فاجعة “ضهر المغر” تقتل فاطمة… ماذا ينتظر المعنيّون؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تكن فاطمة خالد طالب تدرك أنّ نهايتها ستكون عبر انهيار شرفة منزلها في محلّة ضهر المغر في القبة – طرابلس، فهذه السيّدة التي كانت مسؤولة عن إعالة عائلتها لأعوام، لم تتوقّع هذا المصير المأساويّ الذي يتهدد سكان هذه المحلّة التي تقع تحت خطّ الفقر بشهادة كلّ من يقطنها، يزورها أو يكشف عن حال أبنيتها القديمة والمتهالكة.

في الواقع، لم تحرّك وفاة فاطمة ساكناً لدى المعنيين الذين لم يقوموا بالاطّلاع على مكان الحادثة كما لم يبدوا بمعظمهم تعاطفاً معها، مع العلم أنّ هذه الفاجعة تُسلّط الضوء على المئات بل ربما على الألوف من المباني المتصدّعة في مدينة تُعاني من جمود إنمائيّ لا مثيل له يُعيد تكرار مشهد انهيار الأبنية كلّياً أو جزئياً في طرابلس التي تتضمّن عدداً لا يُستهان به من العقارات التي تصنّف بأنّها “تراثية”.

وكان وقع خبر رحيل فاطمة كالصاعقة على عائلتها لا سيما على شقيقتها التي شهدت على الطريقة “المفجعة” التي غدرت بها، وهذا ما يُؤكّده مقرّب من العائلة لـ “لبنان الكبير”، ويقول: “تعيش شقيقة فاطمة في المبنى المقابل لمنزل شقيقتها، وكانت تتحدّث معها قبيل وفاتها، لكن أثناء تبادلهما الحديث التفتت شقيقتها إلى الجهة الأخرى لثوان معدودات، لتفاجأ بسقوط شرفة فاطمة ووفاتها على الفور”.

ومنذ سنوات، تعيش فاطمة ابنة مشمش العكارية في ضهر المغر (حيث هناك كثافة سكانية مرتفعة تقطن في أبنية متهالكة وقديمة)، في ظروف مادية واجتماعية قاسية، دفعتها إلى العمل من منزلها بطهي الطعام وتجهيزه للخارج كيّ تتمكّن من إعالة زوجها المريض بالسكريّ وأبنائها الأربعة (ابنة تبلغ 25 عاماً، وثلاثة شبّان أحدهم مسجون في سجن القبة وآخر عسكريّ، وأصغرهم عمره 13 عاماً)، لذا، لعبت دور الأمّ والأبّ بامتياز بسبب عجز زوجها صحياً، فاهتمّت بهذه العائلة التي كتب لها العيش في منزلٍ مستأجر متهالك من الداخل والخارج حتّى بعد سعي إحدى الجمعيات إلى ترميم المنزل من الداخل منذ أعوام، أمّا المبنى الحجريّ من الخارج ووفق المقرّب منهم، فلم يتمّ إصلاحه ولم يقترب أحد منه، على الرّغم من الوعود المتكرّرة التي سبق أنْ أطلقت لتحسين ظروف العيش في هذه المنطقة “المنكوبة” إنمائياً واقتصادياً.

ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها ضهر المغر سقوط مبنى فيها بسبب البنى التحتية الركيكة وغيرها من الظروف التي تُضعف أساس العقارات، فلا ينسى الطرابلسيّون سقوط مبنى النّشار في حزيران عام 2022 في المحلّة عينها، كما لا يغفل الكثير من أهالي القبّة عن حوادث عدّة حصلت ولم تُسفر عن أيّ تقدّم تطويريّ لا يقتصر على تحسين صورة الأبنية خارجياً فحسب، بل لا بدّ من تطوير قائم على تدعيم لا على ترميم يُبعد شبح الموت عن أهالي هذه المنطقة. ويستذكر أكثر من مواطن في القبّة حادثة قديمة (يُقال انّها وقعت في الثمانينيات) حصلت مع سيّدة كبيرة في السنّ سقطت شرفتها وقتلت بالطريقة نفسها التي قتلت بها فاطمة التي يتحسّر على وفاتها كلّ من عرفها.

لا يُخفي المقرّب (الذي يعيش في المحلّة عينها) الارهاق الذي أصاب هذه السيّدة الخمسينية لا صحياً فحسب، بل نفسياً أيضاً خصوصاً بعد دخول ابنها السجن، ويُضيف: “يوم الاثنين الماضي، قامت بزيارته في السجن، فلم تتمكّن من رؤيته واكتفت بترك الطعام له، ولم تكن تعلم أنّ منيّتها ستكون عبر سقوط حرف سطح الشرفة من الطابق الثاني، وذلك أثناء استنادها الى حرف الجدار المصنوع من الخفان وعند سقوط الجدار سقطت معه، فكانت الضربة قاتلة على رأسها ونهايتها قاسية لدرجة أنّ عظامها خرجت من يديها، ما يعني أنّ جريمة الاهمال بحقّها سواءً من صاحب العقار أو من المعنيين كانت مروّعة”. ويوضح أنّهم لم يتلقّوا أيّ إنذار بلديّ بتخطّي هذا الخطر الذي بات يُقلق كلّ المنطقة، قائلاً: “بتّ أخشى على ابني الصغير، ورأيته أمس يقف على الشباك فأسرعت لسحبه إلى الداخل ومنعته عن الاقتراب من أيّ خطر جديد يُحدق بنا، لا سيما وأنّ الخفان بات ظاهراً والمبنى يتفتت شيئاً فشيئاً بصورة يومية”.

