“مشروع تشويهي” يضرب سكّة الحديد في طرابلس… المرتضى: يسيء الى الاحتفالية

إسراء ديب
إسراء ديب

تمكّن بعض المشاريع أو التحرّكات (المدنية منها أو الرسمية)، من تنغيص فرحة الطرابلسيين قبيل إعلان مدينتهم “عاصمة للثقافة العربية” لهذا العام، إذْ لا يتردّد بعض المعنيين في تنفيذ مشاريع تسعى إلى تدمير الوجه التراثي أو الثقافي لهذه المدينة التي شهدت في الأشهر القليلة الماضية عملية “تشويه” واضحة طالت أبرز أبنيتها المصنّفة بـ “التراثية”، كما طالت بعض معالمها وكان آخرها شبكة سكّة الحديد في الميناء وما يُرافقها من أبنية لا تُقدّر بثمن.

وكانت رئيسة “جمعية تراث طرابلس” – لبنان جمانة الشهال تدمري قد أثارت قضية تحويل محطّة سكة الحديد في الميناء إلى موقف خاصّ للشاحنات، وذلك بعد إقدام إدارة السكك الحديد على تأجير الأرض بغية تحويلها إلى موقف، ما أثار غضب المواطنين وكذلك بعض المتابعين خصوصاً أولئك الذين يشعرون أنّ معظم المرافق الحيوية بات مهدّداً بالاقفال أو بالتعدّي عليا بين كلّ فترة وأخرى، الأمر الذي دفع أمين السرّ العام لمحافظة الشمال، القائم بأعمال بلدية الميناء إيمان الرافعي إلى إرسال كتاب إلى مصلحة سكك الحديد طلبت فيه البلدية بعض التوضيحات المتعلّقة بعدم وجود تصريح واضح بشأن الأشغال المنوي تنفيذها، كما انتقدت وجود مستند واحد موقّع من محتسب المصلحة بتأجير العقار كموقف مؤقت للآليات لمدّة تنتهي بتاريخ 31/01/2024 من دون تحديد المساحة أو الموقع الذي يُعدّ الأقرب من أقدم معلم تراثي وهو برج السباع وغيرها من التفاصيل التي ذكرت ضمن كتاب الرافعي.

في الفترة الأخيرة، لا يجتمع اثنان في المدينة إلّا ويكون الحديث عن محطّة القطار وما سيحلّ بها ثالثهما، فهذه “القطعة” الثمينة التي تبلغ مساحتها ما يُقارب الـ 100 ألف متر مربع، تُعدّ من أكبر المحطات المحلّية التي أنشئت عام 1910، بحيث يستذكر الطرابلسيون تفاصيل لا تُنسى عن هذا المرفق السياحي والاستثماريّ الذي انطلق منه في العام 1912 أوّل قطار، ليتوقف نهائياً عام 1975 مع اندلاع الحرب الأهلية المؤسفة التي قضت على هذا المكان المرتبط بصورة وثيقة بذاكرة المدينة ولا ينفصل عنها، بحيث بدأت هذه المحطة مسيرتها بسواعد وتمويل طرابلسيّ كشركة مساهمة واستثمارية بناها أبناء المدينة (بعد شرائهم الأرض وبناء المحطّة) بالتنسيق مع العثمانيين (الذين أسهموا في تأمين القطارات وخطّ الحديد)، وذلك رداً على دعم فرنسا لانشاء المحطة في بيروت، ليتمّ تأميم هذه الشركة عقب الاستقلال.

ومنذ انتهاء الحرب حتّى يومنا هذا، تحوّلت محطّة القطار إلى مركز جاذب للسياح والمصوّرين، كما للمستثمرين الذين رأوا في تلك الفترة، أنّ هذا المكان قابل لتحويله إلى متحف أو “بارك” ثقافيّ قد يُعيد تشغيل المحطّة بوظيفة ثقافية فنية ترفيهية، على الرّغم من أنّها لم تعد صالحة كمحطة للقطارات الحديثة، لكنّها تستحقّ هذا النوع من المبادرات، خصوصاً بوجود قاطرات نادرة ومطلوبة عالمياً تعود صناعتها الى نهاية القرن التاسع عشر، لذلك ظهرت مبادرات مختلفة على هذا الصعيد، كان أبرزها من وكالة “تيكا” التركية عام 2018، لكن الأزمة حالت دون تحقيق أيّ هدف.

المشروع

وفي وقتٍ يتصدّى أبناء المدينة لأيّ مشروع أو خطّة قد تتسبب بالضرر لهذه المحطّة التي تجذب السواح الأجانب وأبناء المدينة، يُحاول وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمّد وسام المرتضى تفعيل إطلاق كلّ الفعاليات اللازمة والمرتبطة بإعلان طرابلس عاصمة ثقافية مع مواصلته العمل منذ ثلاثة أيّام على تفاصيل هذه الاحتفالية عبر التواصل مع لجانها ومعنييها. ويعتبر في تصريح لـ “لبنان الكبير” أنّ “من مساوئ هذا المشروع قيد النقاش توقيته السيء الذي يتزامن مع محاولات حثيثة نجريها لإنجاح فعاليات هذه المناسبة المنتظرة طرابلسياً ومحلّياً”، متسائلاً: “كيف يتعدّى المشروع الذي يُسيء الى الاحتفالية على مكان بقيمة ثقافية معروفة؟”. ويتمنى “ألا تحصل أيّة خطوات معاكسة تضرب صورة المدينة لا سيما في هذه اللحظات الدقيقة، وأنْ يتمّ تخصيص مساحة خضراء وحديقة ملحقة بمحطّة القطار عوضاً عن مشروع المرآب”.

