الأطفال… خطٌ أحمر منتهك دولياً

ليال نصر
ليال نصر

رأينا في الآونة الأخيرة صوراً لأطفال من غزة يحملون ألعابهم فوق الركام والدمار بفعل وحشية العدو الإسرائيلي وإجرامه، ومشهديات لأطفال يبكون فقد منازلهم من جهة واخوانهم/تهم بعد فقدهم من جهة أخرى. فكيف يتلقف أطفالنا انعكاسات هذه المشاهد وتداعيات الفقد؟ وما السبيل لحمايتهم؟

تقول الخبيرة في الحماية الأسرية وحماية الطفل رنا غنوي لموقع “لبنان الكبير”: “إذا كانت معالم الطفل وملامحه ظاهرة عندما نعرض صورةً له يحمل لعبة فوق الدمار، فيمكن أن يؤثر ذلك بعد فترة على مشاعره ومستقبله، لذلك يفضل عدم عرض هذه الأمور بطريقة واضحة تبيّن معالم الأطفال احتراماً لبنود سياسة حماية الطفل العالمية. فالأطفال حتى عمر سبع سنوات يشعرون بالأمان عندما يحملون ألعابهم، وهذا التعلق يمثل العلاقة مع الأم أو الأهل، وبالتالي يمكن للأطفال أن يشتموا رائحة والدتهم لأنهم يبحثون عن مشاعر الأمان كونها شيئاً جسمانياً ونفسياً”.

أما فكرة إظهار ما يحدث في غزة للعالم عبر الصور، فهو أمر جيد ووسيلة إعلامية لإظهار المشهد الواقعي عبر الطريقة الصورية، إنما لا يجب التغافل عن أن هؤلاء الأطفال هم أشخاص وهويات وكينونات معينة، فإذا أثر الأمر عليهم يمنع وضع صورهم بأساليب ممكن أن تؤذي مستقبلهم أو صحتهم أو نموهم، وفق ما تؤكد بنود سياسة حماية الطفل وهي الشريعة الدولية التي وضعت دفتر شروط للاعلام والناس والعاملين والمتخصصين بالصفوف الأمامية لكيفية معالجة القضايا المتعلقة بالأطفال وإظهارها من دون المس بهم أو التسبب بإيذائهم، لذلك قد يعدّ إظهار ملامح الوجوه أمراً يخرق هذه السياسة ويعرضهم بالتالي للخطر مرة أخرى.

وتلفت غنوي إلى أن “المبالغة والمغالاة في الإيجابية ومعالم النجاة، يمكن أن تكون حملاً ثقيلاً على كاهل الأفراد والمواطنين لأن المشاعر يجب أن يتم التعبير عنها ويجب أن نكون واقعيين وليس مثاليين”.

وعن تأثير رؤية طفل وأشلاء بين الشهداء، تعتبر غنوي أن “ليس من المفترض أصلاً أن يطّلع الأطفال على مضمون الحرب بتفاصيلها خصوصاً إذا كانوا في بلد يمكن أن تنشأ فيه حرب مثل لبنان أو الضفة الغربية حيث الحرب الرديفة. ويفترض أن نوضح لأطفالنا أن هناك واقع حرب ونكون صريحين وواضحين وشفافين معهم وفق ما يتناسب مع مراحلهم العمرية. إذ إن إظهار المشاهد بطريقة فظيعة، يحطم صورة الطفل المثالية الموجودة في أذهاننا. فمشهدية الطفل تعكس في مخيلتنا اللطف والبراءة وتكسير هذه المواصفات يهدد الصورة الذاتية لدى الأطفال ويجعلهم يخافون من أن يحصل معهم ما يحصل مع أطفال غزة”.

ورؤية الأطفال لصور أطفال آخرين شهداء قد يشكل صدمة مفاجئة وآنيّة لكن نتائجها وتداعياتها تكون سلبية بمعظمها على المدى البعيد.

يمكن إخبار الأطفال أن أهلهم قد توفوا من خلال مقاربة تبليغهم بالأمر بأن هناك مجزرة حدثت، وفقد الكثيرون حياتهم مع مراعاة ارتقاء المقاربة الى مستوى الأطفال وذهنهم ومفهومهم كما مستوى مشاعرهم أيضاً.

باستخدام المقاربات العلمية السليمة والصديقة للطفل، يتوقع أن يتلقفوا هذه المشاعر بطريقة الاستيعاب بعيداً عن عنصر المفاجأة الذي قد يوصل الطفل الى مرحلة الصدمة النفسية لاحقاً.

