٥٠٪ من الأدوية مهربة ومزورة… وصيدليات كبرى متورطة

راما الجراح

يُسجِّل لبنان نشاطاً لافتاً على صعيد تجارة الدواء غير الشرعيّ منذ أكثر من عام، وتشكّل الأدوية المهرّبة والمزوّرة بين ٤٠٪ و٥٠٪ من سوق الدواء، ويزداد الخطر على المواطنين الذين يتناولون هذه الأدوية مجهولة المصدر من دون وصفة طبيب والتي تنعكس مضاعفاتها على المرضى. وتنشط سوق الأدوية غير الشرعية على تلك التي تُعالج الأمراض الخبيثة والمستعصية والتي لا يمكن السكوت عمّا تُشكّله من مخاطر.

ورصدت النيابة العامة المالية شبكات تبيع أدوية مهرّبة في السوق السوداء، يستخدم بعضها مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق الأدوية التركية، السورية، والايرانية، وأعطت القاضية فاتن عيسى في النيابة العامة المالية إشارة إلى مكتب بعبدا في جهاز أمن الدولة، الذي عمل على خرق المجموعات ورصدها قبل استدعاء من يديرها وعدد من الأعضاء فيها، ومن بينهم صيادلة وآخرون عملوا في صيدليات وقسم ثالث لا علاقة له بالمهنة، ووردت ٥ أسماء صيدليات من بين الأكبر في لبنان، تبيع أدوية تركية مهرّبة غير مضمونة الجودة، وغير مسجّلة في وزارة الصحة، ولا تحوز شهادةَ المختبرات المرجعية، ولا تخضع بطبيعة الأمر للاجراءات الرقابية، منها مزوّرة أو منتهية الصلاحية أو تُنقل بطريقةٍ خاطئة لا تُحافظ على معايير السلامة. وقد تبيّن أن مصدرها معامل متخصّصة في تركيا، بصورة رئيسة، لصناعة أدوية معدّة للتهريب، غير تلك التي تباع في الصيدليات التركية، ووقع أصحاب الصيدليات الخمس تعهداتٍ بعدم المتاجرة بالدواء المهرّب، وتغريم المتورطين في عمليات التهريب مبالغ وصلت إلى 8 آلاف دولار، وفهم أن هناك توجّهاً الى متابعة الملف، بعد تقدّم عدد من المرضى بشكاوى قضائية إثر اكتشافهم عدم صلاحية عقاقير الأنسولين وأخرى مخصّصة للتنحيف.

وعلى أثر ذلك، أشار نقيب الصيادلة جو سلّوم إلى أنّ النقابة أخذت صفة الادّعاء الشخصي أمام النيابة العامة المالية والاستئنافية، ومستمرة في إرسال ما لديها من ملفات. ومع الوصول إلى مرحلة رفع الدعم عن الأدوية، ما عدا أدوية السرطان والأمراض المستعصية، شهدت أسعار الأدوية ارتفاعاً ملحوظاً، أسهم في ازدهار الصناعة الدوائية المحلية، فبات لبنان ينتج أدوية بديلة (generic) لحوالي ٥٠ إلى ٦٠٪ من الأدوية المستوردة، وسعرها أدنى بحوالي ٢٥٪، إلا أنّ غزوة الدواء المهرّب وإقبال المرضى عليه نظراً إلى أسعاره التنافسية مقارنة مع الدواء اللبناني، أضرّا بسمعة لبنان الدوائية، وأدّيا إلى تراجع سوق الدواء من حوالي مليار و٢٠٠ مليون دولار إلى حوالي ٥٠٠ مليون دولار.

وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية فان ما نسبته أكثر من ٤٠٪ من الأدوية المهربة لا تحتوي على المادة الفعالة، إلى جانب أن هذه الأدوية غير مضمونة الصلاحية، بحيث أن ظروف التخزين والنقل خاطئة ولا تراعي حساسية المواد بأنواعها المختلفة، ويمكن أن تؤثر سلباً على هذه الأدوية وبالتالي قد ينجم عنها إلحاق الأذى والضرر بالمرضى. وعليه فإن أكثر الأدوية المعرضة للغش والتزوير هي الأدوية التي تستخدم بصورة واسعة مثل “الباراستيامول” والأدوية مرتفعة الثمن مثل أدوية الأمراض المزمنة (القلب، السكر، الضغط، الكوليسترول) وأدوية الشركات الكبرى والأدوية التجارية المعروفة مثل المنشطات الجنسية.

وأكد مصدر خاص لـ”لبنان الكبير” أن “هناك صيدلية معروفة في بيروت ولديها عدة فروع، تستورد أدوية من تركيا منذ بداية الأزمة في لبنان، وتقوم بتسعيرها على الدولار وعلى عينك يا تاجر، ولا أحد استطاع محاسبتها أو توقيفها عند حدها وتتمتع بغطاء على الرغم من أنها تعتبر مافيا”.

وفي حديث مع صاحب “صيدلية غطمي”، أشار الدكتور ريان غطمي إلى أن “الصيدليات مليئة بالأدوية المهربة، ولكن الفكرة أن الموضوع في بعض المناطق نوعاً ما تحت الطاولة، أما في مناطق بعلبك – الهرمل وعرسال، فأدخل إلى الصيدليات ولا أتعرف على أي دواء بسبب الأسماء الغريبة وغالبيتها إيرانية وسورية، والأخطر من ذلك أن لا أحد يعلم كيف يتم نقل هذا الدواء، وهل تعرض للشمس أم لا، ومن الممكن أن يصل الدواء فاسداً قبل أن يعرض في الصيدلية، أي لا رقابة أبداً في هذه المناطق”، معتبراً أن “الناس لا يمكن لومها لأنها تبحث عن الأرخص اليوم، من طعام وشراب وحتى دواء، وخصوصاً بعد دولرة أكثرية الأدوية، فعلى سبيل المثال علبة الانسولين ryzodeg أصبح سعرها ٨ ملايين ليرة في لبنان وتحتوي على ٥ أقلام فقط، بينما المستوردة من تركيا لا يتعدى سعرها الـ ٤٠ دولاراً”.

وأكد لـ”لبنان الكبير” أن “الأساس يبقى في المصدر الذي يأتي بالدواء من تركيا وغيرها، وفي حال وُضع الدواء في براد يكون آمناً. هناك حلول سهلة يمكن الاستعانه بها، مثل دواء السكري janumet وهو لبناني وسعره مليون ونصف المليون وأضمن من شراء أي دواء سوري وايراني، ومعروف مصدره، ويجب على المرضى أن يقبلوا في مكان ما أنه في حال استطاعت الصيدلية استيراد أدوية تركيب من مصادر موثوقة، فلا ضرر في استعمالها في حال كانت التركيبة نفسها، فهناك أدوية مقطوعة ولا حل إلا بهذه الطريقة، وأقل مثال على ذلك علبة البنادول التي يبلغ سعرها ١٤٠ ألفاً، هناك بديل لها adol وسعر العلبة ٧٠ ألفاً كحد أقصى والتركيبة نفسها”.

ورأى غطمي أن “على الدكتور في حال أعطى وصفة طبية لمريض ويشك في عدم توافر الدواء، أن يعطي احتمالات بديلة، أو يفرض على المريض السؤال في السوق عن أدوية بديلة واستشارة الطبيب مره ثانية للتأكد من التركيبة، بهذه الطريقة يمكن تسهيل أمور المرضى أفضل وبوقت أقل”، موضحاً أنه لا يبيع في صيدليته أي دواء مستورد “لأن وزارة الصحة يمكن أن تقفل الصيدلية بكل بساطة، وأستطيع في بعض الأحيان تأمين أدوية من تركيا لمرضى بحاجة الى دواء مقطوع مثلاً، من مصدر أنا متأكد منه تماماً وعلى الطلب وعلى مسؤولية البعض في غالبية الأحيان”.

شارك المقال