“دكاكين التجميل” توقع الزبائن في فخ الأسعار الجاذبة

فاطمة البسام

حدثت حالة وفاة في صالون للتجميل في ضواحي بيروت منذ يومين، بسبب خطأ في حقن إبر البوتوكس، وفق ما تداولت معلومات، الا أن تشريح الجثة بحسب ما علم موقع “لبنان الكبير” من مصدر خاص، أظهر نقيض ذلك، ورجّحت تقديرات الطب الشرعي أن سبب الوفاة هو جرعة زائدة من المخدرات تناولتها الضحية الأجنبية قبل أن تحقن وجهها في مكان غير مرخص. وبعيداً عن سبب الوفاة المباشر والفعلي، فان هذا لا يعني أن أخطاء كهذه لا تحصل كل يوم، وسط تعتيم و”لفلفة” من بعض الأجهزة والنافذين.

وبسبب الأزمة الاقتصادية، استقطبت “الدكاكين التجميلية” فئات واسعة من الناس، خصوصاً من النساء للقيام بعمليات تجميلية كحقن البوتوكس والفيلر وبعض الجراحة بأسعار مخفّضة جداً، مقارنة بسعرها لدى الأطباء المرخّص لهم، مع العلم أن بعض هذه المراكز يتواطأ مع أطباء غير اختصاصيين وغير مخوّلين افتتاح مراكز تجميل كأطباء الأسنان والأشعة، ومنهم طلاب طب في سني دراستهم الأولى، للتغطية على أعمالهم وإضفاء صفة المشروعية عليها.

التجميل بين الهاوي والمختص

وفي إتصال بمركز للتزيين والتجميل، علمنا من الصور على صفحته في “إنستغرام” أن مصفف الشعر نفسه يقوم بالحقن التجميلية الفيلر والبوتوكس من دون أي صفة طبية أو شرعية. وأخبرنا المصفف أن سعر الإبرة يبدأ من 50 دولاراً إذا كان المحلول كورياً، و100 دولار إذا كان أميركياً، أما الفرق بينهما فهو نظافة المحلول ونقاؤه من الشوائب ومدّة فاعليته. وأشار الى أنه يقوم بهذه الحقن من دون موعد لأنه موجود طوال الوقت في الصالون.

ولدى سؤالنا عن الأعراض الجانبية، جزم بأن أي أخطاء لم تحصل لديه، واقتصرت الأعراض على أورام عادية تختفي بعد أيام، حسب كل جسم.

في المقابل، يقول أخصائي التجميل وجراحة الوجه الدكتور أنيس مراد: “يظن الدخلاء على مهنة الطب أن عدة دورات تدريبية كافية لكي يصبحوا خبراء تجميل، فمثلاً أنا قضيت 13 سنة في دراسة هذا الاختصاص كي أصبح مخولاً إستلام أرواح الناس. ناهيك عن الضرر الذي يطالنا جرّاء التعدي على المهنة، فإن الأضرار والتشوهات التي يتعرض لها المرضى لا تعد ولا تحصى”.

ويؤكد أن “أسعار هذه الحقن في الصالونات وغيرها حتماً رخيصة، لأنها من مصادر غير موثوقة، فالمصادر الحقيقية لا تسلّم هذه المواد إلاّ للأطباء، وهنا يقع المرضى في الفخ، فخ الأسعار الجاذبة، غير ملتفتين الى الأعراض التي قد تظهر فيما بعد. المواد التي تستخدم في العيادات الطبية مرخّصة عالمياً، ومن وزارة الصحة، وقد أجري عليها العديد من الدراسات والاختبارات قبل أن تستعمل على الانسان، وهنا يجب أن يلتفت المواطن الى أن كل شي رخيص خاف منه”.

