“غضب الطبيعة” يُخيف أهالي عكار والتعدّيات تُقلقهم!

إسراء ديب
إسراء ديب

تُثبت المنخفضات الجوية حجم “الغفلة” التي يعيشها المواطن محلّياً، لا سيما في عكّار التي عانت الأمرّين منذ أسابيع مع اشتداد العواصف التي لا يقتصر تأثيرها على ارتفاع منسوب مياه النهر الكبير الجنوبي وفيضانه على المنازل والمزروعات في عددٍ من المناطق والقرى الحدودية فحسب، بل بيّنت أيضاً أنّ القضاء الشماليّ يُواجه تعدّيات بشرية طفت على السطح بوضوح بعد حلول عاصفة مخيفة كشفت هذه التجاوزات المباشرة وغير المباشرة.

التسرب النفطيّ

وفي التفاصيل، صُدم العكاريون منذ أيّام بتسرّب نفطيّ أغضب مزارعي بلدة المسعودية عند سهل عكار، وبعد رصدهم هذه المواد التي أكّدوا أنّها “زيتية” في ظاهرها، قلقوا من انعكاساتها على المزروعات التي ضُربت بفعل السيول من جهة، والتسرّب الخطير الذي يصطدم بمشكلة إضافية مرتبطة بتراكم النفايات في البلدة من جهة ثانية.

وليست المرّة الأولى التي يحدث فيها هذا النوع من التسرّب شمالاً، وعلى الرّغم من مناشدات المواطنين للتخلّص من هذه الظاهرة المستمرّة والمؤذية لا سيما للقاطنين بالقرب من شبكة الخطوط النفطية والغاز، إلا أنّ القوى الرسمية لم تتحرّك فعلياً في وقتٍ سابق للحدّ من الآفة الناتجة عن سرقة المواد النفطية الموجودة ضمن الأنابيب الآتية من العراق وتمرّ بالعبودية (خلف مركز الأمن العام السابق) عبر ثقبها، لتقتصر تصليحاتها السابقة على “ترقيعات” طفيفة يليها ضغط جديد للمواد النفطية كيّ لا يتعرّض الأنبوب للجفاف، ما يدفع بعض “المافيات” إلى سرقتها من جديد ووضعها ضمن صهاريج لبيعها للأفران والمحال وغيرها.

وفق المعطيات، فإنّ وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين يُبدي اهتماماً شديداً بموضوع فيضان النهر الكبير، لذلك يُؤكّد رئيس بلدية المسعودية علي العلي أنّ الوزارة كانت قد تواصلت مع البلدية وأجريت دراسة تلفت إلى ما حدث، “الا أننا ننتظر انخفاض منسوب المياه للمباشرة بإصلاح ما أفسدته العاصفة أو الطوفان الذي يتكرّر مرتيْن سنوياً، لكنّ الفرق أنّ المياه سابقاً كانت نظيفة”.

المسْعودية التي تقع بمحاذاة النهر الكبير ويحدّها أيضاً نهر الأسطوان، “عانت من تسرّب نفطي واضح وطوفان ينتج عن التقاء النهرين عند كلّ طوفة، لذلك من الصعب تعويض آثار العاصفة والتعدّيات على المزارعين، خصوصاً لأولئك الذين يملكون بيوتاً بلاستيكية قد تحتاج إلى 10 آلاف دولار لإعادتها مع مزروعاتها من جديد”.

ويُشدّد العلي لـ “لبنان الكبير” على أهمّية إيجاد حلّ للتسرّب المتكرّر من جهة، ومن فيضان النهر من جهة ثانية، وذلك عبر وضع ساتر ترابي يُشبه ما وضعته سوريا على النهر، أو وضع جدار يُشبه ما نفذ لنهر أبو علي في طرابلس على الرّغم من التكلفة المرتفعة لذلك، “لكن لا تنفع الإبر المخدّرة التي لا تعوّض شيئاً على المزارعين، في وقتٍ يتجاوز عدد البيوت النايلون التي خُسرت خلال العاصفة الـ 60، كما ضُرب 70 بالمئة من السهل الذي يبقى الأكثر تضرّراً نظراً الى انفلاشه خلافاً للمرتفعات، فهذا النهر الذي يمرّ عبر العبودية، شيخ العياش، تل الحميرا، المسعودية، حكر الضاهري، السماقية، العريضة والبحر، ينعكس بصورة خاصّة على المسعودية، حكر الضاهري، السماقية والعريضة…”.