وفي حالات الحروب، يجب إيضاح الواقع الذي فرض على الأهل بأنه جزء من مخططهم للحماية، مجرد شعور الطفل أن للأهل مخططاً ما للنجاة، قد يعزز مشاعر الأمان ويرفعها لديهم، وهنا نشرح للأطفال أنه تم النزوح إلى قرية أخرى، وللتخفيف من مخاطر الوضع المستجد يجب أن نتشارك مع أطفالنا أولوية الحفاظ على الأمور الأساسية كالمدرسة والتعاون سوياً لتخطي الظروف الصعبة.

أما بالنسبة الى البالغين، فإذا خسروا أحد أولادهم يخسرون مشاعر الأمان المرتبطة باستمراريتهم، فالأهل يخسرون معنوياً ونفسياً والبعض يتبع عرف الاستعاضة بولد آخر إنما المشاعر لا تعوّض بل يحصل التعويض بالحياة المسلكية اليومية، فالعملية ليست كمية بل نوعية وعملية بناء المشاعر مع الأطفال هي عملية تراكمية إذا خسرناها تتجدد مع ولد آخر، لكنّ وفاة أحد الأطفال في الأسرة يزعزع مفهومها وحدوديتها فعندما ينقص عنصر يتغير مفهوم وحدة الأسرة وهذا يهدد مشاعر الأمان.

تنصح غنوي بأن نساعد الأطفال على التكيّف النفسي والفيزيولوجي والاجتماعي للغياب الأبدي لأفراد العائلة، وفي الوقت ذاته توفير دعم نفسي إجتماعي لمعالجة وبلسمة الجراح النفسية والمعنوية الناجمة عن خسارة الأخ أو الأخت من العائلة نفسها.

أما المعالجة النفسية والخبيرة بالصدمات النفسية رانية البوبو فتؤكد في حديثها لموقع “لبنان الكبير” أن لا شيئ يعوّض خسارة الطفل، وأن مفهوم التعويض بطفل آخر غير صحيح، فالأهل يشدون على جراحهم من خلال الوقت لكن لا شيئ يعوض خسارة الطفل للأهل ولكلٍّ مكانه، لذلك يجب أن يعطى الطفل الآخر هويته وشخصيته وما يحب، وأن يعطى وقته ليحدد ما يريد من دون المقارنة بالطفل المفقود كي لا يشعر أنه من دون قيمة بالاضافة إلى أهمية إعطاء مساحة للطفل الجديد كي يكبر بحرية ومن دون قيود.

وتضيف البوبو: “ان الأطفال عرضة لعدة أنواع من الصدمات وخصوصاً في الحروب قد تكون فقداناً يراه بأم العين أم لا إن كان فقدان أشخاص أم منازل وهذا نوع صعب من الصدمات لأن الأطفال يقيمون علاقات مع الأمكنة والأشياء وليس مع الأشخاص فقط. وهنا من المهم بناء علاقة جديدة مع أشياء جديدة كشراء لعبة مثلاً في حال خسارة البيت، أما في حال خسارة الأشخاص فمن المهم التواصل بالصورة الصحيحة مع الأطفال الذين يحللون بأسلوب سليم فنبسّط لهم الأمور ونخبر حقيقة الخسارة كما هي من دون الدخول في التفاصيل المخيفة، ثم نترك الأطفال يعبّرون عن مشاعرهم بوضوح حتى لو كان من فقدوه شهيداً/ة، وعلينا السماح بوسائل التعبير والتدرج مع الأطفال في بالأسئلة وتشارك الحزن معهم بالاضافة إلى ترسيخ الصور الجميلة في الوقت نفسه”.

وتشير البوبو إلى أهمية الانتباه إلى ردود فعلنا عندما نتعامل مع أطفال يعيشون حالات الحرب فنكون متوازنين ونضع خطة أمان كي لا يشعر الأطفال أنهم في حالة فراغ من دون تحميلهم مسؤوليات غير أنفسهم كي لا يجلدوا ذواتهم ويشعروا بالذنب، كما نوضح مفهوم العدو من دون التخويف. وتلفت إلى أهمية وجود حيوان أليف مع الأطفال ليبقوا في عالمهم غير متحيّنين ضربات العدو، ونحاول حماية سمعهم من خلال عدم الحديث عما يحصل من مجازر في الخارج.

يبقى مفهوم الصمود عند الأطفال، وفي هذا الاطار، يعود الى الأهل تربية أطفالهم على مفهوم المقاومة أم لا. ولا يتبنى جميع الأهل هذا المفهوم، لذلك من الصحي أكثر أن نوضح لأطفالنا دائماً مفهوم الحصانة والمرونة للدرء من المخاطر المحيطة بنا وبالتالي معايير الحماية تصل الى الأطفال بطريقة صحيحة. ويجب أن ننقل المفاهيم السياسية والاجتماعية المتعلقة بالمقاومة وبصد العدوان حسب ما يراه الأهل مناسباً.

شارك المقال