في الحرب أو السلم… أجساد النساء ساحات للمواجهة

ليال نصر
ليال نصر

تتعرض النساء خلال الحروب والنزاعات إلى عنف وضغوط لا تختلف في جوهرها عن العنف الممارس ضدها في فترات السلم، فهو إمتداد لما تعانيه المرأة من تمييز واضطهاد على المستويات كافة في مرحلة ما قبل النزاع المسلّح، إلا أن حجم هذه الضغوط والتحديات كالافتقار إلى سبل العيش، القتل والاصابة، الاستغلال أو إستخدامهن كدروع بشرية، يدخل ضمن مسار ممنهج من الممارسات والانتهاكات الحقوقية، من الحق في الأمن والسلامة، الى الحق في العيش الكريم.

وتقول المنسقة في فريق الاستجابة في منظمة “أبعاد” سجى أبو زيد لموقع “لبنان الكبير”: “تزداد حالات العنف الأسري في الأزمات والحروب التي تسفر عن تنامٍ وقبول لمستويات أعلى من العنف ضد النساء والفتيات. ويعتبر العنف الجنسي الذي يقع عليهن الأكبر والأخطر والأكثر ضراوة لما يُشكله من إنتهاك صارخ لحقوق الانسان ويدخل ضمن خانة جرائم الحرب التي تستعمل فيها النساء كأسلحة للحرب والترهيب”.

وبرزت أشكال العنف والاستغلال الجنسي على النساء والفتيات في النزاعات بصورة مثيرة للقلق ومنها الاتجار والبغاء القسري، التعرية القسرية، الحمل والاجهاض القسريين، الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، والتزويج القسري والاستغلال الجنسي.

وتطول القائمة في هذا الاطار الذي بدوره يُنتج أنواعاً أخرى من العنف لضحايا هذه الممارسات، كجرائم الشرف والاصابات الجسدية والنفسية والصحية التي ترافق الناجيات.

كما تزداد في النزاعات والحروب هشاشة فئات معينة من النساء ومنهن: المرضعات والحوامل وكبار السن وذوات الاحتياجات الخاصة والنازحات واللاجئات.

أساليب حماية خلال الحرب

من هنا نجد أن حماية النساء خلال النزاعات المسلحة جزء لا يتجزأ من مسار بناء الأمن والسلام لما يقع على عاتقهن من أكلاف تجعل من أجسادهن ساحات للمواجهة.

وفي هذا السياق توضح منسقة وحدة بناء القدرات في منظمة “أبعاد” د. سحر سمهون لموقع “لبنان الكبير” أن “الدعم للنساء خلال فترة الحرب أو ما بعدها، يتم من خلال الاسعافات النفسية لأن أي شخص ليس النساء وحسب، يكون في وضع نفسي غير مستقر وأحياناً تحت الصدمات المباشرة بمعنى حوادث وفقدان وموت وخسارات على المستوى النفسي مثل الزوج أو الأولاد أم أحد الجيران وحتى الخسائر المادية كخسارة المنازل والصدمات غير المباشرة مثل رؤية ومشاهدة الفقدان لغير النساء أنفسهن. مثلاً ما يحدث في غزة أو على الحدود الجنوبية اللبنانية ترى النساء أخريات تتعرضن للفقدان وهذا النوع هو صدمة ثانوية”.

وتضيف: “قبل أن يقدّم أي دعم لهؤلاء السيدات يجب العمل على تقبّل الفقدان والتكيف مع الأزمة ويبدأ الدعم من خلال السيدات بدءاً بحماية أنفسهن ليستطيعن حماية الأشخاص الذين يهمهن أمرهم وهم بالدرجة الأولى أولادهن ومن ثم الأشخاص الذين يعيشون معهن وبحاجة الى الحماية والدعم. أما على المستوى الفردي فهناك ما يسمى التدخل النفسي الفردي والجماعي من خلال جماعات الدعم النفسي. وتقدم للنساء اللواتي تتشاركن التحديات نفسها وتعشن أزمة مشابهة ولديهن تحديات مشابهة على المستوى النفسي وهي ناتجة من المحيط والأحداث والمعايير الموجودة في المحيط أو المكان”.

