رخصة تشحيل تحوّل وادي قاديشا المقدس إلى “جهنّم الحمرا”

منى مروان العمري

“هل يختفي لبنان الأخضر؟” سؤالٌ يطرحه العديد من الناشطين والمعنيين بقضايا البيئة، بعد كل حادثة حرق أو جرف أو قطع، وكلّها أعمال تنذر بكارثة بيئية تنتظر لبناننا بأراضيه وأشجاره ومزروعاته وأحراجه. ففي العام 1995، كانت الغابات تغطي 35% من أراضي لبنان، بينما تتراجع المساحات الحرجية بنسب متزايدة، إذ تقلّصت في العام 2018 بحوالي 2.5 مليون متر مربع، وزادت الخسارة في العام 2019 بنسبة 50% لتصل إلى 3.65 ملايين متر مربع، وصولاً إلى العام 2021، حيث سجّلت نسبة الخسارة 200% مقارنةً بمتوسط الأعوام العشرين السابقة. ففي هذا العام فقط، خسر لبنان 6 ملايين و730 ألف متر مربّع من الغابات الحرجية بسبب أعمال التحطيب، بحسب موقع “غلوبال فورست واتش”.

ومنذ العام 2019، مع ارتفاع أسعار مواد التدفئة، وصلت الخسائر في الأراضي الحرجية إلى 15 مليوناً و86 ألف متر مربع من الأشجار المعمّرة والنادرة. أما الأسوأ فهو أن هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع أكثر بعد احتساب خسائر شتاء العام الفائت 2022 الذي شهد قطعاً جائراً لا سابق له.

“مجزرة قاديشا” مخالفة للقانون والأخلاق

وبالأمس، فوجئت “مجموعة من محبي المشي في وادي قاديشا، بتغيّر معالم الدروب والطرق القديمة، كما صعقت برؤية جرّافات وشاحنات تنقل جذوع الأشجار المعمّرة، بحيث بدا المشهد وكأنه حرب قائمة على موقع يفترض أنه معلم تراثي عالمي مصنف من منظمة الأونيسكو”، بحسب بيان “جمعية الأرض” في لبنان، التي أشارت الى أن “مأساويّة الوضع، دفعت بالدليل البيئي للمجموعة سمير غصن الى القول: إننا في جهنم الحمرا”.

ودعت الجمعية إلى “محاسبة ومعاقبة كل من نفّذ المجزرة البيئية المريعة بدرجة Ecocide في محيط دير مار أنطونيوس قزحيا، في وادي قاديشا”، متسائلة “من يحق له المس بوادينا المقدس وقطع أشجار السنديان المعمّرة وشق طرق ومحو الدروب الأثرية القديمة التي يسلكها السواح بالمشي؟ وكيف تحولّت رخصة تشحيل 430 شجرة سنديان المعطاة من وزارة الزراعة بناءً على طلب من رئيس الدير الأب كميل كيروز، إلى مجزرة للأشجار المعمرة، وشق طرق بعرض 10 أمتار؟ وهل راقبت وزارة الزراعة تطابق الأعمال مع رخصة التشحيل المطلوبة؟”.

في هذا السياق، أكّد الخبير البيئي بول أبي راشد، لموقع “لبنان الكبير” أن “الوادي مصنّف موقع طبيعي من وزارة البيئة منذ العام 1997 وهو منطقة حساسة بيئياً، ما يعني أنه كان على وزارة الزراعة أن تبلغ وزارة البيئة برخصة التشحيل قبل البدء بالأعمال. أما شق الطريق فهو مشروع خاضع حكماً لدراسة تقويم الأثر البيئي والاجتماعي والثقافي، وهنا نحن أمام جرم يعاقب عليه قانون حماية البيئة 2002/444 بالمادة 58 منه”.

وأوضح أن “قانون حماية البيئة يفرض أن أيّ مشروع يؤثر على الطبيعة يجب أن يبنى على دراسة تقويم أثر بيئي، وممنوع البدء بتنفيذ أيّ من أعمال المشروع قبل إعداد دراسة الأثر البيئي الخاصة به. وما شاهدناه اليوم في وادي قاديشا تبيّن أنه عمل يخالف القانون ومخالف لرخصة تشحيل الشجر التي حصلت عليها الجهات المعنية من وزارة الزراعة”.

أما الأستاذ في مجال الاقتصاد البيئي مازن عبود فأشار الى أن “تزايد ظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية وعلى الغابات تعتبر من أحد تداعيات الأزمة الاقتصادية التي لا يزال يمرّ بها البلد، وهذا الأمر يدفع العديد من العائلات العاجزة عن شراء المحروقات للتدفئة، إلى اعتماد الوسيلة الأسهل مع الضحية الأسهل، وهي قطع الأشجار والقضاء على الغابات”.

أضاف عبود: “لبنان معروفٌ بطبيعته الخضراء، وهذا ما يجعله بلداً متميزاً عن باقي البلدان المجاورة، وفقدان طبيعة لبنان سيؤثر بصورة أساسية على الاقتصاد والقطاع السياحي، غير أنّ القضاء على الشجر والغابات سيؤثر على التربة والانجراف والتعرّي، وتغيير المناخ إلى حدٍ كبير”.

سياسيون يعلّقون

نشر النائب ميشال الدويهي على صفحته عبر منصة “إكس” الخبر معززاً بالصو ، وقال: “بعد أن اطلعت على الانتهاكات البيئية التي حصلت حول أراضي دير مار أنطونيوس قزحيا في وادي قاديشا المقدس، اتصلت فوراً بالخبراء البيئيين والمتابعين للقضية، وأخبروني أن الجرافات والشاحنات تنقل جذوع الأشجار المعمّرة من منطقة مصَنَفة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وبصفتي النيابية وحرصاً على هذا الوادي التراثي، من واجبي اليوم مساءلة الوزراء المعنيين ومتابعة القضية حتى النهاية”.

وقالت النائب ستريدا جعجع في بيان صادر عن مكتبها: “فُجعنا صباح اليوم (امس)، لدى رؤيتنا لصور مجرزة بيئية بكلّ ما للكلمة من معنى يتمّ ارتكابها ضمن نطاق وادي قاديشا المقدّس، المصنّف على لائحة التراث العالمي منذ العام 1998، والذي لم يكن ولن يكون بالنسبة الينا مجرّد موقع طبيعي أو محميّة بيئيّة، وإنّما هو يجسّد تاريخنا وجذورنا. لذا الحفاظ عليه، بالنّسبة الينا، مردّه ليس لأهداف بيئية وسياحية وزراعية وحسب، وإنما القضيّة قضيّة مقدسات وهويّة ووجود وتاريخ. فهذا الوادي هو إرث بطاركتنا الموارنة المقاومين الشهداء الذي يقع على كاهلنا وعاتقنا اليوم مسألة الحفاظ عليه”. وأكدت “أننا لم نتهاون أبداً منذ وصولنا إلى سدّة المسؤوليّة في العام 2005، وأيّاً يكن الخطر صغيراً أو كبيراً، أو أيّاً تكن المخالفة عابرة أو جسيمة، في اتّخاذ القرارات اللازمة من أجل الحفاظ على الوادي ودرء أي خطر كما إزالة أي مخالفة أو تعدّ. كما أنّنا لم نتراجع يوماً، ولم نضرب أخماساً بأسداس سياسيّة، واتّخذنا المواقف والقرارات اللازمة ووقفنا في وجه كل المشاريع التي كانت تعرّض هذا الارث للخطر”.

شارك المقال