مربو المواشي في عيترون عالقون بين ناري الحرب وكلفة نقلها

فاطمة البسام

من أنواع التجارة التي نشطت في جنوب لبنان بعد التحرير أي في الـ 2000، تجارة المواشي التي كانت تدر أرباحاً جيدة، قبل أن تنتكس القطاعات كافة وتعلن استسلامها أمام الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالبلد قبل سنوات.

بقي بعض المهن صامداً ويكابر قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على مضض، خصوصاً بعد إندلاع الحرب في الجنوب، التي انعكست سلباً على عدة قطاعات أهمها الاقتصادية، كالقطاع الزراعي والحيواني، وتحديداً تربية المواشي من ماعز وأبقار.

تعد عيترون الحدودية، كبرى بلدات منطقة بنت جبيل، ويلامس عدد أبنائها العشرين ألفاً، وهي واحدة من أكبر البلدات اللبنانيّة والأولى على مستوى الجنوب، في تربية الأبقار والمواشي، التي تضاعفت بصورة كبيرة، بعد تحرير الجنوب، لتكون عنواناً زراعياً آخر، إلى جانب شتلة التبغ، التي تتربّع عيترون في صدارتها، زراعة وإنتاجاً في لبنان عموماً.

مع الأيّام الأولى لبدء الأعمال الحربيّة والعسكريّة، على جانبي الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة، سارع العدد الأكبر من مربّي الأبقار، إلى ترحيل أبقاره من مزارعه المنتشرة في أرجاء البلدة، وغالبيّتها على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلّة، نحو أقرب البلدات البعيدة عن الاعتداءات الاسرائيليّة في مناطق بنت جبيل والنبطيّة وصولاً إلى كامد اللوز في البقاع الغربيّ، فدفع بدلات نقل باهظة، لتأمين إخراج هذه الأبقار من البلدة، بعدما أصيب العديد منها جراء القصف الاسرائيلي.

وبحسب مربي المواشي محجوب قاسم، الذي يمتلك مزرعة أبقار في بلدته عيترون قريبة من الحدود الفلسطينية المحتلة، استقرت قذيفة في بداية الاشتباكات، على مقربة من المزرعة، وأدت إلى نفوق ثلاثة من بقراته، فأضطر لنقلها إلى وسط البلدة بعيداً عن المرعى، لكن “الجو أكثر أماناً”.

ويشير قاسم لموقع “لبنان الكبير”، الى أنه لم يتهجر من قريته، فهو يحرس رزقه، ويعتني بماشيته، فالأبقار بحاجة إلى أعلاف، خصوصاً أن العشب لا يزال صغيراً، ويهتم بصحتها في حال مرضت، لأن الطبيب البيطري لا يأتي إلى عيترون بسبب الحرب، وهذه مشكلة كبيرة، فالمواشي عندما تنقل من منطقة إلى أخرى تمرض.

أمّا بالنسبة إلى اللبن والحليب، فلا سوق من أجل تصريفه، وفي السابق كان قاسم يبيع منتجاته في دكاكين الضيعة أو معامل الألبان والأجبان في عيترون مثل معمل “الجرة”، ومعمل البلدية، أما اليوم فيوزع قسماً ويرمي القسم الآخر.

وبالنسبة الى تجار المواشي يعلّق قاسم بالقول: “عم يسرقوهن سرقة”، نسبة إلى الأسعار التي يعرضونها على أصحاب المزارع لشراء أبقارهم وأغنامهم، فيتراوح سعر البقرة كحد أقصى ألف دولار بينما سعرها الحقيقي لا يقل عن 2500 دولار، ولأن المربي عالق بين نارين، نار الحرب ونار كلفة نقل الماشية التي لا تقل عن 600 دولار للنقلة الواحدة، يرضخ للأمر الواقع لأنه “مش عارف وين يروح فيها”.

ولم تشارك وزارة الزراعة في عمليّة تسجيل الخسائر خلال أيام الهدنة التي استمرّت نحو أسبوع، لعدم وجود فرق كافية لديها، فتولّت البلديات بالتعاون مع مؤسّسات “جهاد البناء” التابعة لـ”حزب الله”، ومن ثمّ مجلس الجنوب، تسجيل الخسائر إبّان الهدنة وبعدها، لتكوين ملف شامل حول الخسائر.

وعن التعويضات على الأضرار التي طالتها الحرب، يوضح قاسم أن “جهاد البناء” تواصلت معه قبل أيام من أجل التعويض عليه، خصوصاً وأنه وثّق الاصابات التي تعرضت لها أبقاره.

ويؤكّد عضو المجلس البلديّ في عيترون هشام خريزات، أنّ “أبناء عيترون يملكون نسبة كبيرة من المواشي، لا سيّما الأبقار، وهناك حوالي 40 مزرعة في البلدة، 15 منها عبارة عن مزارع كبيرة. وتشكّل هذه الثروة الحيوانيّة مورداً اقتصاديّاً مهمّاً لعشرات العائلات من البلدة، ودورة حياتيّة كبيرة، إلى جانب زراعة التبغ والبقوليات والقمح”.

ويشير الى أن “العدد تدنى وتراجع حاليّاً بسبب العدوان الاسرائيلي المستمرّ، وخصوصاً بعدما عمد عدد لا بأس به من المربّين، إلى بيع أبقاره ومواشيه، ولم يبقَ في البلدة سوى بعض المزارعين، ممّن يملكون أعداداً قليلة من الأبقار، في حين أنّ الغالبيّة نزحت إلى خارج المنطقة، وبعضها باع هناك أبقاره”.

ويوضح خريزات أنّ “معمل البلدية أقفل أبوابه وأوقف نشاطه بسبب الأوضاع الامنيّة ومغادرة مربّي الأبقار البلدة، والذين كانوا يؤمّنون الحليب للمعمل، وكذلك فعل أصحاب معمل الجرّة الخاص بأحد أبناء البلدة”، لافتاً الى أن “معمل البلدية كان يأخذ يومياً حوالي 3 أو 4 أطنان من حليب المزارع”.

شارك المقال