“الضهيرة” تصدرت نشرات الأخبار… ماذا يخبر أهلها؟

فاطمة البسام

تكاد لا تخلو نشرات الأخبار العربية والعالمية من اسم بلدة “الضهيرة” التي تقع على بُعد أمتار قليلة من فلسطين المحتلة في أقصى قضاء صور، وتضم 235 بيتاً بحسب إحصاءات البلدية، دمّرت إسرائيل 45 منها حتى اليوم وفق ما يقول عضو بلديتها نادر أبو ساري.

منذ مطلع الحرب التي طالت معظم القرى الجنوبية، نالت الضهيرة الحصّة الأكبر من القصف والدمار لدرجة أن أحد المواطنين قال غاضباً لاحدى المحطات: “شو ما في إلا الضهيرة تنقصف؟”. هذه القرية الصغيرة التي كانت شبه معروفة قبل الأحداث، لا يزال سكانها يعيشون من “شك الدخان”، وخيرات الأرض والماشية. نزح معظمهم نحو ضواحي صور وقلّة قليلة إختارت الصمود على الرغم من إرتفاع مؤشر الخطر على حياتها يوماً بعد يوم.

أبو ساري تردد في بداية الأمر قبل التحدث الى موقع “لبنان الكبير”، مشيراً إلى أنه تلقى العديد من الاتصالات من دول أجنبية تشيد بصموده وسرعان ما أصبحت توجه إليه أسئلة حسّاسة حول الحرب والمنطقة.

قُصفت القرية بالفوسفور الأبيض في أوائل العدوان بحسب أبو ساري، فالاسرائيلي كان متخوّفاً حتى من حركة المدنيين الذين أخذوا قراراً بالنزوح، ولشدّة القصف الكيميائي تعرض بعض السيارات لحوادث سير بسبب تعذّر الرؤية نتيجة الدخان الأبيض. لذا، توزّع أهل البلدة على مراكز الإيواء في صور والجوار.

أمّا أبو ساري فاختار البقاء، مؤكداً أنه لا يمكنه ترك مزرعته وماشيته التي تعتبر ثروته، وعلاوة على ذلك يقول انه أصبح يعتني ويهتم بالماشية التي تركها أبناء الضهيرة خلفهم إلى حين إعلان الهدنة ومجيء أصحابها لتسلمها. أمّا السّؤال الأهم الذي كان يلاحقه إلى حدّ إتهامه بالعمالة نتيجة صموده: “ليش بعدك؟”، فيجيب بأنه كان يوثّق الاعتداءات ويصورها، ويقوم بنشر المحتوى كي يتعرّف السكان الى أملاكهم وما بقي منها.

خلدون شرطي البلدية لم يغادر

على الرغم من تجاوز الحرب مدّة الشهرين ووصول “الطوفان” إلى قلب الجنوب، رفض شرطي البلدية خلدون فنش النزوح أيضاً وبقي في بلدته الضهيرة.

يخبرنا فنش عبر الهاتف عن يومياته وصوت نرجيلته يخرق الصمت الذي يحيط به على غير عادة بسبب انخفاض وتيرة القصف في فترة الظهيرة. ويؤكد أنه يفضل صوت القذائف على النزوح، وأن لا داعي للخوف فالحياة بالنسبة اليه عادية، فهو عايش حروباً سابقة كانت أشد قسوة، إلاّ أنه لا يخفى أنه اضطر الى المغادرة عندما قصفت بلدته بالفوسفور، ثم عاد للإهتمام بمحاصيله الزراعية ومزرعة الدواجن التي أصبحت مصدر رزقه بسبب توقف عمله في البلدية في الوقت الحالي.

ويشير فنش الى أنه يساعد الصحافيين في عملهم أثناء تغطياتهم، ويشكل مع بعض أبناء البلدة حرساً للبيوت من السرقات، فمعظمها خلعت أقفاله من قوّة القصف.

أمّا عن يومياته في الحرب وكيفية تأمين الغذاء والطعام، فيوضح أنه يكرّس وقته للاهتمام بالماشية والحيوانات التي أصبحت مشرّدة، “وبفضل الشتاء نعيش على الأعشاب التي تنبت من الأرض مثل الخبيزة والسلق، وفي القليل من الأحيان على المعلبات التي تصل إلينا من خارج البلدة”.

الصمود من شيم أبناء الضهيرة

قدمت بلدة الضهيرة الكثير من الشهداء، في سبيل قضية فلسطين، فانخرط العديد من أبنائها في العمل الفدائي، ودفعت ولا تزال ثمن ذلك دماً. ولا يغيب عن ذاكرة أبناء البلدة المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي بحق عائلة أحمد حسن أبو ساري، الذي استشهدت زوجته ذيبة فنش ووالدته وأربعة من أولاده وأحد أبناء يارين، فيما نجا أبو ساري من هذه المجزرة، التي تمثلت في قيام قوة كومندوس اسرائيلية بتفجير المنزل انتقاماً من مقاومة أبو ساري ورفاقه للاحتلال الاسرائيلي في فلسطين.

شارك المقال