الشمال في قلب “طوفان” السيول والرياح

إسراء ديب
إسراء ديب

تحوّلت نعمة الأمطار في البلاد إلى نقمة يخشى منها بعض المواطنين الذين يُدركون حجم الخسائر التي قد تُحدثها لا سيما وأنها تحتاج إلى جهوزية ولو جزئية لا يملكها كثيرون مع غياب دور الدّولة كما مع ضعف القدرات الشخصية تحديداً المادّية منها. وفي الشمال، لم تنعم مناطق هذه المحافظة ومدنها بالراحة مع اشتداد العاصفة الثانية من نوعها، فكانت قاسية على المنازل والممتلكات، كاشفة حجم المأساة الذي قد يتفاقم مع أيّ منخفض يضرب البلاد.

ولم تكن الأمطار “الطوفانية” التي اجتاحت البلاد سهلة على الأقضية الشمالية، ففي وقتٍ تراكمت فيه الثلوج على الجبال العالية، كانت المدن والقرى الصغرى تُواجه قساوة الطقس العاصف الذي جاء مبكراً هذه المرّة مقارنة بالعام الماضي، وبالتالي إنّ هذا المنخفض (القائم على عاملين رئيسين هما: أمطار غزيرة في مختلف المناطق، مع رياح نشطة تتراوح سرعتها بين 70 و80 كلم/س بهبّات قوية حذر منها العلماء)، كان شديداً للغاية مع قوّة هطول الأمطار التي ركّزت على الشمال بصورة كبيرة، (سواء على الساحل السوري، عكار، طرابلس، الضنية، زغرتا وبشرّي وغيرها من المناطق المحلّية). 

أسعار مطروحة

يُمكن القول إنّ أسعار وسائل التدفئة (أيّاً كان نوعها)، تُعدّ من أبرز المواضيع التي يتمّ طرحها، فلا يجتمع شماليّ وآخر إلّا ويكون الحديث عن هذه الوسائل ثالثهما، (خصوصاً في ظلّ هذه العاصفة التي لم تكن اعتيادية في هذا التوقيت وفق بعض المواطنين)، فصحيح أنّ هذه الوسائل كان يمتلكها كثيرون لا سيما في الأماكن الجبلية، إلا أنّها تبقى مطلباً أساسياً مع متغيّرات المناخ وحاجة المواطنين إليها لا سيما من الأطفال وكبار السنّ.

وفي سؤال عن أسعار هذه الوسائل، يُؤكّد صاحب أحد المحال في الملولة – التبانة، أنّ أسعار صوبيا الحطب (وهي الأكثر طلباً) يتجاوز سعرها الـ 200 دولار (من دون فرن) وقد تأتي بسعر أقلّ بقليل، أمّا المزوّدة بفرن والتي تُعدّ مطلوبة، فيتجاوز سعرها الـ 400 دولار، أو أقلّ بقليل (حسب جودتها ونوع الماركة الخاصّة بها).

ويبدأ سعر صوبيا المازوت من 600 دولار (لكنّها لا تُعدّ مطلوبة نظراً الى تكلفة المازوت التي ترتفع مع ساعات التشغيل)، فيما يبلغ سعر مدفأة الغاز ما يُقارب الـ 100 أو الـ 150 دولاراً، أيضاً حسب نوعها، ولا ننسى أنّ الغاز يُستهلك كثيراً وبصورة أسرع، ما يعني تكلفة إضافية، كما أنّ الكثيرين لا سيما في طرابلس يستخدمون مدفأة تعمل على الكهرباء وهي تستهلك الكثير من الطاقة ويختلف سعرها حسب نوعها وامتداد تدفئتها، وقد يبدأ سعرها من 25 دولاراً ويصل إلى 50 أو أكثر.

طرابلس

وفي طرابلس، تسبّبت العاصفة بتطاير ألواح الطاقة الشمسية لا سيما في مدينة الميناء وغيرها من المناطق، ما أدّى إلى وقوع أضرار مادّية طالت السيّارات لا سيما تلك التي كسر زجاجها، وإذا كان المواطنون لا يعرفون كيفية تعويض هذه الخسارة الفادحة التي تأتي في ظلّ أزمات مادّية ومعيشية قاسية، فهم يجهلون أيضاً كيفية تعويضهم الألواح التي دفعوا ثمنها آلاف الدولارات ليهربوا معها من مشقّات التغذية الكهربائية وكيْد أصحاب المولّدات الذين باتوا يُشكّلون “مافيا” تفوق قدرات وقوّة الدّولة بمؤسساتها.

