“انشقّ البحر” وبلع قارب الهجرة بين لبنان وقبرص… سيناريو الموت أمر واقع؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُكشف مصير المركب “المجهول” الذي حمل على متنه 85 مهاجراً (بينهم 35 طفلاً) انطلقوا من شواطئ الشمال إلى قبرص. فبعد مرور أكثر من 50 يوماً على هذه الرحلة الغامضة التي لم يُسجّلوا فيها لحظة وصولهم من عدمها، يأمل أهالي الركّاب وأقاربهم هذه المرّة في الوصول إلى خبر واحد عنهم حتّى ولو كان مفجعاً، وهو ما يلفت إليه الكثير من الحقوقيين الذين باتوا في حال خجل يتردّدون بسببها عن الردّ على تساؤلات الأهالي وشكوكهم التي تتضاعف يوماً بعد يوم، في وقتٍ لا يُخفون فيه لـ “لبنان الكبير” أنّ “الأمل في وصولنا إليهم أحياء بات شبه مستحيل للأسف بعد كلّ هذا الوقت العصيب، لذلك نخجل من التواصل مع العائلات التي تغلي حرفياً”.

القضية التي بدأت منذ 11 كانون الأوّل عام 2023، حملت الكثير من علامات الاستفهام التي ازدادت بصورة كبيرة بعد عثور السلطات التركية منذ أيّام على تسع جثث مجهولة الهوية بالقرب من أنطاليا، كانت وفق المعطيات متضرّرة بصورة واضحة، فيما تمّ التعرّف على جثة إحداها، وتعود للطالبة الجامعية التركية ابنة الـ 18 عاماً ميرفي شيفال إلماس (السنة الأولى الجامعية، بقسم الطهي في جامعة البحر المتوسط)، والتي فقدت قبل فترة وجيزة في أنطاليا.

وحسب مصادر تركية، تمّ العثور عليها ضمن الجثث الأخرى التي وجدت على شواطئ المدينة، وتمكّنت كاميرات المراقبة من رصدها للمرّة الأخيرة في حديقة دودين بمقاطعة مراد باشا، وبعد انتقال والدها من إسطنبول إلى أنطاليا للبحث عن ابنته وإجراء فحوص الحمض النووي أثبتت النتائج أنّها تعود الى ابنته، فيما لا تزال هويات الثمانية الآخرين مجهولة حتّى اللحظة، في ظلّ “ترجيح” بعض المصادر أنّ الجثث المتبقية قد تعود الى راكبي القارب المفقود.

يُمكن التأكيد أنّ مسألة البحث عن الجثث والتأكّد منها لا تُعدّ أمراً سهلاً في تركيا، لا سيما بالنسبة الى القاطنين خارجها، وما يزيد الطين بلّة عدم وجود مركز للصليب الأحمر الدّولي فيها ما يُصعّب المهمّة، في وقتٍ كان يُحاول فيه أهالي المفقودين إرسال عيّنات من الحمض النووي لمطابقتها مع الجثث للحصول على تقارير طبّية تُفيد بالنتائج بغية الاطمئنان، وهذا ما يُؤكّده مدير “مركز سيدار اللبناني” للدّراسات القانونية المحامي محمّد صبلوح في حديثٍ لـ”لبنان الكبير”، مشدّداً على أهمّية إثارة هذه القضية باستمرار، وهذه المرّة عبر القضاء اللبناني من خلال محاولة التواصل معه من جديد لإجراء فحوص للأهالي من جهة، والتواصل مع السلطات التركية من جهة ثانية.

