الحزبية والاسلام

السيد محمد علي الحسيني

كان العالم قبل الاسلام يعيش حالة من اللااستقرار والانقسام وطغيان الظلم والهيمنة واندلاع الحروب بين القبائل التي كانت تدوم عقوداً من الزمن، كما شهدت شبه الجزيرة العربية نتيجة اختلاف وخلاف المصالح انقساماً أضعفها وجعلها فريسة للإمبراطوريات الكبرى آنذاك. وفي خضم تلك الظروف وفي زخم التحديات التي واجهها العرب أشرقت شمس الاسلام رحمة ليس على العرب وحدهم بل على العالمين “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، ليملأ بنور عدالته الأرض ويرسي بقيمه جسور الحوار مع شعوب العالم، داعياً إلى الوحدة نابذاً كل سبل الفرقة، مرسخاً مبادئ السلام ومكرّساً نهجاً متكاملاً يهدف إلى حفظ الإنسانية والمحافظة على أمنها ومواجهة كل ما من شأنه أن يشكل خطراً على وحدتها وأمنها وتماسكها “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”، فالاسلام جاء ليدعو الناس الى التلاقي والتقارب رافضاً كل ما من شأنه أن يهدد وحدتهم ويهدمها.

الاسلام جامع وموحد للعالمين

بالعودة إلى الشريعة الاسلامية الغراء نجد أن أحكامها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في ما يتعلق برفضها كل أشكل العنصرية ورفض حمية الجاهلية وكل مظاهر التمييز، لأن ذلك يقود إلى الشحناء والبغضاء ويغذي شعور عدم الانتماء إلى تلك المجتمعات التي ترسخ مظاهر العنصرية، “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم”، كما أن نبينا الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار قد دعا المسلمين إلى تكريس دعائم الْأُخُوة الاسلامية في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ونهى عن كل ما من شأنه أن يمس بها، وَهنا أكد النَّبِيُّ ﷺ أَن الْمسْلِمِين كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، “مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ”.

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ “أَنَّ الْمُسْلِمَ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا -وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ﷺ-“.

الحزبية تتنافى مع منهج الوحدة

ومن هنا كانت الحزبية التي تعني الانغلاق والتحيز وبالضرورة الانفصال والتقسيم والتمييز بين المسلمين والتفريق بينهم تعتبر نقيض الدعوة الاسلامية ونهجها الداعي إلى التآخي والانفتاح والوسطية والاعتدال والعبودية لله وحده، على عكس سياسة الأحزاب التي تجعل منه ومن قيادته بمقام القداسة والأولوية وأنه وحده يمثل الحق وغيره باطل، وفي ذلك يقول مولانا عز وجل: “كل حزب بما لديهم فرحون”، لذلك فإن الحزبية تشكل الخطر الداخلي على جوهر الدين وعلى دعوته وعكست السلبية في ضرب أسس الدين وتوجهاته، خاصة إذا سميت باسم الله ونسبت إليه وإلى الاسلام والله يخاطبهم ويحاججهم بقوله تعالى: “آلله أذن لكم أم على الله تفترون”.

وبالتالي نفهم أن الحزبية نقيض بل عدو خبيث للاسلام والله عز وجل أراد أن يجمع الناس على كلمته ولا يفرق بينهم أو يميز إلا بالتقوى والنفع للناس أقربه لله “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

وبالمحصلة لا مشروعية للحزبية في الاسلام، بل إنها تشكل خطراً حقيقياً على الاسلام والمسلمين لما لها من تداعيات خطيرة وخبيثة وأن الانتساب إليها غير مبرئ للذمة.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال