“أسبوع الطاقة المتجددة”… الانتقال العادل يستوجب سياسات تشاركية

نور فياض
نور فياض

بعد غياب سنتين بسبب جائحة كورونا، انطلق “أسبوع بيروت للطاقة” الذي يعنى بالطاقة النظيفة، وهو عبارة عن مؤتمر علمي متخصص ومعرض للشركات وصانعي القرار والمنظمات الدولية الناشطة في إطار الطاقة المتجددة، ويجمع نخبة من الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية والنقل المستدام وطاقة الهيدروجين، ويتيح لهم التعرف الى مستجدات الطاقة المستدامة، كما تتمكن الشركات من الافادة عبر التعاون مع بعضها البعض لتؤمن للمواطن الحل المناسب والسليم بالاعتماد على الطاقة المتجددة. ووفق وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض فان المعرض هذه السنة سيكون أساسياً لأنه سيحدد انتقال لبنان من الطاقة العادية الى بلد يعتمد على الطاقة المتجددة.

فهل سنكون على موعد مع انتقال عادل للطاقة؟ وماذا نعني بذلك؟

يشير بيار سعاده، المنسق الاقليمي الأعلى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “أنشر ما تدفع”، عبر “لبنان الكبير” الى أن “التحول الطاقوي بتعريفه العام هو التحول في قطاع انتاج الطاقة من الوقود الأحفوري الى الطاقة المتجددة (الشمسية، المائية والهوائية)، أضيفت اليه عبارة أخرى هي التحول الطاقوي العادل، لوجود عدة أبعاد له، اجتماعية، اقتصادية وبيئية.

كما تدخل في مجال تحول الطاقة أمور أساسية، منها مصير العمال الذين يعملون في قطاع الصناعات الاستخراجية”، لافتاً الى أن “الحديث حول العدالة يحتم وجود نقاشات تضم كل أصحاب المصلحة المعنيين بالتحول الطاقوي ومنهم المجتمع المدني، القطاع الخاص، وصنّاع القرار اضافة الى المجتمعات الأكثر تأثرا بالصناعات الاستخراجية وبالتأثيرات البيئية.”

دور الدول المتطورة تحقيق المساواة

ويقول سعادة: “نحن نعلم أن دول الشمال أثرت على التغير المناخي، فهي استغلت الموارد الطبيعية من دول الجنوب، ومنها الشرق الأوسط أو إفريقيا وأميركا اللاتينية. فالانتقال العادل هنا، يستوجب أخذ الجانب البيئي لهذا الموضوع، والحرص على عدم اغفال أية مشكلات بيئية وخصوصاً في المجتمعات التي كانت قد تعرضت لها سابقاً، فاحتمال حدوثها يكون عند استخراج المعادن التي تطور الطاقات المتجددة، وهو مثل استخراج النفط والغاز يمكن أن يكون عرضة للفساد وعدم الشفافية في التعامل معه.”

وعن حقوق العمال، يوضح سعادة أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي دول ريعية، اذ تعتمد بصورة كبيرة على قطاع النفط والغاز في ميزانيتها، مثلاً العراق يعتمد على ٩٥% من الايرادات المالية على النفط والغاز. فلتتحقق العدالة بانتقال الطاقة، وعلى صنّاع القرار العمل على التنويع الاقتصادي، من هنا من المهم فتح نقاشات وتحديداً العمل على تدريب اليد العاملة محلياً، لتصبح قادرة على العمل في هذا القطاع”، معتبراً أن “دور الدول المتطورة تحقيق المساواة عبر تطبيق التزاماتها التي تحدثت عنها في قمة المناخ وخصوصاً في التمويل المناخي”.

ويلفت الى أن “الانتقال العادل للطاقات المتجددة، يستوجب أن تتوافر الطاقة بصورة مستدامة للجميع وبسعر مقبول، بمعنى ألا تستفيد منطقة على حساب أخرى. مثلاً في لبنان ، اذا استعملت في عكار طاقة متجددة هوائية من الممكن أن تتأذى الأراضي الزراعية وبالتالي تصبح بحاجة الى تعويض، فهذه الأمور تتمحور حول عدالة الطاقة، من هنا أي سياسات أو تشريعات أو نقاشات متعلقة بالتحول الطاقوي يجب أن تكون تشاركية من كل أصحاب المصلحة ان كان المجتمع المدني أو الدولة أو الشركات أو القطاع الخاص لتطوير السياسات والتشريعات المتعلقة به والانتقال الى الطاقة المتجددة.”

