ري مزروعات البقاع بمياه مسرطنة… ومحطات التكرير منسية

راما الجراح

لا يخفى على أحد حجم الكارثة والمأساة التي يتسبب بها نهر الليطاني منذ عشرين عاماً، وبين فترة وأخرى تطالعنا بيانات للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني عن رصدها مزارعين يقومون بري حقولهم بمياه النهر الملوثة ويتم منعهم من زراعتها. والجدير ذكره أن الموضوع لم يعد يثير الجدل ضمن المجتمع البقاعي، وكأن الناس سئموا من المحاولات ورفع الصوت بعد مرور أكثر من ٤ أجيال للمطالبة بحل المشكلة مقابل استمرار الدولة في تقاعسها عن إتمام مهمتها الأساسية في الحفاظ على حياة مواطنيها. موضوع تلوث مياه الري في البقاع يتجدد باستمرار، ويعود السبب إلى استمرار تدفق مياه الصرف الصحي إلى نهر الليطاني وروافده بصورة غزيرة تصل سنوياً الى حدود ٤٧ مليون متر مكعب، وأدى ذلك إلى رفع نسبة التلوث إلى مستويات خطيرة، وانتشار مرض السرطان الذي أودى بحياة العديد من أبناء البقاع والمناطق المحيطة.

وبعدما رصدت فرق المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قيام المزارعين في أرض تعنايل – زحلة بري حقول مزروعة بالبندورة والباذنجان والورقيات بمياه الصرف الصحي هذا الأسبوع، أعلنت في بيان أن محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة اتخذ الاجراءات لمنع الري من الصرف الصحي في هذه الأرض، وكلف المديرية الاقليمية لأمن الدولة ضبط المضخات، وملاحقة الفاعلين تحت اشراف القضاء المختص. وبناء لاشارة واشراف المدعي العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات أخذت عينات من الخضار والتربة والمياه التي تستعمل لري المزروعات وأرسلت إلى المختبرات لفحصها والتأكد منها.

ترشيشي: لا أعطي الحق للمزارع والبدائل موجودة

يرى رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي أن “الحديث عن هذه المشكلة لو حصل قبل ٥ سنوات لكان المزارع على حق وكان هناك ظلم وتعديات عليه، أما اليوم فنهر الليطاني أصبح مجرور مياه بسبب تعديات البشر عليه من التنظيم المدني والبلديات وغيرها، لذلك كانت هناك تعليمات بعدم ري المزروعات من هذا النهر حفاظاً على صحة الجميع، ولا بد من الالتزام بها مهما كلف الأمر، ومن غير المقبول الاعتراض على هذا القرار ومخالفته، فكمية المياه الآسنة أكثر بكثير من المياه النظيفة في الليطاني”.

“لا يمكنني إعطاء أي حق للمزارع لأن البديل موجود” بحسب ترشيشي الذي يؤكد عبر موقع “لبنان الكبير” أن “المزارع يمكنه أولاً حفر آبار ارتوازية، وفي حال لم يستطع ذلك بسبب الكلفة المادية يمكنه زراعة أرضه بزراعات علفيه، كالقمح، الذرة، الفصّة… ويبتعد عن أنواع الخضار. ونحن نرفض كل المخالفات، ولدينا في البقاع مساحات كبيرة مزروعة وتُروى بمياه نظيفة وآبار ارتوازية”، ناصحاً جميع المزارعين بـ “العمل على الاستحصال على رخصة بئر للمحافظة على انتاجنا، ونوعيته، وصحة المستهلك، وسمعة الانتاج اللبناني في الأسواق الخارجية”.

