الفكر الشبابي يتمرّد على الزواج… والمجتمع اللبناني نحو الشيخوخة

منى مروان العمري

يواجه الشباب اللبناني تحدياتٍ كثيرة تقف حاجزاً أمام تكوين حياته الأسرية. ويرتبط مفهوم تكوين الأسرة بالاستقرار والسعادة والاتزان النفسي والاجتماعي الذي يتحقق باكتمال النصفَين. ولكن هناك مشكلة حقيقية تسود المجتمع تكمن في ظاهرة تأخّر الزواج، والتي تعدّ من الظواهر المحفوفة بعدة مخاطر باعتبارها تهدد مستقبل لبنان.

وهناك أسباب عديدة تعرقل عملية إقبال الشباب على الزواج وبالتالي تؤثر على الانجاب، وبحسب الخبراء المتخصصين في الشأن الاجتماعي والنفسي والطبي فإن هذا التغيير طال تركيبة المجتمع اللبناني من خلال انخفاض نسبتي الزواج والانجاب، إذ لم يعد بمقدور معظم اللبنانيين الاقدام على الزواج بسبب ارتفاع التكاليف وغيرها من الأسباب الاجتماعية والنفسية والشخصية.

الزواج والانجاب إلى تراجع

يكشف الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، لموقع “لبنان الكبير” بعض الأرقام التي تفيد بأن عدد عقود الزواج وصل في العام 2018 إلى 36287، بينما انخفض إلى 33661 في العام 2021، ثم عاود الانخفاض إلى 29770 في العام 2022، وسُجّل التراجع بين الأعوام 2018 و2022 بنسبة 18%.

وبحسب شمس الدين، فإن التراجع في معدلات الزواج يعود إلى ما نعيشه من أزمة إقتصادية واجتماعية، إضافةً إلى أزمة وباء كورونا، وغيرها من الأزمات التي أدّت إلى تراجعٍ ملحوظ في معدلات الانجاب من 92957 ولادة في العام 2018 إلى 74049 ولادة في العام 2020، وبعدها إلى 62868 في العام 2022، أيّ بين 2018 و2022 تراجع معدل الانجاب بنسبة 32%.

تفكير شبابي جديد

أستاذة علم الاجتماع البروفيسورة ماريز يونس أجرت دراسة عن الشباب في لبنان، بيّنت بأن هناك عدة عوامل تؤدي الى تأخير سنّ الزواج وبالتالي تأخر الانجاب.

وبحسب الدراسة، تقول يونس لموقع “لبنان الكبير”: “إن أبرز عوامل التأخر في الزواج المرتبطة بالاناث، تكمن في أنهنّ يشترطن استكمال الدراسة والتعليم والعمل قبل الزواج، بحيث ان الأسرة في لبنان بدأت تشدد على استكمال تعليم الفتيات قبل مرحلة الزواج، باعتبار التعليم هو رأسمال وسلاح بيدها في حال وقوعها في مشكلات كالطلاق. أما الشباب، فسبب تأخرهم في الزواج يعود غالباً إلى تحديات كثيرة منها تأمين المستقبل المادي والمهني باعتباره أولوية لتحقيق الزواج، ويشكل الضغط الاقتصادي والمعيشي، إضافةً الى أزمة البطالة، عائقاً أمام تحقيق خطوة الزواج”.

وتشير يونس إلى أن “هناك نزعة جديدة لدى الشباب اللبناني لم تكن مألوفة من قبل، وهي الزواج من دون إنجاب. وهذا تحوّل كبير في ذهنية الشباب، إذ لم يكن مقبولاً سابقاً أو على الأقل لا يجاري الثقافة التقليدية التي تبثها بعض البيئات الشعبية في لبنان”، مؤكدة أن “الإنجاب كان أمراً مقدساً، لكن اليوم أصبح مدار أخذ ورد عند الشباب من كلا الجنسين أيضاً، لا بل الزواج نفسه موضع رفض عند بعض الاناث، مثل قول البعض: لا أريد الزواج وأريد أن أعيش حياتي. وكأن الزواج هو أسر وحجز للحرية، فمجرد التفكير بعدم الزواج، أو الزواج من دون أولاد، هو كسر للثقافة التقليدية المرتبطة بالأهل وخروج عن المألوف، وهنا يكمن الجديد في التفكير الشبابي”، معتبرة أن “الظروف قد تتغير مستقبلاً، وتتبدل أفكار هؤلاء الشباب، لكنهم في هذه اللحظة يتمرّدون على المؤسسة الأسرية ويقولون ما لا يستطيع الشباب الخاضع لها أن يعلنه ويعبّر عنه”.

