لما كان البيروتيون يتغلبون على برد الشتاء بأكلات العدس

زياد سامي عيتاني

“يللي بيعرف، بيعرف.. ويللي ما بيعرف، بيقول كف عدس”. ما أن يحل فصل الشتاء، مصحوباً بالبرد القارس والهواء “الزنطاري” والأمطار الغزيرة والعواصف الشديدة حتى تحضر بقوة الأطعمة والحلوى الشتوية في السهرات البيروتية التي تكون مصدراً للدفء والحرارة والطاقة في آن، فضلاً عن مذاقها الطيب والشهي، والتي بالتأكيد تكون من النوع الساخن لمقاومة البرد والتغلب عليه، وتقوية مناعة الجسم من الأمراض الشتوية ونزلات البرد.

كما لفصل الشتاء ملابسه الخاصة، فإن له أيضاً أطعمته التي تزود الأجسام بالطاقة اللازمة وتساهم في تخزين الحرارة التي يزداد طلب الجسم لها في هذا الفصل من العام. فالشتاء حالة رومانسية ممزوجة بالشوق والرائحة والصور، وعائلة كبيرة تجتمع حول المائدة، قرب منقل الفحم أو المدفأة، فتعم البهجة التي تجمع العائلة بأحاديث وروائح مختلفة، توقظ الشغف قبل الشهية، فتصحو تلك الأطباق الشتوية لتعلن عودة الشتاء، وترحب بالمطر الأول، الذي ارتبط في وجدان الناس بالخير والفرح والنقاء، بحيث تبدع كل سيدة بيروتية في إعداد الطبق الشتوي الذي تقدمه لأسرتها.

والمأكولات الشعبية في اللغة: هي كُلّ ما يؤكل أو يُعَدُّ من أنواع الطعام وصنوفه، وكلمة مأكولات مأخوذة من الأكل؛ وهو كلّ ما يُمضغ ويُبلع ويُسدّ به الرمق ويُسكت به الجوع والنهم. والمَأْكَل: مَا يُؤْكَل، وأكْلُ الطعام: مضغه وبلعه. والطَّعامُ؛ إسمٌ جامعٌ لكل ما يُؤكَلُ وبه قوامٌ للبدن. وأبرز ما اشتهرت به المأكولات الشتوية في السهرات البيروتية أيام الخير تلك التي تعد من العدس كمادة أساسية، ومنها: “رشتة العدس”، “حراق أصبعو”، “عدس بحامض”، شوربة العدس، المجدرة، إلخ… إذ ان العدس من أكثر الأطعمة التي كانت تحضر على موائد البيروتيين دائماً، وكان القاسم المشترك بين المأكولات الشتوية في التراث البيروتي، فهو “لحم الفقراء”، كما يرد في الأقوال الشعبية، وكان حاضراً أيضاً في خزين مُونتهم. وربما مرد ذلك متوارث من أيام الشح والمجاعة التي عانت منها بيروت إبان الحرب العالمية، مقرونة بندرة كل أصناف الطعام إلا النذر اليسير من الحنطة والبقوليات التي تستخدم كما يقولون “بالقطارة”. وهذا ما دفع أبناء ذلك الجيل إلى توصيف العدس بأنه “مسامير الركب”.

يتبع: شوربة العدس

شارك المقال