ويلفت ترشيشي إلى أن “أكثر من ٩٠ في المئة من المزارعين يروون مزروعاتهم بمياه نظيفة، ونحن لسنا مستعدين لتحمل أخطاء النسبة القليلة وتشويه صورتنا وصورة هؤلاء المزارعين وانتاجهم النظيف من خلال الري عن عمق ٢٠٠ متر وما فوق، وخصوصاً أن المزارع يستعين اليوم بالطاقة الشمسية، لذلك الري من الليطاني أو أي مصدر ملوث ليس مسموحاً”، شاكراً “كل من سعى من القوى الأمنية، أمن الدولة، محافظ البقاع كمال أبو جودة وغيرهم إلى توقيف المزراعين المخالفين للقرار وتلف الزراعة، وأنا أؤيد تلف المحصول مباشرة بمجرد أن نعلم أن المزارع يروي مزروعاته من النهر وانزال أشد العقوبات به”.

الجراح: الحل بتشغيل محطات التكرير

ويشير رئيس بلدية المرج المجاورة لنهر الليطاني منور الجراح الى أن “هناك نسبة لا تقل عن ٦٠٪ من أهل البقاع يعتمدون على محصولهم الزراعي لتأمين لقمة عيشهم، وتلوث نهر الليطاني وقف سداً منيعاً أمامهم لانتاج محاصيل زراعية صحية ونظيفة، وجاء قرار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمنع ري الحقول بمياه النهر كخطوة ممتازة للحد من انتشار أعداد المصابين في منطقتنا التي وصلت إلى أكثر من ٧٠٠ إصابة، ولكن يبقى السؤال حول إمكان المزارع تأمين تكاليف حفر آبار ارتوازية في المنطقة والتي لا تقل كلفتها عن ١٥٠٠ دولار أميركي في ظل الأوضاع المادية الصعبة التي يعاني منها الجميع؟”.

ويرى الجراح أن “من المهم إعطاء الأولوية لانهاء جميع محطات التكرير في المنطقة وتشغيلها لحل المشكلة من جذورها. ومنذ أربع سنوات سمعنا عن القرض الايطالي المخصص لمحطات التكرير، وبالفعل تم تشغيل محطة تكرير زحلة على أن يتم تلزيم محطة ثانية في منطقة مندرة، وهذا ما لم يحصل إلى اليوم الأمر الذي زاد من نسبة التلوث في منطقة البقاع الغربي ونقطة المرج – برالياس تحديداً. من هنا لا تلوموا المزارع كثيراً وتحاسبوه عندما يروي مزروعاته من النهر، فالعديد من المزارعين حاولوا إيجاد بدائل وحفروا آباراً ارتوازية ولكن لم ينفع ذلك بسبب قُرب الأراضي الزراعية من النهر، فأمّنوا لهم البديل أو أعطوهم تعويضاً إلى أن يتم تلزيم جميع محطات التكرير وتشغيلها ونصل إلى بر الأمان”.

زراعات بديلة لتسهيل لقمة العيش

يؤكد المزارع البقاعي أبو علي ياسين أن “المنطقة الأكثر تضرراً من مياه الصرف الصحي تبدأ من نبع الليطاني (العليق) حتى منطقة حوش الحريمة في البقاع الغربي، وفي هذه المنطقة لا تتوافر مياه الآبار الارتوازية بسبب طبيعة الأرض التُرابية”، آملاً من الوزارات المعنية “دعم زراعات بديلة تتلاءم مع مياه الصرف الصحي شرط أن لا تضر بالإنسان أو الحيوان أو البيئة بالتنسيق والتوجيه من المنظمات الدولية في هذا الخصوص، أقلّه لفترة استثنائية حتى ينتهي تأهيل محطات التكرير وتجهيزها في جميع القرى التي تصب في مجرى النهر وتسهيل الطريق على المزارع لتأمين لقمة عيشه”. ويوضح أن “طبيعة الدورة الزراعية، أن تُزرع الأراضي عاماً كاملاً قمحاً أو شعيراً أو حمصاً وتسمى هذه الزراعات بعلية، والسنة التي تليها تكون زراعات مروية، وهناك يكمن دور المعنيين في تأمين الزراعات البديلة”.

شارك المقال