المجتمع اللبناني نحو “مجتمعٍ عجوز”

أما الدكتورة المتخصصة في علم النفس في جامعة بيروت العربية هيلغا علاء الدين فتلفت الى أن “هناك العديد من الأسباب التي ساعدت في نمو ظاهرة تأخر الزواج، علماً أنها ليست ظاهرة محلية وحسب، بل هي موجودة في العديد من المجتمعات. إذ تعود الى أسباب إجتماعية كتغيّر القيم والعادات والثقافة المرتبطة بالزواج والأسرة وظهور مفاهيم جديدة كالمصاحبة والمساكنة ما يؤدي إلى إشباع الدوافع البيولوجية والجنسية لدى الجنسين. بالاضافة إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي تلعب دوراً مهماً في التحريض بين المرأة والرجل، أو تشويه صورة الزواج والحياة الأسرية عبر النكات والسخرية”.

وتضيف: “هناك أسباب شخصية أيضاً، فكلما زادت إستقلالية الأنثى المادية سيزيد لديها شعور الاكتفاء الذاتي وصولاً إلى الاستغناء عن العاطفة. فهناك العديد من المفاهيم الجديدة التي باتت مرتبطة بالأسرة ما يجعل الأنثى تضحّي وتتخلى عن الأمومة والشاب يتخلى عن الأبوة. ولا شك في أن هناك الكثير من التأثيرات الناتجة عن هذا الموضوع، منها التأثيرات الديموغرافية ما يجعل المجتمع اللبناني مجتمعاً عجوزاً بسبب قلّة الزيجات وقلّة الولادات. وهناك دراسات حديثة أثبتت تراجع الاقبال على الزواج في لبنان بنسبة 70%، ما يؤثر بصورة أساسية على نسبة الانجاب”.

كما يعتبر علماء النفس أن الزواج هو أحد مفاتيح السعادة والاستقرار وإشباع الحاجات والرغبات، وبالتالي يحافظ الزواج على النسل والانجاب والاستمرارية من جيلٍ إلى آخر. وبحسب علاء الدين فإن “العديد من الأمور تغيّرت اليوم، إذ اختلفت نظرة الشباب الى الزواج وباتت نظرة سلبية تشوبها العديد من الشكاوى والمخاوف والقلق إلى أن حلّت الأزمات لتعزز هذه النظرة وتدعمها، إنما تأخير الزواج ليس مرتبطاً بالماديات وحسب، بل بتهرّب الشباب من المسؤوليات وعدم الالتزام بمتطلبات الأسرة واحتياجاتها”.

عطية: تزوجوا قبل الـ30

يقول الرئيس السابق لقسم الجراحة والتوليد في مستشفى “أوتيل ديو” البروفيسور إيلي عطية، لموقع “لبنان الكبير”: “كنا نرى البنات يتزوجن ويلدن في أعمار ما بين 20 – 25 سنة، واليوم صار الوضع ما بين 30 – 35 سنة”.

ويوضح أن “موضوع تأخر الانجاب مرتبط بتأخر الزواج، وقد أجريت دراسات عدة حول هذا الموضوع وبيّنت أن موضوع الانجاب ما بعد سنّ الـ30 يصبح محفوفاً بمخاطر صحية لأنه مرتبط بالخصوبة، فبعد هذا السنّ تنخفض الخصوبة لدى المرأة وبالتالي تتزامن معها عدة مشكلات كتكييس المبايض والليف في الرحم وغيرها من الأمراض في الجهاز التناسلي وخصوصاً عند إقامة علاقات جنسية متعددة بعيدة عن الاستقرار والزواج، ما يعرّضها لخطرٍ أكبر”.

وبحسب عطية، فإن “العمر الأنسب للزواج والإنجاب هو ما بين 20 – 25 سنة، باعتبار أن معدّل الخصوبة لدى المرأة يكون عالياً جداً”، وينصح الفتيات قائلاً: “إذا كنتِ في هذا العمر، تزوّجي وأنجبي ولا تضعي الحجج والعراقيل”.

شارك المقال