دوامة العنف تطال الأطفال شمالاً من جديد!

إسراء ديب
إسراء ديب

تتصدّر قضية تعنيف الأطفال واجهة النقاشات والاهتمام شمالاً من جديد، بعد وقوع جريمتين بحقّ طفلتين منذ أيّام بأسلوب مروّع، إحداها في القبة وأخرى في أبي سمراء، ما أثار الجدل الكبير ودفع بالمعنيين مباشرة إلى التحرّك (قضائياً، أمنياً وإدارياً) بغية متابعة الحادثتين اللتين وقعتا في يومٍ واحد ضمن مدينة طرابلس.

وفي التفاصيل، وصلت الطفلة السورية سيدرا عرموش ابنة العامين إلى مستشفى “الشفاء” في أبي سمراء جثة، وبعد الكشف عليها وطلب تصويرها في المستشفى وفق المعطيات، تبيّن للطبيب الشرعي وجود حروق ناتجة عن ضغط السجائر وإطفائها في أجزاء مختلفة من جسدها، مع ظهور كدمات واضحة وناتجة عن ضرب جسدها وعضّه.

الضحية التي كانت تسكن في الشلفة، أو ما يُعرف بمنطقة الشوك في أبي سمراء، كان قد أحضرها أبوها أحمد مع زوجته (لا والدتها) وهي جثة إلى طوارئ المستشفى، ما استدعى تدخل الطبيب الشرعي بعد تبيان الاعتداءات بوضوح، لتتدخل القوى الأمنية فيما بعد وتحقق مع ذويها، خصوصاً وأنّ المصادر تُؤكّد أنّ زوجة أبيها كانت تقوم بضربها بهذه الطريقة في ظلّ إقامة والدتها في سوريا. في وقتٍ يُشدّد مصدر أمني لـ “لبنان الكبير” على ضرورة عدم المسّ بالتحقيقات التي لا تزال قائمة في هذه القضية حتّى اللحظة، كي تأخذ الاجراءات القانونية والأمنية مجراها وحقها، “لأنّ المعنيين لن يتعاطفوا مع المجرمين أو المعتدين مهما حدث، بل يُتابعون تفاصيل هذه الاعتداءات لإصدار بيان يوضحها ويُحددّها أكثر عقب الانتهاء من التحقيق”.

مصدر من المستشفى يلفت إلى حال صدمة كبيرة تعرّض لها أطباء فيه نظراً الى تعاطفهم مع الطفلة التي وصلت إليهم بعد وفاتها، في وقتٍ يُرجّح البعض أنّ الأمور ستتضح أكثر ابتداءً من يوم الاثنين حول مجريات التحقيق ونتائجه.

أمّا الحادثة الثانية التي يتكتّم البعض عن تفاصيل ضحيتها، فوقعت في منطقة القبّة التي فوجئت بإدخال ابنة الثلاثة أعوام مريم زكريا عبّاس (من سكّان المنطقة) إلى طوارئ مستشفى طرابلس الحكومي لعلاجها من آثار الضرب الذي تعرّضت له والذي يُقال انّه من زوجة أبيها أيضاً، ولم يُعرف سبب الاعتداء أو ملابساته، خصوصاً في ظلّ وجود تكتم أمنيّ وقضائي حوله، منع بعض وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الاعلامية من متابعة هذه القضية، إلى حين انتهاء التحقيقات مع حثّ المعنيين على ضرورة منع بث صور الطفلة وأهلها “منعاً لانتهاك حرمتهم”.

مصدر طبّي في المستشفى تواصلنا معه، يُطمئن المتابعين الى أنّ الطفلة في حال صحية جيّدة وعلى ما يُرام، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “بعد وصولها إلى الطوارئ، جاءت الشرطة العسكرية وفتحت تحقيقاً في الموضوع، والطفلة بصحة جيّدة ولا يستدعي الأمر قلقاً أو تخوّفاً”.

في السياق، تحرّكت شرطة بلدية طرابلس بعد حادثتي التعنيف، وذلك بإعادة تعميم الخطّ الساخن الخاصّ بالعنف الأسريّ والتابع لقوى الأمن الداخلي وأرقام كلّ من منظمتي “أبعاد” و”كفى” للابلاغ عن أيّ شكوى مرتبطة بالعنف، الأمر الذي رآه البعض خطوة ضرورية في ظلّ تحدّث بعض الأهالي عن موجة مرعبة من الاعتداءات التي لا تقتصر على الجسدية منها فحسب، بل قد تتطوّر لتكون لفظية، نفسية، معنوية كما جنسية، إذْ لم ينس المتابعون قضية الطفلة لين طالب التي لا تزال تُراوح مكانها، وقضية الطفل العكاريّ ابن الـ 10 أعوام الذي تعرّض لمحاولة اغتصاب على مفرق برقايل خلال شهر تموز العام الفائت، إضافة إلى قيام بعض الأهالي برمي أطفالهم على الطرق، وقد حصل هذا النوع من الحوادث “اللاإنسانية” أكثر من ثلاث مرات عام 2023 من دون الكشف عن منفذيها أو كشفهم والتستّر عليهم لأسباب مختلفة قد يرتبط معظمها بقضايا “الشرف”.

وفي وقتٍ يرفض فيه بعض الطرابلسيين التعاطي مع المنظمات الحقوقية، خوفاً من “احتمالية تدميرها أسس الأسرة ومقوّماتها” وفق ما يُفيد البعض، يُشدّد هؤلاء على ضرورة التواصل مع دار الفتوى في طرابلس والشمال، التي كانت نشرت رقماً للعموم وفق ما يُؤكّد أحد المتابعين، “وهو خاصّ بالاستشارات الأسرية دون غيرها، بحيث تُجيب عن الاستشارة المرسلة عبر خدمة الواتس أب نخبة من المتخصصين؛ لتكون مشوراتهم توجيهاً يحفظ للأسرة كيانها بكلّ أبعادها التربوية والأخلاقية، التي هي صمام أمانها”، وذلك ضمن عمل “لجنة رعاية الأسرة” التي شُكّلت بتوجيهات من مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام.

إلى ذلك، مصدر من المنظمات الحقوقية المعنية يُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّه لا يُمكن الكشف عن سرّية القضيتين بصورة مباشرة، “لكن عملية التقويم بهدف حماية الأطفال كانت قد بدأت للحدّ من الاعتداءات التي تطالهم في الفترة الأخيرة”.

شارك المقال