اليوم العالمي للتطوع… تطوير السلوك الايجابي وتعزيز التفاعل الاجتماعي

عمر عبدالباقي

يحتفل باليوم العالمي للمتطوعين من خلال القوة والأخلاق الفريدة اللتين يتحلون بهما في جميع أنحاء العالم. فالتطوع ليس مجرد عملية تقديم المساعدة والدعم، بل تعبير عن روح العطاء والتضامن الانساني الحقيقي. ومن بين الأمثلة البارزة على هذه الأخلاق والقوة الفعلية للتطوع الحقيقي، ما يحدث في قطاع غزة حيث هؤلاء الأشخاص المتطوعون يستحقون التقدير والتكريم على كل الجهود الجبارة في ظل أجواء سوداوية.

وتُلاحظ قوة التطوع وتأثيره بوضوح في غزة تحديداً من خلال مقاطع الفيديو التي يتم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، فتخيل أنت كمشاهد عندما ترى جزءاً من جسد طفل تحت الأنقاض أو أباً مبتورة أطرافه أو أمرأة مغمور ببياض غبرة الموت، والجثث والأشلاء المتناثرة في كل مكان، وأنت الشخص الوحيد أو من أشخاص سالمين جسدياً ..فمادا ستفعل في هذه الحالة؟ لا شك في أن مشاعر عميقة ستثور فيك وتجبرك على بذل قصارى جهدك للتدخل وتقديم المساعدة.

ومن هذه الروح والمشاعر الانسانية، يأتي اليوم العالمي التطوعي، الذي يعكس أهمية الحس الانساني القوي وتأثيره الايجابي على المجتمعات.

العامل النفسي في العمل التطوعي

يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في العمل التطوعي، وفي هذا الاطار، تقول المعالجة النفسية والمتخصصة في العلاج النفسي السلوكي المعرفي الدكتورة نورما الحلو بيطار لموقع “لبنان الكبير”: “عندما نتحدث عن الأعمال الانسانية، ومن بينها العمل التطوعي، فإن لها تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية. تعزز هذه الأعمال تطوير السلوك الايجابي للفرد وتعزز الشعور بالتعاطف والتفاعل الاجتماعي، ما يؤدي إلى زيادة الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لديه. بالاضافة إلى ذلك، يساهم العمل التطوعي في تعزيز المهارات الاجتماعية، سواء في التواصل أو التعامل مع الآخرين أو المشاركة أو حتى القيادة، وخصوصاً بين المراهقين”.

وتؤكد بيطار أن “التطوع يسهم أيضاً في دعم الثقة بالنفس وتقليل الميل الى الانعزال والانطواء، ويقلل من القلق واحتمالية الاكتئاب. فالعمل التطوعي يساعد في تحسين المزاج، لا سيما عندما نرى تأثيره الايجابي على الآخرين. وممارسة العمل التطوعي تجعل الفرد في حالة تركيز عالية على التفاصيل، نظراً الى الحرص والمسؤولية التي يشعر بها تجاه المهمة. وهذا بالتأكيد، يعزز جميع المهارات المتعلقة بالتركيز والذاكرة، ما يؤثر بصورة إيجابية على الجانب العقلي والمعرفي، وليس على الصحة النفسية فقط”.

وعن الحالة النفسية التي يمر بها من يتطوع في غزة على سبيل المثال في ضوء الظروف المأساوية هناك، توضح بيطار أن “المتطوع في حال كان على مسرح الحرب مباشرة ولم يتمكن من تقديم المساعدة اللازمة أو الاسعاف، فإن ذلك قد يسبب له شعوراً بالذنب والندم بصورة كبيرة، ويثير تساؤلات نفسية كالتفكير في ماذا لو قام بشيء مختلف؟ ومع ذلك، الجانب الايجابي من هذا الموضوع يكمن في حالة قيام الفرد بمهمة إنقاذ الآخرين من كارثة محددة ونجاحه في ذلك، فهذا يعزز قدرته على التحقيق ويعزز تقدير الذات والثقة بالنفس والإيمان بالقدرات، ما تترتب عليه تأثيرات إيجابية عالية. وكلما زادت صعوبة الموقف، زاد تأثيره النفسي سواء إيجابياً أو سلبياً على المتطوع”.

دوافع الأحتفال باليوم العالمي للتطوع

الاحتفال باليوم العالمي للمتطوعين يأتي لعدة أسباب مهمة، اذ تم تحديد هذا اليوم بمبادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويهدف إلى تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبه المتطوعون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر هذا الحدث الدولي فرصة للمنظمات غير الحكومية لتعزيز العمل التطوعي وتشجيع المزيد من الأفراد على المشاركة فيه.

تعتبر المنظمات غير الحكومية المشاركة في تنظيم هذا الحدث من الشركاء الرئيسيين في العمل التطوعي، بحيث يمكنها استخدام هذه المناسبة لزيادة الوعي بأهمية العمل التطوعي والترويج لقضاياها وأهدافها. يتم تشجيع الحكومات في جميع أنحاء العالم على دعم جهود التطوع وتوفير البيئة المناسبة للمتطوعين للمساهمة في التنمية المستدامة.

بالاضافة إلى ذلك، يعتبر اليوم العالمي للمتطوعين فرصة للتعرف الى مساهمات المتطوعين والاعتراف بها. فالمتطوعون يقدمون خدمات قيمة في مجالات متنوعة مثل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة والاغاثة في حالات الطوارئ وغيرها، ويساهمون في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية وتعزيز فرص النمو الشامل للجميع.

باختصار، يحتفل العالم باليوم العالمي للمتطوعين لتعزيز العمل التطوعي، وتشجيع المشاركة المجتمعية والحكومية فيه، والاعتراف بالدور المهم الذي يلعبه المتطوعون في تحقيق التنمية المستدامة. إنه مناسبة تعكس القيم الانسانية وتعزز التعاون والتضامن لبناء مجتمعات أفضل.

تأسيس هذا اليوم

ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الحكومات إلى الاحتفال سنوياً باليوم الدولي للمتطوعين، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد هذه المناسبة فرصة لزيادة الوعي بأهمية الخدمة التطوعية وتشجيع المزيد من الأفراد في جميع المجالات على تقديم خدماتهم كمتطوعين، سواء داخل بلدهم أو في الخارج.

في العام 1985، صدر القرار 40/212 من الجمعية العامة الذي حدد اليوم الدولي للمتطوعين في 5 كانون الأول من كل عام، ودعا إلى اتخاذ إجراءات لزيادة الوعي بأهمية دور المتطوعين وتشجيع المشاركة في الخدمة التطوعية.

وفي العام 1997، أعلن القرار 52/17 من الجمعية العامة سنة 2001 كسنة دولية للمتطوعين، واعتمد العديد من التوصيات في هذا العام، والتي تعزز دعم العمل التطوعي من قالحكومات ومنظومة الأمم المتحدة وتطالب بتوفير فرص واسعة للمشاركة.

وفي العام 2008، قررت الجمعية العامة تكريس جلستين عامتين في الدورة السادسة والستين، لمتابعة السنة الدولية والاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لتلك السنة، في اليوم الدولي للمتطوعين من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو في توقيت قريب منه.

شارك المقال