إلى ذلك، أكدت وزارة الطاقة والمياه في بيان إعطاء الوزير وليد فياض التوجيهات اللّازمة إلى فرق الصيانة، التقنية والفنية في منشآت النفط في طرابلس للقيام بكلّ ما يلزم لرفع الضرر بأسرع ما يُمكن وإجراء كلّ ما يلزم. كما تواصل فياض مع وزير البيئة بغية التنسيق للحدّ من الضرر قدر المستطاع إلى حين تمكّن الفرق الفنية من إزالته كلّياً بعد انخفاض منسوب المياه في النهر، في وقتٍ كانت توجهت الفرق الفنية والتقنية في المنشآت إلى المكان ومعاينته، وعملت على رش المواد الكيمائية الخاصّة بتفتيت المواد النفطية في المياه للحدّ من التلوّث.

انهيار صخري

وتسّببت غزارة الأمطار في عكار، في انهيار جرف صخريّ ضخم يصل وزن الصخور فيه الى عشرات الأطنان التي كان يُمكنها إحداث كارثة حقيقية، وذلك في محلّة شير الأحمر في خراج بلدة القمامين في وادي جهنّم الفاصل بين محافظة عكار وقضاء المنية – الضنّية، الأمر الذي أثار ذعر القاطنين الذين يُطالبون بتعويض مناسب لخساراتهم المادّية التي مسحت بعض الأراضي الزراعية، خصوصاً بعد سقوط صخور من ارتفاع يصل إلى 450 متراً تقريباً، وذلك وفق بيان جمعية “درب عكار” التي كشفت عن هذه المنطقة التي تُعد نائية فلا يصلها إرسال أو تغطية مناسبة، ما صعّب موضوع الكشف عن هذه الحادثة التي لم يُحدثها غضب الطبيعة فحسب، بل لعبت عوامل عدّة دوراً رئيساً في تحقيقها.

خالد طالب، عضو الجمعية، يتحدّث عن “أضخم الانهيارات الصخرية” التي حدثت ضمن المنطقة، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ الانهيار أمر طبيعي، لكن هناك عوامل تُسرّع حدوثه منها عوامل التعرية كالرطوبة والمياه مثلاً، فجبل بهذه الضخامة لن يكون إنزال الصخور منه سهلاً”.

وعن العوامل، يوضح أن “الارتجاجات الناتجة عن المقالع والكسارات ومعدّات حفرها وغيرها من العوامل، قد تكون مؤثرة ولو بصورة بطيئة، وهي ليست بعيدة بل قريبة بمسافة تبدأ من كيلومتر إلى 5 كيلومترات، إضافة إلى تأثير العواصف على الصخور الكلسية التي تتأثر بظروف الزمن، فهي تُكون مادّة موجودة خلف هذه الصخور أو الصلصالية منها، وحين تتعرّض لعوامل التعرية تتفتت نتيجة المياه التي تفرّغ التراب ما وراء الصخور فتهبط، كما أنّ الجليد يُؤدّي إلى تكسير الصخور عقب امتلائها بطبقات من المياه التي تتجلّد فتكسر الصخور، كما هناك عامل آخر يكمن في نوع تربتنا الصلصالية، وحين تتشبّع بالمياه تنهار فلا تثبّت الصخور عليها”.

ويُشير إلى أنّ “العامليْن الطبيعي والبشري ينعكسان على الجبال، منها الحرائق التي تُعرّض الصخور للحرارة، مع تعمّد تغييب الغطاء النباتي الذي يُغيّب بدوره تثبيت الصخور على أرض غير ثابتة، فضلاً عن عملية قطع الأشجار التي قد تحمي الناس من الصخور المنهارة، فتتحمّل وتُخفّف من الأضرار، لكن عند قطعها نكون قطعنا خطّ الدّفاع الأساسي عن الغابات”.

وإذْ يلفت طالب إلى أنّ وادي جهنم نجا بأعجوبة من صخور بحجم “الكميون”، خصوصاً وأنّ آخر صخرة منهارة كانت بعيدة بمسافة 100 متر عن أحد المنازل، يُشدّد على صعوبة الوصول والتواصل مع المنطقة، “فشاهد عيان وصاحب أرض كان مرتعباً حين اعتقد وأهله أنّه صوت انفجار أو زلزال، وقلقوا من طمر الضيعة أو ردمها دون أن يشعر بها أحد مع غياب الانترنت عنها، ما دفعه للوصول إلى مكان فيه إرسال وانترنت للتحدّث مع الجمعية التي نشرت هذا الحادث، ويطلب منّا وزير البيئة بعدها إعداد تقرير موثق عنه للتحرّك رسمياً على صعيد الهيئة العليا للاغاثة أو وزارة الداخلية، خصوصاً وأنّ هذه الحادثة تحتاج إلى فرق مدرّبة، مموّلة، وتقنع الناس بالإخلاء عند اللزوم وهذا صعب للغاية حالياً”.

شارك المقال