تجدر الاشارة إلى أن شبكات الدعم النفسي أحياناً تتعرض لظروف مشابهة مثل تدهور الوضع الاقتصادي والقدرة على تأمين الاحتياجات الرئيسة كالدواء والماء والطعام إن كان من خلال النساء أو من خلال أشخاص كأزواجهن أم أخوتهن أو الأشخاص الذين يهتمون بهذا المردود. وإذا كان لدى النساء إمكان الوصول الى الموارد الطبية التي يحتجن اليها بصورة مباشرة كي يساعدن من يعيش معهن للوصول إلى هذه الخدمات، بالإضافة إلى تأمين سكن آمن خلال الحرب أو هرباً منها. فالنساء يجب أن يدركن إذا كان مكان عيشهن مهدداً حتى لو تركنه وليسن موجودات فيه حالياً.

وتشير سمهون الى أن “هذه الموارد إذا لم تكن متوافرة ستؤثر على الوضع النفسي وتؤدي إلى الشعور بالخوف وعدم الاستقرار والقدرة على حماية النساء لأنفسهن والآخرين”. كما أنها تلعب دوراً مباشراً في حالات الصدمات والهلع. والجدير بالذكر أن ليس من الضرورة أن تظهر آثار هذه الصدمات في اللحظة نفسها بل يمكن أن تظهر بعد فترات بعيدة، لذلك العمل مع النساء يمكن أن يكون بعد فترة زمنية من الحرب تمتد من ستة أشهر إلى سنتين خصوصاً إذا لم يكن هناك توازن في الأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء خلال الأوضاع النفسية الصعبة التي تدفع إلى سلوك عنيف يمكن أن تتعرض له النساء والأطفال.

الحماية القانونية للنساء

إعتنت الجهات الدولية بحماية المدنيين من رجال ونساء وأطفال على حد سواء في النزاعات، على أنها إرتقت الى وضع قوانين وبروتوكولات وقرارات حماية للنساء خاصة تعكس الاحتياجات المتمايزة لهن، مثل:

القانون الدولي للانسان، إتفاقيات جنيف الأربع، وأهمها قرار مجلس الأمن 1325 والذي شكل نقطة تحول مفصلية في قضية الأمن الانساني للمرأة خلال النزاعات المسلحة وبعدها.

وعلى صعيد لبنان، هناك جهود رامية الى تعزيز القوانين المتعلقة بحماية النساء والفتيات وتعديلها، ومنها قانون العقوبات، قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة 293، قانون الأحداث 422، وأيضاً القوانين المتعلقة بالتحرش الجنسي والإتجار بالبشر.

ولا تزال هذه القوانين تسلتزم وتتطلب إجراء التعديلات المتعمقة والتكاملية حتى تأخذ حيز التنفيذ بالشكل المتوقع لها من توفير الحماية القانونية للنساء والفتيات.

وتلفت أبو زيد في هذا الاطار إلى أن حماية النساء خلال النزاعات تستوجب جهوداً وخطوات جدية في مرحلة ما قبل وقوع النزاع حيث لن تشكل مرحلة الحرب اللحظة المناسبة لسنّ القوانين وإجراء التعديلات عليها خصوصاً وأن النزاعات تترافق مع حالة فوضى وإنعدام للسلم والأمن، ما يؤكد أن على جميع الفعاليات والجهات المسؤولة عن حماية النساء أن تعمل على تكثيف جهودها في تعزيز الآليات والخدمات التي تقدم ضمانات حقيقية للحد من العنف ضد النساء قبل وقوع الأزمات، وأيضاً وضع خطط إستراتيجية تغطي حاجات النساء وحقوقهن خلال النزاعات وهو ما يقع ضمن إجراءات وقائية مسبقة.

ويبقى من الضروري إجراء عمليات التدخل الطارئة خلال النزاع ضمن إطار الحماية والاغاثة والتي نرفع بعض التوصيات بشأنها لتعزيز الحماية القانونية للنساء، وهي إيلاؤهن أولوية في خطة الطوارئ الحكومية.

كلمات البحث
شارك المقال