نشر الوعي أكثر في الشرق الأوسط

ويرى سعادة “أننا بعيدون عن الطاقة المتجددة، فلا نزال دولاً ريعية تعمل على قطاع النفط والغاز وتصدّر الوقود الأحفوري الى دول الشمال التي تطوّر قطاع الطاقة المتجددة لديها. وفي حال أوقفت هذه الدول الاستيراد من منطقتنا، نكون بذلك استمرينا في العمل على قطاع النفط والغاز وننتج غازاً في الوقت عينه، والدول المتطورة تطور حاجاتها من الطاقة المتجددة. وعندما تصل الى مرحلة الاكتفاء، تصبح كل المواد التي استخرجناها موارد غير قابلة للاستعمال، اذاً يجب نشر الوعي أكثر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول أهمية الطاقات المتجددة”، مشدداً على أن “من المهم انشاء خريطة طريق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتحدث عن التحول الطاقوي العادل ووضع خطة معينة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري”.

لبنان لديه تشريعات ويفتقد سياسة طاقة شاملة

وفي ما يتعلق بلبنان، يقول سعادة: “لبنان أخذ خطوات مهمة باتجاه الطاقات المتجددة، اذ انه التزم بـ ٣٠% تكون انتاج الطاقة من الطاقات المتجددة بحلول سنة ٢٠٣٠. لدينا أيضاً قوانين مهمة مثل قانون رقم ٤٦٢ لتنظيم قطاع الكهرباء وبموجبه يجب انشاء هيئة ناظمة للكهرباء ونحن نعلم أن لبنان وقّع على اتفاقية باريس، ولديه مساهمات محددة وطنياً. كما أن انبعاثات الكربون في لبنان هي ٠,٠٧% ويجب الأخذ في الاعتبار أن أزمة الكهرباء، جعلت الناس يلجؤون الى الطاقة الشمسية، صحيح أنها عشوائية وغير منظمة، انما تطورت بصورة ملحوظة. وبالتالي أصبح لدينا ٩٠ ميغاوات من الطاقة الشمسية ما يشكل ٩٠% من الهدف الذي وضعناه في سنة ٢٠٢٠، واستطعنا توفير ٣٠٠ ١٦ طن من انبعاثات الكربون.”

ويضيف: “لدينا قانونان بالغا الأهمية، قانون الطاقة الموزعة المتجددة وقانون حفظ الطاقة، ويشيران الى أن الدولة بدأت العمل على التشريعات المتعلقة بقطاع الطاقات المتجددة. ولكننا ندرك أن الحفر بدأ في البلوك رقم ٩، وبالتالي نعمل على النفط والغاز وفي الوقت نفسه على الطاقات المتجددة، لذا يجب على الدولة أن تعمل على سياسة طاقة شاملة. فنحن في لبنان لدينا تشريعات ودراسات لكننا نفتقد سياسة طاقة شاملة تلحق تطور قطاع النفط والغاز وقطاع الطاقة المتجددة في الوقت عينه.”

الانتقال الى الطاقة الخضراء أمر مهم

في السياق، تؤكد عضو المجلس الاستشاري في المبادرة اللبنانية للنفط والغاز LOGI ديانا قيسي أن “الانتقال الى الطاقة الخضراء له تأثير كبير خصوصاً في لبنان. وهذا الانتقال لا يشمل الطاقة المتجددة وحسب، انما باقة من الاجراءات التي يجب أن نتبعها للانتقال الى الطاقة الخضراء كإدارة النفايات بطريقة جيدة يدخل فيها التدوير وكل ما يرتبط بإدارة النفايات وتخزين الطاقة وكفاءتها والطاقة المتجددة بالاضافة الى النفط والغاز، والاعتماد على الأخير بدلاً من المازوت لأنه من الطاقة النظيفة، وهذا كله يؤدي الى التخفيف من انبعاثات الكربون. وحين نبدأ بتنفيذ هذه الباقة يمكن القول ان لبنان بدأ العمل بالطاقة الخضراء ما يشجع العجلة الاقتصادية الصحية”.

