مقاوِمات الحرب.. مماليك أزمنتهنّ

ليال نصر
ليال نصر

في وطننا العربي، النساء ضحايا عنف واستبداد وظلم واستعمار واحتلال. وهنّ بطلات ومقاومات وصانعات أمان حتى في أزمنة الحروب.

تقول الناشطة النسوية وعضو لجنة حقوق اللاجئين في لبنان سميرة صلاح في حديثها لموقع “لبنان الكبير”: “في جميع مراحل النضال الوطني الفلسطيني لغاية الآن هناك دور للنساء يعلو ويهبط حسب الظروف لكنهن لم يكنّ يوماً متقاعسات عن دورهن”.

وتضيف: “منذ العام 1917 والمرأة الفلسطينية تقوم بدور فاعل في المجتمع إن كان على صعيد المظاهرات والحملات التي طالبت بإلغاء وعد بلفور وطرد البريطانيين من أرضها، أو في رعاية أهالي الأسرى والمفقودين وإيصال السلاح والرسائل والمؤن إلى الجبال للمقاتلين، وأهم مظاهرة حصلت عام 1929 شاركت فيها 300 إمرأة. كما شاركت النساء في ثورة العام 1936 وإضراب الستة أشهر وفي العمل العسكري والسياسي، وحملت السلاح. ومن أشهر النساء اللواتي حملن السلاح وشاركن في القتال السيدة حلوة زيدان.

نضالات بأوجه مختلفة

تصاعد دور المرأة مع تصاعد النضال الوطني الفلسطيني وساهمت الأحزاب السياسية في دعم أدوار النساء.

سقطت شهيدات كثيرات على دروب النضال الوطني منهن حياة البلبيسي وشادية أبو غزالة، حلوة زيدان، فاطمة غزال وتغريد البطهة. واعتقلت نساء عديدات مثل فاطمة ميرناوي ورسمية عودة وعائشة عودة ولطفية الحواري وتريز هلة وأسماء كثيرة. في المقابل، أبعدت نساء كثيرات من أرضهن الأصلية فلسطين إلى المنافي.

مع تطور النضال الفلسطيني، تطور دور المرأة وانتقل إلى مرحلة حماية الثورة ودعمها، فكانت المقاتلة والمربية وقائدة العمليات وخطف الطائرات والعمل النسائي، والقائدة السياسية والعاملة الاجتماعية. وبرز عدد من المناضلات على الساحة السياسية خصوصاً في الانتفاضتين الأولى والثانية.

وفي لبنان حملت المرأة السلاح دفاعاً عن الثورة ما عزز مكانة المرأة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني والعربي والدولي.

أما في مجال التربية والتعليم، فكان للنساء دور مميز ومشرّف وخرّجن أجيالاً وأجيالا.

للأسيرات تحية إكبار

تشير صلاح إلى أهمية تسليط الضوء على الأسيرات اللواتي عانين من الاحتلال والاضطهاد والشهيدات في العمليات العسكرية اللواتي كان عددهن مدعاة فخر، مستذكرة خالدة جراح ودلال المغربي ولولا عبود وسناء محيدلي وشادية أبو غزالة وتغريد البطمي وكثيرات سطّرن أروع البطولات على أرض فلسطين.

“ذلك التاريخ المشرّف للمرأة لا يمكن أن يمحى من الذاكرة ولكن ما زال الطريق طويلاً ومملوءاً بالشوك الذي يوصلنا إلى الورد والإستقرار والحياة الكريمة”، بحسب صلاح. فالحروب المتتالية وما تخلفه من ويلات، تضع على عاتق النساء أموراً كثيرة منها نتائج الهجرة القسرية والوضع الاقتصادي والنزوح الذي يؤثر على العائلة ويفككها إلى جانب الأمراض والآفات الاجتماعية مثل المخدرات ولجوء الأطفال إلى ترك المدارس والنزول إلى العمل.

النساء هن الحاميات للأطفال والشباب واللواتي يهتمين بالتعليم ويحرصن على التربية الوطنية والمبادئ الوطنية التي توصلنا إلى مصاف الدول المتقدمة. وتجدر الاشارة هنا إلى المعلمة أسماء معمر التي فازت بالجائزة المبدعة بالميدالية الذهبية لتحسين طرق التدريس.

تجهد النساء في العمل على رفع مستوى المرأة حتى في زمن الويلات والحروب والنزوح، فهن المناضلات والقائدات لتطوير العمل النسائي المنزلي من خلال إقامة مشاريع للنهوض بأوضاع المرأة الاقتصادية.