ويشير أحد القاطنين في الشارع الذي سقطت فيه فاطمة لـ “لبنان الكبير” الى أنّ الحادثة لم تثمر عن أي تدخل رسمي إلّا من الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء الركن محمّد خير الذي ناشده أبناء المنطقة التدخل، وسط غياب يُسجّله نواب المدينة كما نواب آخرون كالنائب ملحم خلف “الذي لا نخفي أنّه حضر فعلياً بعد سقوط المبنى السابق منذ فترة، وكان طالب بالتدخل للإنقاذ ولم يلبّ طلبه أحد، وبالتالي لا دعم معنوياً ولا مادّياً لهذه الأبنية وكأنّها حال وفاة عادية غير ناتجة عن الاهمال بحقّ طرابلس وأهلها، وأكتفي بالتساؤل ماذا يُريدون منّا؟ هل ينتظرون مجزرة للتدخل؟”.

من هنا، تلفت معطيات “لبنان الكبير” إلى محاولة جدّية تحدث على الصعيد الرسمي لتأمين مساعدة مادّية ينتظر التوافق عليها، تعويضاً لعائلة فاطمة.

اللواء خير

بعد مناشدة الأهالي، تدخل اللواء خير واطّلع على الأضرار التي أحدثها السقوط، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لبّينا طلب الأهالي بالتأكيد ونحن نحاول دعمهم، لكن نذكّر بأنّنا كهيئة إغاثة لا يُمكننا التدخل عند سقوط نافذة مثلاً، بل نتدخل فعلياً عند كارثة، والحقيقة تؤكّد أنّ المسؤولية تقع على صاحب العقار المسؤول عن منزله أو مبناه ولا تقع المسؤولية كلّها على الدّولة، لكنّنا ندرك الواقع المادّي ولا نغفل عنه أخيراً، ويكمن في أنّ صاحب المنزل قد يكون فقيراً وفي حال صعبة يُرثى لها، فلا يتمكّن من القيام بأيّ خطوة أو مبادرة، لكنّني اطّلعت على ما يُمكنني القيام به تحت سقف القانون”. ويشدّد على “ضرورة تدخل الادارات والوزارات المعنية في هذه الظروف التي يُدرك القاصي والداني حجم صعوبتها بسبب الحرمان الذي تُواجهه طرابلس، وبالتالي إنّ تدخلي في المدينة وكل لبنان يُعدّ شخصياً وإنسانياً، لأنّ القانون لم يُجبرنا على التدخل في هذه الأوضاع”.

قمر الدين

تتقاذف الجهات الرسمية المسؤوليات في ما بينها بعد حصول هذا النّوع من الحوادث، فيما يُحمّل الكثير من المواطنين وكذلك بعض المعنيين مسؤولية الانهيارات العقارية وما ينتج عنها من خسارات لبلدية طرابلس، التي ينفي رئيسها أحمد قمر الدّين ما يتمّ تداوله أخيراً بين الفئات الشعبية عن أنّ البلدية لم تُرسل إنذارات إلى هذه الأبنية ولم تكشف عليها. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “نقوم بواجباتنا كاملة، وكنّا قد كشفنا على هذه الأبنية وأرسلنا إليها إنذارات مسبقة، وإذا كنّا نتحدّث عن الحال المادية الصعبة التي يعيشها المواطن، فنحن نعجز عن تقديم أيّ مساعدة أو دعم، إذْ تكاد الأموال لا تكفينا لتقديم خدمات رئيسة، في وقتٍ لا بدّ من التنويه بأنّ المالك قد لا يتمكّن من إصلاح أيّ شيء نظراً الى ظروفه”.

ويلفت الى أن “البلدية قامت بالترميم أحياناً، وإرسال إنذارات بالاخلاء أحياناً أخرى، لكن للأسف معظمهم لا يستجيب وإذا استجاب وأخذ بدل إيواء فمن يتمكّن من تحمّل تكلفة الترميم؟، لكن عموماً، قمنا بواجباتنا الادارية تامّة، الا أنّ التقصير المالي يعود الى إمكاناتنا المحدودة”.

معطيات

يتحدّث مصدر مطّلع لـ “لبنان الكبير” عن خلل يُصيب الدّعم المالي المخصّص لهذه المساعدات وغيرها، إذْ “كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يحاول تأمين اعتمادات لتأمين ترميم المناطق الشعبية، لكن اصطدم الموضوع بأمرين: الأوّل يكمن في أنّ الجمعيات والمنظمات الدّولية تراجعت كثيراً في دعمها للبنان وملفاته، بينما يكمن الأمر الثاني في أنّ معظم البلديات التي طلب منها الكشف عن وضع أبنيتها، لم يرسل هذه الكشوفات إلى الادارة المعنية”.

ويوضح المصدر أنّ 10 بالمئة فقط من البلديات كانت قد أرسلت كشوفاتها، وأنّ من أرسلها لم تتضمّن ملفاته التي رفعها إلّا بعض الأبنية (كطرابلس التي كانت تضمنّت دراستها ضرورة ترميم 60 عقاراً فحسب)، مع العلم أنّ العقارات التراثية فيها تفوق هذا العدد بكثير وتستحق التدعيم بأماكنها التراثية لا الترميم فحسب، وقد تحتاج إلى ما يُقارب الـ 30 مليون دولار لهذه الغاية، وذلك وفق المصدر الذي ينتقد عدم تدخل الوزارات المعنية، كالأشغال، الثقافة، وغيرها، إضافة إلى البلديات التي صدر مرسوم عن مجلس الوزراء يُكلّفها الكشف عن كلّ مكان خطير لرفع طلبات بالهدم أو الترميم.

شارك المقال