يتخطون الأفكار الانتحارية… كيف؟

ليال نصر
ليال نصر

ترتفع نسب حالات الانتحار في لبنان لأسباب متعددة أهمها الوضع الاقتصادي والبطالة والوضع الأمني. مثلاً: من تاريخ 1/11/2021 الى تاريخ 31/12/2021 وحسب أرقام قوى الأمن الداخلي، تم التبليغ عن 145 حالة إنتحار. وهناك أشخاص يقومون بهذا الفعل فجأة وآخرون يعانون قبل ارتكاب هذا الفعل ويتوجهون أو يتم توجيههم الى أخصائيين لمساعدتهم على تخطي الأفكار الانتحارية.

وتوضح المعالجة النفسية نانسي القاروط في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار غالباً ما يعانون من أمراض نفسية واضطرابات في الشخصية واكتئاب، وكثيرون لديهم نزعات إنتحارية من جميع الأعمار.

أسباب التفكير بالانتحار

تشير القاروط إلى الفرق بين الانتحار والأفكار الإنتحارية. فالانتحار هو عندما ينوي الشخص الموت وينفذه وهذا مرتبط بعوامل التوتر والضغط وعوامل صحية معقدة يمكن أن تصيب أي شخص مهما كان عمره وعرقه أو خلفيته الإجتماعية، ومهما كان العائد المادي الذي يتقاضاه. أما الأفكار الانتحارية فهي حالة طبية ملحّة وتقع ضمن الأفكار التي تستدعي اللجوء إلى طبيب نفسي، ويجب أن يلجأ هذا الشخص الى المساعدة ليتخطى هذه المحنة والأفكار كي لا تتحول إلى فعل حقيقي ينفّذ.

من يفكر بالانتحار؟

الأشخاص الذين لديهم أفكار إنتحارية أو يقدمون على الانتحار، هم أشخاص فقدوا الأمل ويشعرون بعدم القدرة على القيام بأي فعل فيقررون وضع نهاية لهذا الألم الذي يشعرون به لأنهم لا يجدون وسيلة أخرى للهروب منه، وهو طبعاً فعل حاد ويمكن أن ينتج من استخدام مواد أو عقاقير معينة يدمنون عليها، وأيضاً الأشخاص الذين يعانون من أمراض ذهانية مثل الشيزوفرينيا لديهم نزعة إنتحارية بمعنى أنهم يشعرون أن صوتاً ما يطلب منهم أن يؤذوا أنفسهم.

من المهم جداً معرفة أن ليس كل الأشخاص الذين لديهم نزعة إنتحارية أو أفكار إنتحارية ينتحرون فعلاً، فكثيرون استطاعوا تخطي هذه الحالة وعادوا للعيش بصورة طبيعية وجيدة.

عوارض ومؤشرات

تضيف القاروط: “يتغير مزاج الأشخاص الذين يفكرون في الإنتحار وتصرفاتهم بطريقة مفاجئة ونرى عندهم مؤشرات مثل: فقدان الأمل وعدم القدرة على النهوض من السرير أو على الذهاب إلى العمل أو القيام بواجباتهم العائلية ولا يبتسمون أبداً ويبكون كثيراً أو لا يبكون، لكن يلتزمون الصمت، ويعبّرون عن رغبتهم في الموت ووضع نهاية لحياتهم، ويستخدمون بفائض الحشيشة أو العقاقير النفسية التي يصفها الأطباء بكثرة، وينعزلون كثيراً ولا يمارسون النشاطات التي يحبونها وتتغير عادات نومهم وشهيتهم على الطعام حتى انهم يوزعون أغراضهم أو يكتبون وصيتهم”.

أسباب الانتحار

يمكن أن يكون سبب الانتحار مرضاً نفسياً معقداً أو تعرّضاً لخسارة ما مثل فقدان شخص عزيز أو خسارة وظيفة أو أموال. ويمكن أن يكون أحد أفراد العائلة قد قام بالانتحار وبالتالي يدخل العامل الوراثي.

ومن الأسباب أيضاً: النزعة الانتحارية أو مرض جسدي أو إعاقة جسدية خطيرة ومعقدة أو شخصية حادة أي شخص يحب العنف وليس لديه أي دعم من عائلته أو أصدقائه فيشعر بالوحدة لأنه يكون متروكاً ومنبوذاً بالاضافة إلى إمكان الحصول على أسلحة وأدوية بحيث تكون وسائل القيام بالانتحار متاحة.