صمود وبسالة

النساء الفلسطينيات واللبنانيات صامدات وباسلات في كل مواقع المواجهة. فالفلسطينيات قمن بدور كبير في غزة وحي الشيخ جراح والقدس وسلفيت وجنين وبيت لحم وأم الفحل والخليل وكل فلسطين وفي خارج الوطن كمخيمات اللجوء.

هن اللواتي يلعبن دوراً مميزاً في حماية المجتمعات وحماية المرأة ودعمها في الصحة والتعليم والاقتصاد والاجتماع من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

أما نساء عين الحلوة فهن اللواتي عملن بجد من أجل إعادة إعمار بيوتهن التي دمرتها حرب 1982 حتى لا ينجرف المخيم وهذا موثق في فيلم “مملكة النساء”.

تراكمات نضالية

ولا تقل عظمة نساء لبنان المقاومات المشرّفات ببطولاتهن عن المقاومات الفلسطينيات، فكلنا نذكر سهى بشارة الناشطة في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والتي قامت في عمر العشرين بمحاولة اغتيال العميد أنطوان لحد وتم اعتقالها في معتقل الخيام ثم أطلق سراحها في الثالث من أيلول (سبتمبر) عام 1998 بعد انطلاق حملات لبنانية وأوروبية وحتى إسرائيلية مكثفة لصالحها. واستخدم جزء من قصة سهى في فيلم كندي يدعى “الحرائق”.

ونستذكر أيضاً الصحافية اللبنانية كوزيت الياس ابراهيم التي كانت أيضاً معتقلة في الخيام وأطلق سراحها عام 2000 بعد انسحاب العدو الاسرائيلي من الجنوب وتشاركت مع سهى بشارة في نشر كتاب حمل عنوان “أحلم بزنزانة من كرز”.

وتلفت رئيسة جمعية “وردة بطرس” للعمل النسائي ماري ناصيف الدبس في حديثها لـ “لبنان الكبير” إلى دور النساء في مواجهة كل نتائج الحروب انطلاقاً من الحرب الأهلية اللبنانية ومواجهة العدوان الصهيوني عام 1982، اذ تلعبن دوراً مهماً للغاية يوازي أهمية مشاركة الرجل إن من حيث حمل السلاح للمواجهة وخصوصاً في القضايا التي تحيط بالمجتمع وتساعد على تخطي الحرب لأنها تترك أزمات جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة.

فالنساء هن المدبّرات لكل شيئ ولديهن الشجاعة بمقدار شجاعة الرجال بل ربما أكثر وتحديداً الأمهات اللواتي يدافعن عن حقوق الأبناء عموماً من أجل الحياة الكريمة ةالعيش وعدم الموت، بالاضافة إلى أدوارهن كممرضات ومربيات للأطفال.

وتشير الدبس إلى الدور المهم والمؤثر للنساء من الناحية الاعلامية، اذ نرى منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” الدور الكبير للاعلاميات والمراسلات على الجبهات على الرغم من تعرضهن لخطر الموت كما حصل مثلاً مع الصحافية في قناة “الجزيرة” كارمن جوخدار والصحافية كريستينا عاصي اللتين أصيبتا في قصف العدو الاسرائيلي جنوب لبنان أثناء أداء مهمتهما الاعلامية لنقل الحقيقة والصورة الواقعية للناس، ومع ذلك لا تزال نساء وإعلاميات أخريات يقمن بمهماتهن.

أما من الناحية الحقوقية، فتطرح النساء المسائل الأساسية لمواجهة ما يقوم به المعتدي مثل التحرك باتجاه الأمم المتحدة والمحكمة الدولية في لاهاي وتجميع الحقوقيين لطرح مسألة عدم شرعية ما جرى ويجري وتحوله إلى جريمة ضد الانسانية، وبالتالي كيف سيكون العقاب عليها خصوصاً للصهيونية والولايات المتحدة التي تدعمها؟

في هذه الظروف، وإن كان الدور للقوة العضلية بصورة أساسية كما تقول الدبس، إلا أن النساء يمكنهن القيام بكل الأدوار المطلوبة منهن وخصوصاً الأدوار الانسانية، فالدور الانساني هو الأساس لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والانسانية عموماً على المجتمعات التي نعيش فيها. فهل ستسطّر النساء عمليات بطولية جديدة في معركة “طوفان الأقصى”؟

شارك المقال