الذكاء الاصطناعي في شباك إسرائيل… حقيقة أم كذبة؟

منى مروان العمري

قام العلماء منذ منتصف القرن العشرين، بتطوير نظام قادر على تنفيذ المهام التي يُنظر إليها على أنها تتطلب ذكاءً بشرياً، من بينها الألعاب الالكترونية وتشخيص الأخطاء وتقديم مشورة الخبراء وغيرها من المهام، وقد أظهر الذكاء الاصطناعي تقدماً ملحوظاً في ميدان تطوير الروبوتات والأنظمة الذكية لأداء مهام متعددة كالتفاعل مع البيئة بصورة ذكية. وتتنامى ثورة الذكاء الاصطناعي إلى أن أصبح الكثيرون يتعاملون معه كأنه كائن حيّ يأخذون رأيه في العديد من الأمور، ويترقبون هذا الرأي باهتمام. ولكن هل يمكن الاعتماد على آراء الذكاء الاصطناعي ومواقفه في قضايا جوهرية، مع ضمان موضوعيته، كالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي؟

هل يسقط قناع الذكاء الاصطناعي في اختبار “الموضوعية”؟

قمنا بطرح أسئلة على نماذج عدة من الذكاء الاصطناعي، منها سؤال: هل يستحق الشعب الفلسطيني الحرية؟ فلم يتضمن الجواب “نعم” أو “لا”، بل تمحورت معظمها حول أن “القضية معقدة”.

“هل يستحق الشعب الفلسطيني الحرية؟”

بينما كان الرد واضحاً تماماً عند اقترانه بالشق الاسرائيلي، لتكون الاجابة بصورة فورية “نعم”، مع الاستفاضة في بيان حق الشعب الاسرائيلي في العيش بدولة تنعم بالاستقرار والسلام.

“هل يستحق الشعب الاسرائيلي الحرية؟”

كما طرحنا سؤالاً آخر، عما اذا كان يحق لـ “حماس” الدفاع عن نفسها كونها مقاومة فلسطينية تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في الداخل، فكان الجواب معقداً جداً، بينما كان الردّ مختلفاً تماماً في حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها، اذ كان الجواب “نعم” بصورة واضحة ومباشرة.

“هل يحق لحماس الدفاع عن نفسها؟”
“هل يحق لاسرائيل الدفاع عن نفسها؟”

وفي هذا السياق، أشار الخبير في التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي فريد خليل لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الذكاء الاصطناعي هو محاكاة للذكاء البشري، ولكنه قادر على استقاء كم هائل من المعلومات في شتى المجالات ويستوعب هذا الكم أكثر بكثير من العقل البشري”.

وفي ما يخص انحياز الذكاء الاصطناعي الى طرف معين، أكد خليل أن “الذكاء الاصطناعي منحاز الى العديد من القضايا الجدلية وليس ما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي وحسب، وذلك يعود الى المصادر المتنوعة التي ينتقي منها المعلومات كالكتب والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. وفي ما يتعلق بالحرب على غزة الآن، يمكن تفسير انحياز الذكاء الاصطناعي الى الطرف الاسرائيلي بأن الرأي العام العالمي هو الذي يعطي الحق لاسرائيل في الدفاع عن نفسها باعتبارها دولة مستقلة وذات سيادة، ما يشرّع كل الأعمال الاجرامية التي تقوم بها ضد الفلسطينيين، لذا نجد أن هناك فرقاً بين ما اذا كنا نطلب منه معلومات مرتبطة بقضايا معينة وما اذا طلبنا منه رأيه حول قضية ما”.

ورأى خليل “أننا يمكن أن نستثمر ونستفيد من قطاع الذكاء الاصطناعي، لأن لدينا القدرة على أن نخلق روبوتات للدردشة كشات جي بي تي خاصة بنا، ونزوّدها بمعلومات تبنى عليها مواقف لاحقاً إما منحازة وإما غير منحازة، وبالنتيجة سيكون الوضع مختلفاً لأن المصادر هي التي تتحكم بمواقف الذكاء الاصطناعي”.

الذكاء الاصطناعي قوة إسرائيل العظمى

تعتمد إسرائيل بصورة ملحوظة على الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمتها وأسلحتها، فقد صرّح المدير العام لوزارة الدفاع الاسرائيلية في وقتٍ سابق، بأن “إسرائيل تستهدف استثمار براعتها التكنولوجية لتصبح قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي”.

وقال الجنرال المتقاعد إيال زمير أيضاً: “إن خطوات الافادة من التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي تشمل تشكيل منظمة مخصصة للروبوتات العسكرية في الوزارة، وتخصيص ميزانية كبيرة بصورة قياسية لأعمال البحث والتطوير ذات الصلة”. وأشار إلى أن “جي بي تي” و”إيه جي آي” (الذكاء الاصطناعي العام) كمجالات للتعلم العميق تعالجها صناعات الذكاء الاصطناعي المدنية التي قد تصبح لها في نهاية المطاف تطبيقات عسكرية. وأوضح أن “مهمتنا هي تحويل دولة إسرائيل إلى قوة ذكاء اصطناعي عظمى لتصبح في مقدمة عدد محدود جداً من القوى العالمية الموجودة في هذا النادي”.

شنّ الجيش الإسرائيلي في العام 2021، ما وصفه بـ”حرب الذكاء الاصطناعي الأولى في العالم”، وهي حرب هجومية استمرت لمدة 11 يوماً على غزة وعُرِفَت إعلامياً باسم “عملية حارس الأسوار” وأسفرت عن مقتل 261 وإصابة 2200 فلسطيني. ووصف القادة العسكريون الاسرائيليون تقنية الذكاء الاصطناعي بأنها عامل “مُضاعِف للقوة” يسمح للجيش الاسرائيلي باستخدام أسراب الطائرات الآلية من دون طيار لجمع بيانات المراقبة ورصدها، وتحديد الأهداف، وتبسيط الخدمات اللوجيستية في وقت الحرب.

دراسات علمية تؤكد الانحياز الى اسرائيل

التحيّز الذي تكشفه إجابات نماذج الذكاء الاصطناعي في الحرب الدائرة في غزة ليس مفاجئاً، إذ كشفت دراسات عدة عن تحيزات من نوع آخر تسيطر على إجابات نماذج الذكاء الاصطناعي، وأثبتتها دراسات تم تنفيذها باتباع مناهج علمية متخصصة.

فقد أكدت دراسة للباحث أوي بيترز، من برنامج فلسفة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في جامعة بون الألمانية، هذا التحيز، وقال في مقدمة الدراسة المنشورة في آذار الماضي في دورية “فسيولوجي وتكنولوجي”: “يمكن لبعض أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تعرض تحيّزاً خوارزمياً، أيّ أنها قد تُنتج مخرجات تُميز بصورة غير عادلة ضد أشخاص على أساس هويتهم الاجتماعية”.

كما لم تنكر شركة “ميتا” شبهة التحيّز، وقال متحدث باسم الشركة في وقتٍ سابق: “إن الشركة ستعمل على تقليل التحيّز، وستواصل العمل مع المجتمع لتحديد نقاط الضعف وتخفيفها بطريقة شفافة، ودعم تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي الأكثر أماناً”.

شارك المقال