طريقة حماية هؤلاء الأشخاص

“يمكننا حماية هؤلاء الأشخاص من خلال سؤالهم إذا كانوا يفكرون في الإنتحار. فمن الممكن أن يرتاحوا عند سؤالهم لأنه لم تسبق لهم مشاركة أفكارهم مع أحد. عندها يمكن أن يتكلموا ومن خلال الحديث، قد نقدم لهم الدعم الاجتماعي البنّاء والايجابي وأن نعطيهم الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين كالأولاد. إلا إذا كان لدى الشخص إكتئاب أو ذهان ولا يستطيع الإستيعاب وممكن تذكيره بمسؤوليات تجاه حيوانات تعيش عنده وإعطاؤه الكثير من الحلول والاقتراحات لامكانات التأقلم والايجابية، وضرورة تحويله إلى طبيب نفسي لأخذ العلاج والدواء المناسب لحالته وتذكيره بمصادره الشخصية وقدراته ليسترجع ثقته بنفسه كما تذكيره بتجارب سابقة مرّ بها كانت صعبة واستطاع تخطيها”، بحسب القاروط.

وتقول: “من الضروري سماع الأشخاص وأخذ كل ما يقولونه على محمل الجد ولا أحكم عليهم أو أقلل من شأن مشاعرهم وأريهم التفاؤل وأذكرهم بأن كثيراً من الناس كانت لديهم نزعات إنتحارية واستطاعوا تخطيها. ونسألهم إذا كانت لديهم خطة للانتحار وحسب جوابهم يمكن أن أقلل من إمكان الوصول الى هذه الوسيلة التي يضعها في مخططه للإنتحار إن كان بالدواء أو سكين أو سلاح”.

“وترى أن “من المهم جداً أن يكون المعالج النفسي واعياً ويعرف أن المريض يجب أن يحول إلى طبيب من خلال رسالة أو نص قصير يظهر أنني حولته وأخبرت الطبيب أن لدى الشخص نزعة إنتحارية، وأتابع مع الطبيب وأشرح للمريض أنه يجب أن يتابع مع طبيب نفسي ويجب أن يعطي المريض رقم هاتف أحد أفراد العائلة ليتم الإتصال به طبعاً بإذنه وموافقته”.

وتشدد على وجوب “إخبار المحيطين بهذا الشخص بأهمية قيامهم بالدعم النفسي اللازم له وأن ينتبهوا ويخفوا الأدوات التي وضعها في خطته للإنتحار، وأطلب من الأهل إعطاءه حبة الدواء والمتابعة وأطلب منه أن يقوّم هذه النزعة الانتحارية لأعرف ما إذا كانت الوضعية خطيرة ونضع خطة أمنية ووقائية ونعمل بالعلاج النفسي على تخفيف الشعور بالرغبة في الإنتحار والمساعدة ليعبّر أكثر كي يجد الأمل وامكان تخطي المحنة”.

من يتحمل المسؤولية؟

إذا أقدم الشخص على الانتحار فتقع المسؤولية أولاً وأخيراً على الشخص نفسه لأنه أخذ القرار، وعلى المعالج النفسي أيضاً إذا كان على علم بالنزعة الانتحارية للشخص ولم يخبر الطبيب النفسي، والأهل إذا لم يتابعوا الذهاب الى الطبيب وتناول الدواء في حال لجأ اليه. وأحياناً تقع المسؤولية على عاتق الدولة والظروف التي تؤمنها أو لا تؤمنها للمواطنين بصورة غير مباشر.ة

تداعيات الانتحار

عندما ينتحر أحد أفراد العائلة تختلف طريقة الحداد عن حالة الوفاة العادية، فالتداعيات تكون قاسية جداً على الأشخاص المحيطين، اذ يمكن أن يصيبهم إضطراب ما بعد الصدمة أو أن يشعروا بالحاجة الى الانعزال عن المجتمع لأنهم يشعرون بالخجل والعار والذنب، كما يشعرون أن شيئاً ما أصبح غير منتظم في الخلية العائلية، فيصاب الأهل بالخوف من قيام أفراد العائلة بالتماهي بالمنتحر.

نصائح لعدم التفكير بالانتحار

– اللجوء الى معالج نفسي ليعترف الأشخاص بأن لديهم أفكاراً إنتحارية والتحدث عن أسبابها وحدّتها وتواترها ويعبّروا عن مشاعرهم ومخاوفهم، وعندما يشعرون أن هناك من يسمعهم، يقوي هذا لهم النظام الداعم حولهم ويشعرون أن هناك أشخاصاً مهتمون لأمرهم وليسوا وحيدين.

– أخذ العلاج على محمل الجد والدواء بانتظام.

– متابعة الموضوع.

– الخضوع لجلسات دعم نفسي إجتماعي مع أشخاص لديهم هذه النزعة ليعرفوا أنهم ليسوا الوحيدين.

– تعلم تقنيات نفسية تساعد الشخص على التخلص من أي فكرة متكررة وليس فكرة الانتحار فقط.

وفي شهر التوعية على الانتحار، تجدر الاشارة إلى أن العلاج النفسي شيئ أساس ويجب عدم الحكم على المنتحرين، لأن لا أحد يمكنه معرفة الأزمات النفسية والصراعات الداخلية واليأس الذي يصل إليه الأشخاص ليقدموا على هذا الفعل.

كلمات البحث
شارك المقال