رحيل حسين ماضي الفنان “اللاعب”

زياد سامي عيتاني

برع في فنون الرسم والنحت والطباعة، إضافة إلى تقنيات فن جداريات الفرِيسك والموزاييك والغرافيك. طوّع المعدن والخشب والجفصين، وأحيا تلك المواد وبث فيها الروح والحركة. إستطاع تكوين أثر جلي في عالم الجمال البصري، وصار له باعه المؤثر في الفن المعاصر، وفي تاريخ لبنان وحضارته الفنية. إنه الفنان العبقري المبدع حسين ماضي، الذي غادرنا بعد مسيرة زاخرة مفعمة بالفن التشكيلي بكل تقنياته وتجلياته.

شكلت الطبيعة أبرز أعماله، بحيث تميزت لوحاته برسم الإنسان والطير والشجر، بعدما اختزن في ذاكرته ومخيّلته الكثير من جمال طبيعة لبنان الخلابة، التي يعتبرها مخزناً من ذهب، من خلال تأثره بالطبيعة، إذ أكثر ما انطبع في نفس الصبي حسين ماضي هو تلك النزهات البرّية التي كان يقوم بها برفقة “معلمه” جده موسى ماضي (طبيب عربي) في منطقة شبعا المحاذية لجبل الشيخ، الرائعة بطرقها المتعرّجة وينابيع مياهها. له فلسفته ونظرته الخاصتان، ويقول في هذا الاطار: “جميع الناس يرون الطبيعة، ولكن كثيرون منهم لا يتقنون قراءتها ولا يتمكنون من الدخول إلى معاني أشيائها، لأن الله خلقها قبل الانسان. إنها مبدأ هندسي حسابي، وكل شيء في الكون مرسوم بالخطين، المستقيم والمنحني، ومبدأ التكوين، ثابت لا يتغير على مرّ الزمن”.

بذور موهبة الرسم لديه بدأت ملامحها تتّضح، قبل عمر السنتين ونصف السنة. كانت الألوان تدهشه. وفي إحدى المرات، التقط صورة لتفاحتين، فراح يتأملها بفرح، وكأنه التقط لعبة طالما حلم بها. حمل شغفه بالرسم والألوان إلى صفوف الدراسة، فما كان من أحد أساتذته في مدرسة المختارة (خليل سمعان) إلاّ أن نبّه والده قائلاً له: “إبنك ولد ذكي، ولكنّه يضيّع الوقت في رسم العصافير على هوامش دفاتره، ولا يعير أهمية لدروسه على الاطلاق”. بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية التي تلقّاها في عدة مدارس في لبنان (مدرسة المختارة الرسمية ومدرسة النبطية…) إنتسب إلى الأكاديمية اللبنانية للفنون (Alba) ونال منها شهادة الدراسات العليا في الرسم والنحت. في كانون الأول من العام 1963، نال منحة من وزارة الثقافة، وسافر إلى روما وانتسب إلى أكاديمية الفنون “Faculty of Arts” ودرس فيها أصول الرسم والنحت والموزاييك والفريسك. أقام في روما زهاء اثني عشر عاماً ثم عاد إلى لبنان، أنشأ محترفه الخاص ودرّس في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية.

ترأس جمعية الفنانين اللبنانيين منذ العام 1982 ولغاية 1992. تأثر بكبار الفنانين الأوروبيين المعاصرين مثل هنري ماتيس وبابلو بيكاسو، لكنه تأثر أيضاً بالتصاميم الفنية الاسلامية، إذ استقى عناصر فنه من فنون المشرق الأدنى والحضارات الفرعونية والبابلية والآشورية والفينيقية. وهذا المزيج منح أعماله الكثير من الغنى والتنوع.

سر حسين ماضي تلك البساطة التي تحمل الناظر إلى التأمل في أفكاره الظاهرة والمخفية. كما لجأ في أعماله إلى تبسيط الأشكال الهندسية والتشريحية. يرسم الأشكال الرائعة وينحتها، معتمداً عملية حسابية معينة، وهو بحق لاعب أشكال، بقدر ما هو صانع أشكال. أقام الفنان الراحل أكثر من ستين معرضاً فردياً، كما شارك في معارض دولية عدة، بالاضافة إلى البيناليات حول العالم. تصدرت أعماله الفنية عدداً من المجموعات الفنية العامة والخاصة حول العالم بما فيها المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، والمتحف البريطاني في لندن، ومتحف أينو الملكي في طوكيو، وبنك شيس منهاتن في نيويورك، ومجموعة ميشيل تابييه الفنية في باريس. إنه الفنان اللاعب، كما يرغب أن يسمّى، المتأثر بالمبدع الأعظم الله الخالق، العليم الخبير بكل شيء، والذي “كان علينا التعلّم منه عظمة الخلق كي تبقى الحياة مستمرة”. ويقول مع الشاعر غوفي: “أرى بيدي وألمس بعيني”.

شارك المقال