أمّا المعطيات التي تزيد من حدّة القلق في هذه القضية، فمرتبطة بعثور أهالي منطقة الحميدية جنوبي مدينة طرطوس السورية على جثتين (في الثلاثينات حسب الفحوص) في 26 كانون الأوّل الماضي، وكان من المتوقّع أن تعودا الى الركاب الذين انقطعت أخبارهم عن لبنان وفق مصادر سوريّة، خصوصاً وأنّ مواصفات الشابين كانت عمّمت حينها، لكن لم يأتِ أحد للتعرّف عليهما من سوريا، بل وردت اتصالات من لبنان لتسأل عنهما وتبّين أنّ سبب وفاتهما الغرق منذ أكثر من أسبوع (حسب موعد إصدار التقرير) مع وجود تشوّهات في وجهيهما نتيجة “الأذية من الحيوانات البحرية”، وهذا ما ذكره مدير “مشفى الباسل” في طرطوس إسكندر عمار ومدير فرع الطبابة الشرعية علي بلال.

وبعد تأكيد الأطباء دفنهما في مدفن خاص، يُشير صبلوح الى أنّ هذه القضية تقوم على تحريك المبادرات الفردية فقط، إذْ قدّم الأهالي عيّنات من الحمض النووي منذ أكثر من أسبوعين لمطابقتها مع الجثتين، وكان من المفترض أن تظهر النتيجة منذ ساعات، “لكن حتّى اللحظة لم نصل إلى معلومات عنها ولا عن مصير القارب، بحيث قمنا كوفد من مركز سيدار بزيارة السفارة القبرصية في لبنان، واجتمعنا بالسفيرة التي نفت أن يكون أيّ راكب منهم موجوداً في قبرص، أيّ أنّهم لا يعرفون أيّ معلومات عن وصول المركب إلى أراضيهم أو عن اعتقالهم من خفر السواحل مثلاً، لذلك ننتظر نتائج الفحوص أولاً، واجتماع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع اللجنة الدّولية للصليب الأحمر بغية إيجاد آلية معيّنة للبحث ثانياً، والتواصل مع المنظمات الحقوقية التركية للتنسيق والتعاون بهدف التوّصل إلى نتيجة أقلّه الحصول على تقارير طبّية ثالثاً”.

من هنا، يستبعد متابعون أحد السيناريوهات الذي يتحدّث عن “صمت قبرصيّ” حول أخبار المركب، مؤكّدين أنّ السلطات في قبرص عثرت منذ أيّام على طفلة كانت فقدت الوعي على متن قارب صيد مكتظ يجمع 60 سورياً تقريباً، عثر عليهم فريق بحث وإنقاذ على بعد 30 ميلاً قبالة قبرص بحرياً، وذلك بعد تحديد مكانه والتقاط ااإشارة التي غابت عن القارب الأوّل، “إذْ بقي هذا المركب لأيّام بعد انطلاقه من لبنان في البحر، ولم تُخفهم السلطات بل أنقذتهم كما أنقذت طفلين عُثر عليهما غائبَين عن الوعي ونقلتهما إلى المستشفى”.

وفي وقتٍ يخشى البعض من سيناريو “الاتجار بالأعضاء”، لا يغفل المتابعون عن الخطورة التي تحملها الهجرة غير الشرعية خصوصاً مع فقدان الغرقى أطرافهم أو أعضاءهم، “لكن قد يُفهم هذا الأمر بصورة خاطئة لا سيما في هذه الحادثة التي ينتظر فيها الأهالي خبراً عن أبنائهم”.

محلّياً، لم تتواصل الحكومة اللبنانية بمعنييها مع الادارات المختصة ولم تسأل عن هذه القضية بجدّية، فمن المعروف أنّ هذا المركب الذي يحمل سوريين (الغالبية) وبعض الفلسطينيين خرجوا من الشواطئ الطرابلسية، يحمل أيضاً لبنانيين على متنه وعلى رأسهم “الكاتبن”، وعلى الرّغم من إحالة مدّعي عام التمييز هذه القضية إلى شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الدّاخلي وفق صبلوح الذي يُثير هذه الحادثة قضائياً، إلا أنّ هذه التفاصيل التي عليها أنْ تُستكمل، لم تتمّ إثارتها بالصورة المطلوبة، بل تمرّ هذه الأحداث وكأنّها “شيء لم يكن”.

شارك المقال