وفي النهاية حصلت على ٢٢ كيلو كشك لهذه الشتوية، وتعتبر هذه الكمية مناسبة جداً لعائلتي المؤلفة من ٥ أشخاص، وطبعاً تتفاوت الكميات وتختلف بين عائلة وأخرى بحسب العدد والرغبة في تناول الكشك خلال فصل الشتاء”.

الترويقة يعني “مكدوس”

أما المكدوس بحسب ربة المنزل حلا.ل فموسمه بين أيلول وتشرين الأول، حيث يصل إلى ذروة موسمه السنوي، وخصوصاً مع بدء موسم قطاف الجوز البلدي. وتشير الى أن “الأسعار ارتفعت هذا العام، الكيلو يساوي ٤٠ ألف ليرة، وكل ١٠ كيلو تحتاج إلى ١ كيلو من الجوز الذي أصبح سعره يساوي ٧٠٠ ألف ليرة تقريباً، بالاضافة إلى شرحتين من الفليفلة الحمراء. هذا الصنف من الطعام من أساسيات الترويقة الشتوية في البقاع ولا يمكن أن تخلو رفوف مونتنا منه”.

الافادة المادية من “المونة”

في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، عمد كثيرون إلى تحضير كمية المونة المطلوبة لمنازلهم، وزيادة كميات أخرى للافادة المادية من خلال بيعها لأهالي الجبل والساحل الذين يفتقدون هذه العادات والأطعمة. يؤكد محمد الحدو أن “الطلب على رب البندورة القروي صنع أيدينا كبير جداً، وذروة الموسم بين شهري أيلول وتشرين الأول، أبيع الكيلو بحوالي ٢٥٠ ألف ليرة وهناك ربح كبير، على الرغم من أنني أقصد كل يوم منطقة من البقاع إلى الساحل والجبل وعم بتوفي معي!”.

من ناحية ثانية، تقوم بعض السيدات بتحضير كميات زائدة من المونة المنزلية، وبيعها الى المحال التجارية أو ربّات المنازل غير القادرات على تحضيرها، كما أن هناك نسبة من المغتربين تقصد المناطق القروية لدى زيارتها لبنان لشراء هذه الأطعمة الغذائية التي انتشرت في أقاصي الأرض وأصبحت معروفة عالمياً.

المونة الجاهزة المصنّعة غير صحية

وتقول إخصائية التغذية نبيلة الميس لــ”لبنان الكبير”: “من حيث التكلفة، مونة البيت اليوم لم تعد تعتبر أرخص بكثير من أي مواد أو مأكولات جاهزة، فالمواد الأولية أو الأساسية لتحضيرها بكل أنواعها أصبحت أسعارها مرتفعة. ولكن من الناحية الصحية، لا شك في أن مونة المنزل أضمن من حيث النظافة والجودة، بالإضافة إلى أن ربة المنزل تستطيع أن تتحكم بالمكونات، أي بكمية السكر أو الملح المضافة، لأن المونة الجاهزة المصنعة تحتوي على نسب عالية من الصوديوم والسكر عدا عن المواد الحافظة والدهون غير الصحية الموجودة في بعض الأصناف حتى تصبح مدة صلاحيتها أطول، وهذه المواد بالطبع تؤثر سلباً على صحة الإنسان ووخصوصاً الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري وغيرهما”.

وتوضح أن “اللبن الجاهز الموجود في الأسواق غالبيته غير مصنعة من الحليب الطبيعي، بل من الحليب البودرة ومواد أخرى، وبالتالي اللبن المصنوع في المنزل يكون صحياً أكثر ومفيداً أكثر لاحتوائه على البكتيريا الصحية التى تدعى probiotic بكمية عالية والمفيدة للجهاز الهضمي. فعندما نقوم بصنع المونة في المنزل نكون قد حافظنا على قيمتها الغذائية وعلى فوائدها وابتعدنا عن جميع الاضافات غير الصحية الموجودة في المواد الجاهزة التي تجعلها تفقد قيمتها من الفيتامينات والمعادن بمرور الوقت”.

شارك المقال