إلى ذلك، تُؤكّد الفعاليات الطرابلسيّة والتراثية أنّ هذه المحطّة تتعرّض لعمليات سرقة واضحة للحديد الموجود فيها منذ عشرات السنين، وقد ازدادت هذه العمليات فعلياً خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يراه البعض “مبرّراً” لإنشاء مرآب “مؤقت” والذي قيل انّه سيستغرق شهراً، بينما تُؤكّد معطيات “لبنان الكبير” أنّ الفترة قد تطول لتصل إلى ثلاثة أشهر، في ظلّ تأكيد من “مؤسسة الكمال التجارية” وهي المستثمرة وصاحبة الشاحنات أو “التريلات” الكبيرة ومن المدير العام لمصلحة سكك الحديد زياد نصر، أنّ هذا المشروع يعود بالفائدة على المدينة وأهلها، نظراً الى قدرته على التخفيف من أبرز مشكلات المحطّة ومنها: استثمارها بدلاً من إهمالها، حمايتها من السارقين أو مدمني المخدّرات أو المتجاوزين أخلاقياً… وغيرها من “المبرّرات”.

هذه المعطيات، يُؤكّدها المهندس المعماريّ المتخصّص بالتراث، وهو رئيس قسم العمارة في الجامعة اللبنانية الدكتور وسيم ناغي الذي يعتبر في حديثٍ لـ”لبنان الكبير” أنّ المسار القانوني الذي اتبعه المستثمر أو رجل الأعمال كان سليماً وتمّ عبر مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، “إذْ تمّ السماح باستخدام الموقع تحت سقف القانون ولقاء بدل مادّي نظراً الى حاجة المصلحة إلى إيرادات، فاستخدمت القطاع الخاصّ، وهنا لا نجد مشكلة قانونية بل مشكلة مبدئية، لا تُراعي الشكل أو الرمزية”.

ويقول: “تواصلت مع الأستاذ زياد نصر المدير العام لمصلحة سكك الحديد بإيعاز من وزير الثقافة الذي اعتبر بدوره أنّ الموضوع تراثي نظراً الى تقادم الأبنية ذات القيمة الثقافية مطالباً بإعداد تقرير أوليّ عن الموضوع، في وقتٍ أكّدت فيه المصلحة أنّها تحتاج إلى إيرادات وأنّ رجل أعمال تقدّم بهذا الطلب لاستثمار الأرض مؤقتاً، لكنّنا في الحقيقة لا نملك معطيات عن كيفية استخدام الموقع الحساس مؤخراً للنشاطات الثقافية والفنية وكموقع مهمّ قبيل إعلان طرابلس العاصمة الثقافية للعام ٢٠٢٤”.

وعلى ذمّة ممثل المستثمر وما رصده ناغي من أعمال جرف للتوسيع والسماح بدخول القاطرات والمقطورات “التريلا” وخروجها، تبيّن أنّ هذا الأمر سيُؤدّي إلى نتائج لا تُرضي المواطنين على الاطلاق، موضحاً أنّ هذا المشروع سيُؤدّي إلى: منع دخول النّاس إلى المحطّة بسبب عملهم على إنشاء بوابة لدخول الشاحنات وخروجها، ومع ركن الشاحنات، فهم يقومون أيضاً بإنشاء “الكارافانات” لاقامة شبه مؤقتة داخل العقار لبعض العاملين والحرس، أمّا عن “الكميونات” فباتت مواجهة للمباني، أيّ أنّ المواطنين سيعجزون عن رؤية القطارات والأبنية، وهو ما يُعدّ “تلوّثاً بصرياً” كنّا في غنى عنه، عدا عن “السيطرة” التي ستسمح ببقاء الشاغل أو سائقي الشاحنات الذين لا نعرف هوياتهم داخل المحطّة، كما لا نغفل أيضاً عن الحوادث التي قد تحصل مع خروج الشاحنات وسط الطريق، والأضرار التي ستُحدثها شاحنات ثقيلة على سكك الحديد في الأرض، إضافة إلى احتمالية خطر الاصطدام بالمباني نظراً الى صعوبة المناورة للقاطرات الكبيرة، أو خطر الحريق، أو الارتجاجات الناتجة عن حركة “الكميونات” التي يصل وزنها مع حمولتها إلى أكثر من 30 طناً وقد تُؤدّي إلى حصول انخساف في التربة أو انهيارات جزئية في المباني الهشّة والمتصدّعة أصلاً… وغيرها من الأضرار.

ويُضيف: “إنّ المدخول الماديّ سيكون ضرره المعنويّ أكبر بكثير في مشروع يستفزّ الناس مع قرب الاحتفالية بالعاصمة الثقافية، وأيّ مشروع في لبنان لا يُمكن أن يكون مؤقتاً بل اعتدنا أن يُصبح دائماً بغياب القانون والرقابة وبوجود المداخيل المغرية في موقع جذاب يستفيد منه المستثمر بالدرجة الأولى، والمصلحة بالدرجة الثانية”.

ويُعلن ناغي تواصله منذ ساعات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يُتابع بدوره هذه القضية، مؤكداً أنّه سيتواصل مع المعنيين بها لمعرفة التطوّرات. ويشدد على “أننا في حال لم نشكّل ضغطاً ستُصبح أرضنا مستباحة مقابل حفنة من الدولارات ستتسبّب بالضرر المعنوي الكبير وهو أكثر بكثير من المنفعة المرجوّة من الاستثمار بهذه الطريقة لموقع بهذه الرمزية الثقافية والتراثية أكثر منه كمنشآت للنّقل العام غير الموجود أساساً ولا أمل بعودته في المدى المنظور”.

شارك المقال