بالأرقام… لبنان الفقير أصلاً كيف سيواجه الحرب؟

ليال نصر
ليال نصر

يعيش اللبنانيون حالة من القلق والخوف من توسع رقعة الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة خصوصاً بعد تطور الأحداث الميدانية على الحدود الجنوبية والحديث عن سيناريو مرعب يعيد لبنان إلى العصر الحجري. ويخشون من التداعيات الاقتصادية على لبنان الذي تحل فيه الكوارث واحدة تلو الأخرى، فها هو مبنى المنصورية ينهار والطرق والأنفاق تغرق بمياه الأمطار في ظل المعاناة من الفقر العام وعملية الإفقار التي يتعرض لها الشعب اللبناني. فكيف ولماذا وصلنا إلى هذا الحد من الفقر؟

يلفت مستشار شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أديب نعمة في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن الفقر ليس حالة جديدة. وفي الدراسة التي صدرت عن وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1998 بناء على بيانات العام 1995، بلغت نسبة الحرمان والفقر في لبنان 35% من السكان وهذه نسبة كانت مرتفعة جداً وتم قبول هذا الرقم رسمياً أي تبنيه من الحكومة اللبنانية باعتباره رقماً رسمياً.

بعد ذلك حصل تراجع ضئيل في السنوات العشر التي تلت حتى العام 2005 حين تم العمل على قياس جديد وكانت نسبة الفقر 30% بناء للمنهجية نفسها. ذلك التحسن لم يكن اقتصادياً بل بمؤشرات التعليم والسكن والصحة والخدمات العامة. وحتى في ظل ذلك، حصل تراجع في الدخل والعمل والبطالة ومستوى الدخل. واستمر التراجع حتى الانهيار الكبير عام 2019 وحصلت خلال هذه الفترة بعض التحسنات الجزئية، مثلاً بعد حرب تموز 2006 كان هناك تدفق تمويل خارجي كبير من الدول العربية خصوصاً كقطر وغيرها، ما شكل حالة موقتة وموضوعية من الانتعاش الاقتصادي. ووصل معدل النمو الاقتصادي إلى نحو 9% ثم في العام 2010 وقبل بدء الأزمة السورية بدأ الركود الاقتصادي وتراجع معدل النمو الاقتصادي والناتج المحلي، ثم حصل انتعاش جزئي عام 2017 لفئة من الناس كموظفي القطاع العام بمن فيهم المعلمون لكن طبعاً لم يطل هذا الأمر معلمي القطاع الخاص فكانت سلسلة الرتب والرواتب، وهذا القرار كان في حينه ارتجالياً وغير مدروس على الرغم من أنه محق، لكن الحكومة أخطأت في وضعه كرد فعل على مطالبات القضاة وأساتذة الجامعة برفع رواتبهم، لذلك تدهور الوضع.

ومع الأزمة التي حصلت بدأ الانكماش الاقتصادي عام 2010 ثم في العامين 2013 و2014 بدأ مصرف لبنان بإعطاء حساب سلبي وبدأ العجز في موازنة مصرف لبنان. وفي العامين 2015 و2016 دخلنا في الهندسات الوراثية ثم في العامين 2018 و2019 بدأت ألاعيب المصارف إلى أن انفجر الوضع عام 2019 ومنذ ذلك الحين بدأ انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية.

ما حصل، نقلنا من نسبة فقر ثلث السكان على الصعيد الوطني وكانت النسبة ثلثي السكان في مناطق عكار والضنية وريف مرجعيون وبنت جبيل وأرياف راشيا والمناطق البعيدة، ولكن المتوسط الوطني كان قرابة الثلث. أما اليوم وبسبب هذا الإنهيار فأصبحنا نتحدث عن 75 إلى 80% وما فوق من الناس الفقراء في كل المناطق اللبنانية، وطبعاً هناك بعض الفئات ويمكن أن يكون موجوداً تحديداً في بيروت وبعض المناطق والجيوب التي فيها رفاهية أكثر في جبل لبنان وضعهم أفضل في ظل وجود فئات وسطى أكثر.

نذكر كل هذه التواريخ والأرقام لنثبت أن لبنان في حالة تدهور شامل في مستويات المعيشة ونحن بحاجة إلى سياسات عامة تتحدث مع الغالبية الكاسحة من الشعب اللبناني تحتاج إلى المساعدة عدا عن نسبة 1% من المحتكرين للجزء الأكبر من الثروات كما يظهر تركز الودائع المصرفية والقروض المصرفية في الوقت نفسه.

