“سماسرة الغش” يُهدّدون الأمن الغذائي في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

يُحاول الكثير من الطرابلسيين الانتقال من محلّ تجاريّ إلى آخر يومياً، بحثاً عن بضاعة بجودة سليمة وسعر مناسب، وهرباً من احتمال تعرّضهم للغش الذي بات عادة روتينية يعتمدها الكثير من التجار وأصحاب المحال في الأسواق والمناطق الداخلية في المدينة، في وقتٍ تغيب فيه السلطة السياسية والاقتصادية عن الصورة “الغذائية والشرائية” التي تحتاج إلى خطوة رسمية تحدّ من تفاقم هذه الظاهرة التي لا ترحم فقيراً ومعيلاً في طرابلس.

ويُشير عدد من المواطنين لـ “لبنان الكبير” إلى وجود اختلاف واضح في سعر البضاعة ضمن المنطقة الواحدة، فيما يلفت آخرون إلى وجود كمّيات من المنتجات منتهية الصلاحية والفاسدة يقوم أصحاب المحال ببيعها ولكن بأسعار مرتفعة لا بسعر “جاذب” كما كان يحدث في وقتٍ سابق، وهذا ما دفع عبد الرحمن من الزاهرية إلى التحدّث عمّا يراه “أزمة غذائية” تعوق الوصول إلى الأمن الغذائي الذي بات “مختلاً” شمالاً.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “أحاول منذ ساعات شراء أحد منتجات التنظيف المعروفة، فسألت تاجراً من المنطقة عرض سعره ووجدته مرتفعاً، وحينما انتقلت إلى بقالة أخرى بالصدفة في المنطقة عينها وهي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن المحلّ الأول، أعطاني صاحبها سعراً أقلّ بكثير من الأوّل، وأقلّ من النصف حتّى، اذ عرض الأوّل بضاعته بـ 200 ألف ليرة وأوهمني أنّه سعر تنافسيّ وأن لا تاجر آخر يبيع بهذا السعر، فيما عرض الآخر بضاعته بـ 80 ألفاً فقط، الأمر الذي أدهشني ودفعني إلى مجموعة تساؤلات عنوانها لماذا؟”. ويضيف: “ليست المرّة الأولى التي أضطر فيها للانتقال بين محلّ وآخر للعثور على السعر المناسب، فحين أذهب لشراء اللبنة والجبنة أتوجه مباشرة إلى باب التبانة، حيث تختلف الأسعار قطعاً لكنّني عثرت على أحد المحال التي لا يعرفها أحد لبيع المنتجات الغذائية بسعر مقبول، وهذا لا يعني عدم خشيتي من الغش المحتمل، لكنّني أحاول قدر المستطاع البحث باستمرار عمّا يُرضينا”.

ومنذ أيّام، صادرت دورية مشتركة من دائرة المراقبين الصحيين في بلدية طرابلس، بمؤازرة عناصر من الشرطة البلدية وقوى الأمن الداخلي، كمّية من الألبان والأجبان والمواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية أيّ غير الصالحة للأكل في محال تجارية عدّة تحديداً في منطقة أبي سمراء – طرابلس، كما قامت الدورية بتسطير محاضر ضبط بحقّ المخالفين، مع إتلاف كمّية المواد بعد مصادرتها وإغلاق بعض المحال بالشمع الأحمر (بناء لاشارة القضاء المختصّ).

ويُؤكّد شاهد عيّان من المنطقة، أنّ المضبوطات التي عُثر عليها (وبعد التأكد من عدم صلاحيتها)، لا تعود إلى شركة أو مؤسسة واحدة كما كان يحدث سابقاً في بعض الدوريات التي كانت تعثر على شركة فاسدة منها شركات شمالية لا تُلبّي المواصفات الغذائية السليمة بل كانت ترتكب “فضيحة” يُعاقب عليها القانون، مشيراً لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ “المضبوطات باتت ترتبط غالباً برضى التاجر عن فكرة بيعها للنّاس وهو مُدرك تماماً أنّها غير صالحة للأكل، وهنا بتنا نتحدّث عن أزمة ضمير وأخلاق لا أزمة غذائية فحسب”. ويعتبر أنّ هذه الدوريات وعلى الرّغم من أهمّيتها لفرض العقوبات على المخالفين، تبقى “شكلية”، موضحاً أن “بعض المتجاوزين يرى أنّ هذه الخطوة تصرف عين الدّولة عنه ولو مؤقتاً، فهؤلاء يستضعفون الدّولة بدوائرها ويُعلّلون ذلك بتقصيرها في بواجباتها أمامهم، كما يجدون لتقصيرهم وتجاوزاتهم مخرجاً يُعيد نشاطهم إلى السوق فيما بعد من جديد”.

وفي جولة على أسواق طرابلس التي يتردّد إليها الآلاف يومياً من المدينة وخارجها، يُؤكّد بعض الزائرين أنّهم يتخوفون من جودة الدواجن واللحوم التي يحصلون عليها. وتقول إحدى السيّدات من سوق العطارين لـ “لبنان الكبير”: “أشعر بالقلق عند شراء اللحمة حقاً، بحيث كنّا نشتريها بلونها الأحمر أو الأبيض، لكنّنا صرنا نراها لحمة مسودة أيّ لونها أسود من الداخل، وبسعرها الثمين لا أجرؤ على رميها مباشرة، بل أقوم بخطوات معيّنة لأكتشف ما إذا كانت صالحة للطبخ أم لا، فقد أقوم بشمّ اللحمة أو بوضعها قليلاً على النار، لأميزها من رائحتها، ورميت لحوماً كثيرة مرات عدّيدة، الأمر الذي دفعني إلى تغيير اللحام والتمسّك بأحدهم نثق به. فصحيح أنّ منزلي في البداوي، لكنّني أضطر أحياناً للتوجه إلى داخل طرابلس أيّ عند أحد اللحامين لأشتري منه بجودة مناسبة، وحين أعجز عن هذه الزيارة، أقع في فخ الانتقال من مكان إلى آخر”.

وتخشى سيّدة أخرى شراء الدجاج، “فلونها وحجمها مخيفان للغاية، وفي الفترة الأخيرة، صرنا نشمّ رائحة قويّة غير معتادة على الدجاج، فنحن ندرك أنّ رائحته ليست كالعسل طبعاً، ولكن يُمكننا اكتشاف الدجاج المضروب من النظيف”.

ويرصد “لبنان الكبير” في جولته، عدم رضى المواطنين عن أمرين رئيسين: الأوّل يكمن في فوضى الأسعار الموجودة، والثاني الغضب من غياب الدوريات الصحية المعنية بمراقبة كلّ هذه الأمور بصورة دورية مع غياب القوانين الرادعة للحدّ من التعدّيات التي دفعت بعض التجار إلى ضرب صحة الناس وعقولهم بيد من حديد.

شارك المقال