وتوضح أن “الانتقال الى الطاقة الخضراء أمر مهم لأن لبنان لديه التزامات في القمة المناخية تحتم عليه البدء بتطبيق استراتيجيات الانتقال الى هذه الطاقة ما يحسّن البيئة لديه ويساعد على التخفيف من الاحتباس الحراري الذي يعيشه الكوكب”، لافتة الى أن “الاقتصاد في غالبية الدول ينتعش من خلال العديد من الصناعات التي بدأت بالنشوء بفضل رحلة الانتقال الطاقي والانتقال الى الطاقة الخضراء.”

وحول الانتقال العادل، تشير قيسي الى أن “هذه العبارة أطلقتها في القمة المناخية سنة ٢٠١٥، منظمة العمل الدولية لأنها لاحظت أن في كل حديث عن انتقال الطاقة لا يذكر أحد ماذا سيحلّ بالعمال في هذا القطاع. فمثلاً عندما نطالب باغلاق المناجم والانتقال الى الطاقة المتجددة ماذا سيحصل بالعمال؟ من هنا بدأ التفكير في وجود انتقال عادل لتجنب الكارثة. اما في لبنان فهذا لا يؤثر كثيراً لأن اقتصادنا لا يعتمد على التوظيف في قطاع الطاقة، ومن المؤكد الوصول الى العدالة لأن في العقود اللبنانية، أعطيت الأفضلية لليد العاملة اللبنانية.”

وفي ما يختص بتأثير الطاقة والتنقيب عن النفط، تقول قيسي: “منذ العام ٢٠١٠ بدأت رحلة التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان وبعد الحفر في بئر واحد تبيّن أنه ناشف، تعاود اليوم المحاولة شركة توتال وآيني الايطالية وقطر انرجيز التنقيب في البلوك رقم ٩ على أمل وجود النفط والغاز. ماذا يعني هذا لمستقبل الطاقة؟ هذا ما نسأله وما هو نوع الغاز وتركيبته وكيف سيدخل الى السوق اللبنانية؟ نحن بحاجة الى ما يوازي حالياً ١,٢ أو ٢ بي سي ام من زيت الوقود لاستهلاكنا في الاسواق. ومن هذا المنطلق نطرح عدة أسئلة: هل هذه الكمية تقضي حاجاتنا؟ هل سنستطيع استخدامها واستهلاكها في أسواقنا؟ هل سيبقى منها للتوريد الى الخارج؟ ولكن من المبكر الاجابة عنها”. وترى أن “علينا ترتيب أمورنا الداخلية التي تتمحور حول وضع استراتيجية شاملة للطاقة، نستطيع عبرها تحديد مزيج الطاقة الأنسب للبنان، ماهية الطاقة المختلطة التي تناسبنا، كمية الغاز الذي تريدها أسواقنا. وبما أن العين على لبنان وعلى اعتماده أكثر فأكثر على الطاقة الشمسية، الطاقة البديلة أو المتجددة، فكل هذا يجب أخذه في الاعتبار حين نتحدث عن مستقبل النفط والغاز. كما يجب علينا معرفة ما نحن بحاجة اليه لتكون نظرتنا صائبة أكثر بالنسبة الى هذا القطاع ونكون دائماً نعالج توقعاتنا بطريقة صحيحة، وألا نفور فجأة ونعتبر أننا أصبحنا بلداً غنياً”.

وتعتبر أن “دور المجتمع المدني يبقى دائماً دوراً رقابياً فهو العين الساهرة على هذا القطاع للتأكد من أن كل هذه العائدات المستقبلية سوف توزّع وتستعمل بطريقة عادلة تعود بالمنفعة على كل اللبنانيين وليس الفئات السياسية فقط”.

شارك المقال