الوضعية العامة

لنفهم هذا الوضع يجب أن نعرف أنه غير مرتبط بالدخل. ففي العام 2019 وبحسب إدارة الاحصاء المركزي قبل الأزمة كانت نسبة العمل غير المهيكل والنظامي في لبنان 55% وأصبحت 62% في بداية العام 2022 وإلى ارتفاع مستمر ولا نزال أمام 55% من الناس ليس لديهم تأمين صحي وضمان إجتماعي أصبح يغطي فقط 10% من الكلفة الحقيقية للأشخاص المضمونين وحتى موظفو القطاع الخاص لم تعد متوافرة لديهم أي تغطية صحية وبالتالي الموضوع شديد الخطورة على هذا الصعيد.

الانهيارات على كل هذه الأصعدة بالاضافة إلى فقدان الليرة اللبنانية حوالي 95% من قيمتها الشرائية فضلاً عن التضخم وارتفاع الأسعار بسبب الاحتكار والسياسات الخاطئة والسرقة التي تمارس من المستوردين والمحتكرين، وبالتالي المشكلة لا تعالج بالترقيع كما أن التأمينات وأكلاف التعليم أصبحت مرتفعة جداً بما في ذلك النقل العام كما التدهور في نوعية التعليم وهذه كلفة بالغة الخطورة، وكذلك انهيار الخدمات العامة والسكن المرشحة للإنفجار في أي لحظة على نطاق أوسع، وشهدنا أمثلة في طرابلس ومؤخراً المنصورية حيث حصد القتلى جراء اهتراء البنى التحتية وكثرة الأبنية المتصدعة فيما تفشل البلديات والوزارات المعنية في حل هذا الموضوع.

كل ذلك، وليس هناك أي خطوة لتحفيز النمو الإقتصادي في لبنان على الإطلاق بل ركود مستمر وبطالة شباب ارتفعت إلى 60% وقدرة الأقسام الكبرى على العمل من خلال النمو الاقتصادي لتوفير مداخيل لهم باتت غير متاحة.

فالج لا تعالج

المشكلة لا تعالج بنظام مساعدات الحكومة مع البنك الدولي وبرنامج التحويلات النقدية لمساعدة العائلات الأشد فقراً وهو في ذروته يمكن أن يصل إلى 250000 أسرة في حين لدينا 750000 أسرة بحاجة الى المساعدة وهذا التطبيق يموّل بالدين وهو شيئ غير طبيعي ويحتاج إلى سياسات كاملة وخطة شاملة تبدأ بإقرار نظام شامل للحماية الاجتماعية مبني على أساس الحق. وقد قدمت اقتراحات في هذا الموضوع على الأقل من منظمة العمل الدولية و”اليونيسف”، لكن الدولة اللبنانية أهملتها حتى اللحظة.

كما يجب حل أساس المشكلة من خلال تأمين المرافق العامة ثم الأفق بدورة إنتاج أي دولة تعاود العمل بمؤسساتها العامة عبر تطوير الزراعة والخدمات المنتجة من جديد بدل إضاعة المزيد من الوقت وتعميق الحفرة في ظل سرقة المصارف لودائع اللبنانيين.

فالأشخاص الذين لا يزالون قادرين على تأمين مداخيل بالدولار هم فئات متفاوتة وضعهم أفضل لكنهم أقليات، لذا يجب أن تكون المعالجة جذرية أي سياسية لأن من يحكمون الآن ويتخذون القرارات هم مافيا المصارف وكبار الرأسماليين مع مافيا السياسيين وأصحاب الميليشيات وهم يعطلون اتخاذ أي إجراء يؤدي إلى سلوك طريق الحل.

كما أن الأزمة السورية والحرب منذ العام 2011 لعبت دوراً أساسياً في خلق أزمة إقتصادية. والضغط السياسي عطل إمكان الوصول إلى تسويات في لبنان ولو كانت تسوية على حساب “تقبيل اللحى”، كما أن الحرب أغلقت حدود لبنان فلم يعد هناك أي تبادل تجاري وسياحة وتصدير ما أسهم في الركود الاقتصادي، ومع استمرار الحرب أتى اللاجئون وازدادت عمليات التهريب ففقد لبنان كمية كبيرة من موارده المالية.

كان للاجئين تأثيرات سلبية وإيجابية على لبنان لكنهم بحسب نعمة ساهموا في إنعاش الزراعة والصناعة لأن اليد العاملة الرخيصة تنشط الاقتصاد وتزيد الناتج المحلي، إلا أننا اليوم أمام مشكلة خاصة لأن اللاجئين يأتون بصورة منظمة ومفتعلة من النظام وتنفذ ذلك شبكات التهريب المنظمة على جانبي الحدود وبالتالي المشكلة في من يرسلهم، فالتدفق منظم والنظام السوري لا يريد إعادتهم إلى سوريا. فهل لا يزال لبنان واللبنانيون قادرين على تحمل تبعات الحرب إذا توسعت؟

شارك المقال