التعددية الدينية الايجابية

السيد محمد علي الحسيني

شاء المولى عزوجل أن يخلق هذا الكون بتنوع في كل شيء حتى الإنسان خلقه بألوان وألسنة مختلفة وهو القائل في محكم تنزيله: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ”. لذلك فمن المهم التأمل في التنوع الذي جعله الله نعمة من نعمه، بل وآية من آيات رحمته وحكمته فهو القائل جل جلاله: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”. فالإنسان قد جبل على حب التطلع والاكتشاف، وتصور عالم من دون تعدد يلغي حقيقة بالغة الأهمية وهي المعرفة التي تتقاسمها الإنسانية جميعها والتي تشترك فيها وهي أحد المسلمات التي تحدث عنها الفيلسوف الفرنسي ميشال سير الذي قال في مسلمته: “أنا لا أعرف لكن الآخر يعرف”. ولو تأملنا في هذا العالم الفسيح لوجدنا نظامه قائماً على التعدد في كل شيء، في الفيزياء وعلوم الذرة والكيمياء والطبيعة والرياضيات وغيرها من العلوم الأخرى، ومن خلال هذا المبدأ جعل الله الناس مختلفين حتى في عقائدهم فهو القائل: “ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة”، فحكمته في ذلك بالغة، ولا شك في أنها تعمّق المفاهيم وتضيف معرفة وتضع حداً للتطرف والأنانية الفردية. ولا شك في أننا تخطينا في هذا الزمان العزلة الدينية، فالعالم أصبح منفتحاً على بعضه، والدولة الواحدة فيها مختلف العقائد والأديان الأمر الذي شكل مخاوف من هذا التعدد الذي يراه البعض يضرب الهوية الدينية الأصلية، في حين يرى البعض الآخر أننا أمام حقيقة واحدة وهي ضرورة التكيف مع التنوع وحسن استثماره لكي ينعكس بشكل إيجابي على حاضر الأمم ومستقبلها.

التعددية الدينية سيف ذو حدين

لا شك في أن تجارب الشعوب بما يخص التعددية الدينية جعلها أكثر قلقاً وخوفاً، سواء الحروب المسيحية في ما بينها أو الحروب الطائفية الاسلامية أو الحروب الدينية عموماً، ولكن هذا التصور هو وليد ممارسات خاطئة ليس لها علاقة بجوهر التعدد، لأن مفهوم التعددية الدينية الإيجابية كما نراه يعني التنوع الفكري والمجتمعي والثقافي الذي يعود بالمنفعة والفائدة على الأوطان والمجتمعات، بينما نجد أن التعددية الدينية السلبية هي التي تقوم على تفرقة الأفراد وتمزيق المجتمعات والتي ما حلت على مكان إلا خربته وأفسدت كل ما فيه. ومن هنا نؤكد أن المشكلة ليست في مفهوم التعددية الدينية ولكن في الذين يستخدمونها لمآرب شيطانية وتنفيذاً لمشاريع هدامة، لذلك من المهم جداً حماية هذه التعددية باعتبارها كنزاً إنسانياً، ومن الضروري أن تكون ضمن إطار وطني جامع يستثمرها وفقاً للمصلحة والمنفعة الوطنية والمجتمعية، فيجتمع المواطنون جميعهم ضمن المواطنة الشاملة ليشكلوا معاً فسيفساء وطنية تساهم في شموخ الوطن وريادته وليس في عرقلة مسيرته ونهضته.

شارك المقال