تغييب المعطيات الجيولوجية تسبب بالفيضانات… والاهمال المستمر قنبلة موقوتة

راما الجراح

غزارة المتساقطات في عدد كبير من المناطق اللبنانية تسببت في حدوث فيضانات، وإنهيار جدران وطرق، جرف أتربة وانفجارات مائية. وتحولت الشوارع إلى أنهار ومستنقعات في عاصفة تعتبر الأقوى لهذا الموسم، وكانت الاختبار الذي فشلت فيه السلطة اللبنانية كعادتها في تحضير البنى التحتية، ومنظومات تصريف المياه وقنوات الصرف الصحي لفصل الشتاء.

كشفت أسرار الطبيعية خلال ٢٤ ساعة من الأمطار المتواصلة، هشاشة الأرصفة وإهمال المسؤولين للطرق، والجسور والأنفاق ما أدى إلى عمليات سحب المواطنين من سياراتهم عند جسر الكرنتينا في بيروت بعدما احتجزتهم السيول داخلها. كما عمل عناصر الدفاع المدني على سحب المياه التي اجتاحت عدداً من المستودعات وداخل المنازل في صيدا، فيما عزا الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي كل الأضرار التي حصلت الى افتقاد الخبرة الجيولوجية قبل انشاء المشاريع أولاً.

وأكد إنهيار الطريق بين الجاهلية وسرجبال في منطقة كفرحيم الشوف أن هذه الأرض لم تعالج قبل شق الطريق لتتمكن من تحمل الاوزان، وأصبح بالإمكان ملاحظة طبيعة الصخر تحت طبقة الزفت الرقيقة. في الوقت الذي يمكن ملاحظة مجرى نهر أبو علي بسعته الجيدة جداً، بحيث يمكنه استيعاب كميات الأمطار التي تتساقط في المنطقة، ويبدو أن القائمين عليه درسوا وضع الأمطار على الساحل اللبناني، ولاحظوا أنها تتميز بكبسات “Averses” مطرية تُسقط كميات كبيرة من المطر في وقت قصير.

ورفض زعاطيطي المعلومات التي يتداولها عدد من الخبراء والمسؤولين عن أن ما يحصل سببه تغير مناخي كبير تشهده البلاد، مرجّحاً أن ما يحصل هو تغييب لعلم المناخ والمتساقطات ونتيجته جاءت على شكل طوفان وإنهيارات خلال ٢٤ ساعة فقط، وأصبح الجميع على دراية كبيرة أن لا بنى تحتية أساساً في لبنان، والاهمال المستمر يمكن اعتباره قنبلة موقوتة ستنفجر في لبنان في أي لحظة.

وعن كمية المتساقطات، روى زعاطيطي أن الدكتور الراحل وجدي نجم أجرى دراسات لثلاث محطات أساسية هي مطار بيروت، زحلة، وطرابلس على مدى ٦٠ سنة، ووصل إلى أن معدلات المتساقطات نفسها في لبنان لا تتغير، ما يعني أن ليس هناك تصحر ولا تراجع مخيف في المتساقطات.

للأسف لا تؤخذ المعطيات الجيولوجية في الاعتبار، إنما يتم تمرير صفقات سدود وغيرها لفساد الدولة بحجة تغير المناخ، واذا كان الهدف هو تأمين المياه، فحفر الآبار يعتبر وسيلة أضمن بكثير من السدود ولكن لا يحتمل السمسرة مثلها.

وفي مقاربة بسيطة، المنصورية تختلف عن بيروت، والروشة الصخرية تختلف عن الضاحية الرملية، واليوم شلال كفرحلدا يثور على سد المسيلحة الجاف القريب منه، ويبدو أنه لم يكن هناك وقت لتتسرب مياه الأمطار عبر الصخور تحتها وهذا دليل على طبيعة المناخ اللبناني والمتساقطات الطبيعية المتميزة المعروفة، وليس تغيير أو تراجع في المتساقطات كما يدعي البعض ترويجاً لسياسة السدود أو تغطية للأخطاء الهندسية المرتكبة.

كما يمكن ملاحظة أن إنهيار جدار ساحة بيت الدين جاء نتيجة تبلل المادة الصلصالية وإنتفاخها، وزيادة الحجم الذي كان يزداد كل شتاء شكلت قوة الدفع للجدار بإتجاه أفقي أدى مع الوقت إلى إنهياره، ومن الملاحظ أيضاً أن بقية الجدار ملتوٍ غير عمودي نتيجة الضغوط وهو أيضاً عرضة للعوامل نفسها التي أدت إلى إنهيار هذا الجزء بحسب زعاطيطي.

من المؤسف أنه ينُظر اليوم في لبنان إلى أرباح المشاريع فقط، بغض النظر عن صحتها واستمراريتها واذا هددت حياة الإنسان أم لا، في حين من الضروري أخذ جيولوجية الأرض في الاعتبار، ودراستها جيداً قبل خطوة البناء والهلاك!

شارك المقال