من هنا، لم يكن يتوقّع مروان ع. (من الميناء)، أنْ يخسر أحد الألواح الشمسية التي اشتراها لاضاءة منزله العام الماضي، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “عانينا العام الفائت من التقنين القاسي، فلجأت إلى الاستدانة من أخي المغترب إلى أستراليا مع قيامي بادخار مبلغ من عملي كيّ أشتري ألواحاً جديدة بعد إطلاق شركات مختلفة مبادرات ربما بعد رصدها تأثير أزمة الكهرباء على المواطنين، الأمر الذي كلّفني ما يُقارب الـ 4 آلاف دولار حينها، أمّا التحدّي اليوم فيكمن في كيفية تأمين المعدّات وتركيبها من جديد، وكيفية تأمين مبلغ التصليحات اللازمة بعد تطاير لوحتنا من سطح المبنى الذي نقطن فيه إلى الشارع مع سرعة الرياح الجنونية”.

ويُضيف: “واجهنا العاصفة أو المنخفض الجويّ الأوّل لكنه لم يكن بقوّة المنخفض الثاني الذي لا نزال نحصي أضرارنا بسببه، حتّى أنّ صديقي من القبة خسر مصابيح سيارته بسبب شدّة هطول الأمطار التي كانت رهيبة بكمّيتها”.

وترى أم جاد أنّ حاجتها إلى شراء مدفأة كهربائية يفوق أيّ حاجة أخرى، فهذه السيّدة الطرابلسية التي تعيش بالقرب من ساحة التل، تُؤكّد خوفها على أطفالها الذين استيقظوا يوم الاثنين باكراً للتوجه إلى مدرستهم في هذا الطقس البارد، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “سجّلت أولادي في المدرسة كما اجتهدت لشراء أبرز احتياجاتهم الرئيسة بطلوع الروح، لكن لم أتوقّع هذا الطقس الذي لم يدفعني العام الماضي إلى شراء أيّ سلعة، كنّا نكتفي بالبطانيات واللحاف، لكن هذا العام يبدو أنّني سأعمل جاهدة لشراء مدفأة بوجود ساعات تغذية كهربائية إلى جانب الاشتراك”.

وكان بعض المواطنين في أحياء طرابلس الشعبية اشتكى لـ “لبنان الكبير” من قوّة العاصفة، خصوصاً سكان البيوت القديمة التي تُعاني من تردّ واضح في أعمدتها وشبابيكها التي لا يُمكن لصاحبها أو مستأجرها إصلاحها. ويُؤكّد أحد المواطنين أنّ أعمدة المبنى المتهالك حيث يسكن في باب الحديد، تُعاني من تشقّق وتصدّعات كبيرة نتيجة تراكم المياه سابقاً وقد ازدادت وملأت السطح وكذلك مدخل المبنى وما تحته بصورة واضحة، “الأمر الذي يُقلقنا من هذا التراكم والرطوبة، خصوصاً وأنّ الطقس بات يُذكّرنا بالهزات الأرضية التي شعرنا بها منذ أيّام كما في بداية العام، فقلقنا من احتمال حدوث أيّ طارئ يُقلقنا وقد يُشرّدنا من جديد، هذا عدا عن الشبابيك المتهالكة أيضاً التي لا تُدفئنا عند إقفالها بسبب دخول الهواء منها”.

الضنية وعكار

أمّا في الضنية، فحوّلت العاصفة بعض شوارعها لا سيما طرقاتها العامّة إلى برك من المياه، وعمد الكثير من المواطنين إلى توجيه إرشادات مرتبطة بأهمّية تخفيف السرعة والانتباه إلى المنزلقات الخطيرة عند قيادة السيارات التي واجهت حفراً أثرت فيها كمّية الأمطار، وكذلك على صيانتها أيضاً التي انعكست عليها هذه “المعوّقات” المرورية التي لا تسمح لأحد برؤيتها ما يُؤدّي إلى سهولة وقوعهم في فخّها.

وفي أعالي جرود عكّار، تكوّنت الثلوج مباشرة عقب العاصفة الثلجية الأولى، وفي العاصفة التي تلتها، لجأ المئات من المواطنين إلى استخدام المدفأة (الصوبيا)، عبر الحطب، الغاز أو المازوت، للتدفئة من جهة، كما لتسخين المياه من جهة ثانية. من هنا، يقول أبو نزار من جرد عكار لـ “لبنان الكبير”: “أرى أنّ أفضل حلّ للتدفئة حالياً هو اقتناء صوبيا عبر الحطب الموجود أصلاً في الجبال بكثرة، فلا كهرباء تُسهم في مساعدتنا في هذا الطقس عدا عن تكلفتها الباهظة أساساً مع تكلفة الاشتراك، أمّا الغاز فيكفي أنني أشتريه مع ابني للطبخ وتسخين المياه، بحيث باتت تُكلفنا جرّة الغاز 980 ألف ليرة، لذلك يبقى الحطب هو الخيار الأفضل، كما أنّ الموقدة تبقى أيضاً هي الخيار الأفضل في هذا الطقس والظروف”.

شارك المقال