وبحسب القانون الناظم لمراكز التجميل الرقم 30 تاريخ 10/ 2/ 2017، يحق التقدم بطلب ترخيص لمراكز تجميل طبي فقط للحائزين على لقب اختصاصي الأمراض الجلدية، جراحة التجميل، جراحة الأنف والأذن والحنجرة، جراحة ترميم الفك والوجه، المستشفيات، شرط أن تكون متعاقدة مع طبيب مرخّص له.

ما هي العقوبات الجزائية التي يتعرض لها من ينشئ مهنة التجميل الطبّي ويديرها ويمارسها خلافاً للأصول؟

يتعرّض من يفتح مركزاً للتجميل أو يديره من دون ترخيص إلى عقوبة المادة 9 من قانون تنظيم ترخيص مراكز التجميل الطبّية رقم 2017/30، والمحددة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما يعدّ ممارس مهنة التجميل الطبّي خلافاً للقانون، مرتكباً لجرم المادة ٣٩٣ من قانون العقوبات اللبناني التي عاقبت من زاول من دون حقّ مهنة خاضعة لنظام قانوني، بالحبس ستّة أشهر على الأكثر وبغرامة من خمسين ألفاً إلى أربعمائة ألف ليرة.

ويقتضي التذكير بالمخاطر الجسيمة الناجمة عن غياب الرقابة على المجال الذي تناوله هذا المقال وعدم تفعيل المحاسبة وفقاً للآلية التي تضمّنتها القوانين ذات الصلة، للحدّ من الممارسات الطبيّة غير القانونية، مع التشديد على دور الوعي الذاتي الذي يجب أن يتمتّع به كلّ مهتم بالخضوع لأيّ إجراء تجميلي وعدم الانجرار وراء الاعلانات الترويجية البرّاقة والأسعار الزهيدة لقاء الخدمات المزمعة، واللجوء إلى أطباء الاختصاص للاطّلاع على النتائج المرتقبة والمضاعفات المحتملة ومن ثمّ الإقدام على الاجراء وهو على بيّنة من أمره، لئلا يكون ضحية أخرى من ضحايا المستهترين المتاجرين بحقّ الإنسان في سلامة جسده!

شهادة ونصيحة

“تورّم وجهي بالكامل، بعد ساعات من حقني بمادة الفيلر من أجل تعديل حجم الشفاه”، هذا ما تقوله رنا (اسم مستعار) التي سمعت عن صالون للتجميل صاحبته “شطورة وكثيرات يلجأن إليها لأن أسعارها مقبولة”، فذهبت من دون تردد خصوصاً وأنها ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها حقن الفيلر، إلاّ أن النتيجة هذه المرّة كانت مختلفة، فبعد ساعات توجهت إلى قسم الطوارئ في المستشفى، لأن الورم كان يأكل وجهها، وأخبرها الأطباء أنها تعرضت لتسمم من المادة المحقونة بها ومن الصعب تذويبها. ظلّت على هذه الحالة لأكثر من ستة أشهر، لا يجرؤ الأطباء على العبث بوجهها، إلى أن تطوع طبيب بمعالجتها على مسؤوليتها الشخصية. تضيف رنا: “دفعت الكثير من المال ولم أستعد حتى شكلي السابق. ليس من السهل أن تتعرض لتشوّه خصوصاً في الوجه، فأنا أردت تجميل نفسي وليس العكس”.

وتنصح رنا السيدات اللواتي يردن القيام بحقن تجميلية، أن يتأكدن من مصدر الدواء ونوعه، ومن أن العبوة محكمة الاغلاق، لأن الكثير من المراكز التجميلية يقوم بإفراغ العبوات الأصلية من محتواها وملئها بمواد مغشوشة. وأخيراً أن يستعين بطبيب تجميل كي لا يدفعن الثمن.

وفي السياق، حاولنا التواصل مع وزارة الصحة للوقوف على ما تقوم به من متابعات، بعد الابلاغ في الفترة الأخيرة عن حوالي 250 مركز تجميل تعمل من دون رخصة، أغلق 12 منها فقط، إلاّ أننا لم نحصل على رد!

شارك المقال