شح كبير في “مياه الدولة”… و”المتعوّد عالحرمان يصمد في الحرب”

منى مروان العمري

مع انتهاء فصل الصيف والموسم السياحي لهذا العام، عادت الأمور الى حالها في بيروت حيث يعيش السكان أزمة مياه في بلد غنيّ بها. ولعلّ الانتهاء من الموسم الصيفي (في ظل استهلاك كميات كبيرة من المياه خلاله) يأتي بمصائب تقع على كاهل المواطنين، كالشحّ الكبير في مياه الدولة والاستعانة بصهاريج متنقلة كبديلٍ مائي غير رسمي لتلبية احتياجاتهم اليومية. فقد اعتاد سكان بيروت انقطاع المياه الآتية من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان بسبب ترهّل البنية التحتية لإيصالها إلى العاصمة. لذلك، قد يحصل أي عطل في الشبكة ومحطات الضخ، أو يحصل طارئ ما فتكون النتيجة: انقطاع المياه وزيادة كلفة مياه الصهاريج على السكّان المحرومين، هذا في الأيام العادية، فكيف سيكون الوضع اذا وقعت الحرب؟

لبنان يتخذ تدابير احترازية

أشار رئيس مجلس ادارة مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران لموقع “لبنان الكبير” الى أن “بيروت تعاني عادةً من شحّ في المياه بعد كل موسم سياحي في فصل الصيف وهذا الأمر طبيعي”، معتبراً أن “الأمور حتى الآن اعتيادية في ظل الأزمة التي نعيشها، ولكن لا نعلم كيف ستكون مجريات الأحداث في حال تطورت الوضع في المنطقة لاحقاً، وان شاء الله ما بصير حرب. ولا يمكن القول بأن المياه ستنقطع عن بيروت وباقي المناطق في حالة الحرب، لأن الأمر مرتبط بمدى توافر الموارد الأساسية كالكهرباء والمازوت والفيول، لكن اذا لم تتوافر فلا نعلم ما الذي سيحدث”.

وكان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، أوضح في حديثٍ من مجلس النواب أن “القطاعات التي تتم دراستها حالياً هي القطاعات الحيوية المعنية باستمرارية الحياة كالأمن الغذائي والصحة والاستشفاء والنزوح وايواء النازحين، بالاضافة الى البنى التحتية كالمياه والكهرباء والمحروقات، وذلك لأهمية توافرها لمدة معينة من أجل الاستمرارية، بحيث قمنا بأخذ التدابير الاحترازية للمؤسسات المعنية، كتلك التي لها علاقة بتغذية المياه التي يجب أن يكون لديها مخزون من قطع الغيار في حال اضطروا الى معالجتها، ووجود مخزون كافٍ من الفيول لاستمرارية الخدمة بالحد الأدنى”.

واذ أكد “أننا دائماً جاهزون ما دمنا ندافع عن حقنا، نحن وأخوتنا في فلسطين أصحاب حق”، أشار الى أن “الامكانات محدودة والمتعوّد على الحرمان في وقت السلم سيكون صامداً أكثر في وقت الحرب”، قائلاً: “نحن نقوم بواجباتنا وأكثر، الكل يعلم أن موضوع الكهرباء مرتبط بالفيول واستمرارية الفيول تتطلب تمويلاً”.

مصادر مياه بيروت

تغذى بيروت بالمياه عن طريق مصدرين رئيسين: أكبرهما محطة معالجة المياه الشمالية في منطقة الضبية التي تقع على بعد 15 كيلومتراً شمال العاصمة بيروت، وتغطي حوالي 80% من استهلاكها المائي. والمصدر الثاني هو مركز لجمع المياه من مجموعة آبار في منطقة الناعمة، التي تقع على بعد 20 كيلومتراً جنوب بيروت، ويغطي النسبة المتبقية من الاستهلاك أي 20%، وعادةً ما يتم ضخ المياه من هذه المواقع إلى خزانات مختلفة ضمن بيروت من أجل التخزين قبل التسليم النهائي. ولكن على الرغم من ذلك، لا توفّر هذه الخزانات المياه بصورة دائمة. في المحصلة، تصل المياه إلى المنازل بمعدل ثلاث ساعات يومياً خلال الأوقات العادية في الصيف، بينما تصل مدة التغذية إلى سبع ساعات في فصل الشتاء.

أما المصادر البديلة غير الرسمية فهي استخدام صهاريج المياه والآبار في ظل معاناة اللبنانيين من نقص المصادر الاساسية كمّاً ونوعاً، بحيث ساهمت الأزمة الاقتصادية والمالية في السنوات الاخيرة في تفاقم الوضع أكثر، لذا اعتمد السكان في بيروت على أشكال مختلفة من المصادر غير الرسمية للمياه، بما في ذلك الصهاريج والآبار والمياه المعبأة. وفي حين أن هذه المصادر تفي بالغرض على مستوى توفير المياه وتساعد الناس على تأمين احتياجاتهم اليومية، إلا أن آثاراً اجتماعية واقتصادية وصحية وبيئية سلبية تترتب عليها، كما أنها تؤدي إلى ظلم اجتماعي لأنها تُثقل كاهل المجتمعات ذات الدخل المنخفض على نحو غير متكافئ.

والمسألة الأساسية في ملف المياه هي تجذُّر الأزمة وإصابة البنية التحتية التي يستحيل إصلاحها في الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، بالإضافة إلى غياب التمويل الكافي لدفعه الى المتعهّدين بالدولار النقدي، ما يقلّل فرص إجراء الصيانة والتغييرات المطلوبة لضمان وصول أكبر قدر من المياه، وفي أفضل صورة ممكنة، ما يعني أن بيروت وغيرها من المناطق أمام احتمالات مفتوحة لتكرار أوجُه أزمة المياه.

شارك المقال