بعد أزمة الماء التي تناولها “لبنان الكبير” الأسبوع الماضي، ينصبّ الاهتمام على مشكلة أخرى متصلة دون شك، الانقطاع المضني في التيار الكهربائي وعواقبه على سكان معظم منطقة الشرق الأوسط. صحيفة “واشنطن بوست” (washingtonpost) الأميركية كرّست مقالاً لهذه القضية الحياتية التي أشعلت شرارة الاضطرابات في ظل ارتفاع عدد ضحايا التقنين المجحف، وصولاً إلى تسجيل وفيات في صفوف المواطنين.
ووفقاً للمقال، “لقد غرقت المنازل والمؤسسات في معظم أنحاء الشرق الأوسط، من لبنان وصولاً إلى إيران، في ظلام دامس وتسببت موجات الحرّ والنقص المرعب في الطاقة الكهربائية باضطرابات مع اشتداد حسرة الأسر الفقيرة وعجزها عن اللجوء إلى المولدات الاحتياطية (…) واصطدمت المستشفيات نتيجة للانقطاع المتكرر للتيار بحائط مسدود، بينما تكافح المؤسسات الصغيرة من أجل البقاء. المشهد مظلم وفي بعض المدن، تنار مصابيح الشوارع بالكاد.
ويزيد الطين بلة، لهيب حرارة الطقس التي تخطت في العديد من دول الشرق الأوسط هذا الصيف 50 درجة مئوية، كما في إيران والعراق حيث سجلت الحرارة درجات قياسية (…) وتعجز شبكات الطاقة عن التكيف مع هذا الوضع نتيجة عقود من الإهمال وقلة الاستثمار، كما تسبب الجفاف بشلّ مشاريع توليد الطاقة الكهرومائية، وسط أزمات اقتصادية تعصف بالعديد من البلدان التي تكافح حالياً لشراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة (…) وفي إيران، أثار انقطاع التيار الكهربائي الغضب والاحتجاجات في مدن عدة (…) بالتزامن مع اندلاع المظاهرات بسبب نقص المياه في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد. أما في مدينة البصرة العراقية الغنية بالنفط، قام المتظاهرون بإغلاق الطرق السريعة وبإحراق الإطارات، منددين بنقص الكهرباء وبضعف الخدمات العامة.
ومع تعثر شبكات الكهرباء الحكومية في بعض مناطق الشرق الأوسط (…) يشقى أصحاب المولدات الاحتياطية التي يديرها القطاع الخاص للحفاظ عليها وتشغيلها على مدار الساعة. يقول أحد أصحاب المولدات في العراق: “(…) يصاب الناس باليأس حين ينطفئ المولد ولا يكف هاتفي عن الرنين. تتوقف الحياة مع انقطاع التيار”. هذا، علماً بأن نقص الكهرباء في العراق مرتبط بالتخلف عن سداد مدفوعات لإيران المجاورة مقابل الكمية الكبيرة التي يتم اجترارها عبر الحدود، ما تسبب بقطع إيران للإمداد بالطاقة. وأظهرت مراجعة لوكالة أسوشيتد برس في حزيران أن كمية الكهرباء المتدفقة من أربعة خطوط تمر من إيران إلى العراق قد انخفضت إلى الصفر، لفترة مؤقتة على الأقل.
ويتكرر هذا المشهد في الشوارع اللبنانية، حيث اعتاد الناس منذ فترة طويلة على انقطاع التيار الكهربائي منذ سنوات الحرب الأهلية (…) لكن الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي في الأشهر الأخيرة ترك الحكومة بدون وقود كاف لتوفير الكهرباء لمعظم ساعات اليوم. وتتكل البلاد بأكملها اليوم على المولدات (…) وفي سوريا، يعاني معظم السكان من نقص الوقود. لكن التقنين يختلف بين المناطق، حيث يلاحظ بعض السوريين أن الانقطاع يبدو أقل تواتراً في العاصمة دمشق ومحيطها، وكذلك في المناطق الساحلية المكتظة بالسكان من مناصري الرئيس بشار الأسد، بينما تعاني بقية البلاد وترزح تحت وطأة التقنين القاسي.
فساد متفاقم وخطر جديد
وإذ تسبب الانقطاع بالطاقة بوفيات خصوصاً لدى من يعتمدون على أجهزة التنفس الاصطناعي، تواجه المستشفيات تحدياً جديداً بعد أن أرهقها وباء كورونا بالفعل (…) ويربط الباحثون نقص الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بتفاقم الفساد المستشري (…) وقد يصل الفساد حد استهداف البعض لأبراج الكهرباء الحكومية مثلما حصل في العراق الشهر الماضي، للحفاظ على مصالح أصحاب المولدات.
إقرأ ايضاً: ساعة الكهرباء اليتيمة إذلال جديد للبنانيين؟
ومع ذلك، لهذه المولدات سلبياتها الكبيرة، فعدا عن الفواتير باهظة الثمن والتي لا تخضع للمحاسبة، يتنشق الناس الأبخرة السامة (…) وفي هذا السياق، قدّر فريق من الكيميائيين العاملين في الجامعة الأميركية في بيروت، بقيادة نجاة صليبا، هذا الشهر، أن اعتماد لبنان على المولدات على مدار 24 ساعة تقريباً، يؤدي إلى تسميم الهواء بنسبة ثماني مرات أسرع مما كان الوضع عليه عندما اقتصرت حاجة بيروت للمولدات في المتوسط على عدة ساعات فقط في اليوم. وحذروا من أن ذلك قد يتسبب بـ 550 حالة سرطان إضافية كل عام، بالإضافة إلى 3 آلاف تشخيص جديد لأمراض القلب والأوعية الدموية، ما ينذر بعواقب صحية هائلة وبفاتورة باهظة تصل إلى 8 ملايين دولار سنوياً (…) وقد رُبطت درجات الحرارة بالفعل بحالات وفيات في صفوف الأطفال في لبنان وإيران. وفي هذا السياق وصف مهندس كهربائي يعمل كمستشار لصناعة الطاقة الإيرانية، تأثير غياب الطاقة على صحة الناس ومعنوياتهم بأنه “مدمر”، كما أسف أحد السكان من جنوب العراق لأن موجة الحر القاسية تكاد تشبه العقاب.. يرفع طرف عباءته السوداء ليكشف عن ندب بسبب حرق في ساقه، ويقول: “هل بإمكانكم أن تتخيلوا أن الشمس فعلت ذلك بي؟”