خلاف ثلاثي ولعب “تحت الطاولة”… يُقفلان مشروع “منجرة” في طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

فوجئ 20 عاملاً طرابلسياً بإقفال مشروع “منجرة” المخصّص لتعليم أهالي الشمال كيفية إتقان الصناعات الخشبية والحرفية بامتياز، وصدم العمّال من هذا القرار ومن الحديد المصفّح الذي وضع على الأبواب مانعاً إيّاهم من الدخول إلى المبنى، الأمر الذي زاد من حدّة غضبهم خوفاً على خسارة المشروع الذي يتحدّث البعض عن إعلان نقله من المدينة (التي أسّس هذا المشروع لأجلها، كونها عاصمة لصناعة المفروشات المحلّية) إلى منطقة أخرى، وتُرجّح المصادر أنّها منطقة بشمزّين ضمن قضاء الكورة، ما يزيد من حجم السخط والتساؤلات التي لا يعرف أحد من العاملين أجوبتها الصائبة حتّى اللحظة.

وفي التفاصيل، أقفل المشروع الذي اتخذ من أحد المباني التابعة لمعرض رشيد كرامي الدّولي مركزاً له، ما دفع العمّال إلى تنفيذ وقفة احتجاجية أمام المبنى، ليُؤكّدوا أمام الرأيّ العام أنّ هذه الخطوة ومهما كانت أسبابها ودوافعها، ستُؤدّي حتماً إلى رمي العمّال في الشارع، كما اتهم بعضهم “مؤسسة رينيه معوّض” وإدارة المعرض بـ “السكوت” عن هذه القرارات التي تضرّ عشرات العائلات التي تأقلمت وعملت في هذا المكان، وتُؤذي ما يُقارب الـ 300 ألف نسمة يعتاشون من هذا القطاع الحيوي الذي يُسجّل تراجعاً مستمراً مع تفاقم الأزمات، كما تحدّث البعض الآخر منهم عن “مؤامرة” حيكت لهم ضيّعت أهداف المشروع الذي خصّص لطرابلس منذ أعوام، لذلك “لا بدّ من فتح تحقيق صارم لمعرفة كيفية صرف الأموال التي خصّصت له، وهي 15 مليون دولار مع المزيد من المبالغ التي صرفت ولم تُستثمر لبقاء المشروع على أرض المدينة”، وفق ما يقول متظاهرون مع رئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في الشمال النقيب شادي السيّد الذي شارك في الوقفة بعد لجوء العاملين إليه.

تفاصيل الاشكالية

يدعم المدير العام للمعرض أنطوان أبو رضا، مطالب العمّال، لكنّه يوضح في حديثٍ لـ “لبنان الكبير” أنّ إدارة المعرض أقفلت المبنى لانتهاء العقد مع الشركة التي تُدير المشروع، لافتاً إلى أنّ الادارة لم تكن السبب في إقفال المشروع المخصّص لدعم أهالي الشمال وتأمين فرص عمل أو تدريب لهم.

وفي التفاصيل، يقول: “بيننا وبين الشركة الفرنسية التي تُدير المشروع وهي اكسسبيرتيز فرانس المموّلة من الدّول الأوروبية، عقداً لمدّة ستة أعوام، وضمن العقد قدّمنا هذا الموقع مجاناً بمقابل ليرة لبنانية سنوياً فقط، ليقوموا بهذا المشروع الذي شعرنا أنّه يصبّ في مصلحة المدينة، وحينها أدخلت آليات ومعدّات جديدة مستوردة من أوروبا ليكون المشروع كمدرسة تُخرّج العمّال للافادة من خبراتهم، وكان من المفترض أنْ تُجرى حفلات لتخرّج التلاميذ أو المتدرّبين مرّة كلّ عدّة شهر عقب انتهاء الدّورة، لكن هذا ما لم يحدث أساساً، فبحدود السنة، خرج منها 30 متدرّباً فقط، لكنّ العقد كان قائماً واستمرّ إلى حين إجراء الشركة الفرنسية مع جمعية الصناعيين اتفاقاً لتتسلم الجمعية هذا المشروع عقب مرور 3 أعوام على عمل الفرنسية، وبعد انقضاء هذه المهملة ورغبة الشركة الفرنسية في تسليم عملها، اعتبرت الجمعية عدم وجود مصلحة لها في هذا المشروع حينها، لذلك أرسلت الشركة كتاباً الينا لتُخبرنا أنّ جمعية الصناعيين لا ترغب بالمشروع، وأنّها ستُكمل عملها لـ 3 سنوات إضافية أيّ لستة أعوام كنّا قدمنا فيها تسهيلات لإنجاح المشروع”.

“في 31/12/2023، انتهى العقد كلّياً، وكان المفترض إرسال الشركة الفرنسية كتاباً إلينا قبل شهر من انتهاء العقد لو كانت ترغب في التجديد أو التمديد، من هنا، بادرت إدارة المعرض الى إرسال أوّل كتاب لرصد الرؤية التي ترغب فيها الشركة، ولم تُجب على هذا الكتاب خصوصاً وأنّ المعرض لم يتواصل مع غيرها ولا علاقة له بشركة أو إدارة أخرى”، بحسب ما يُؤكّد أبو رضا الذي يروي ما حدث لـ “لبنان الكبير”: “عدت وأرسلت كتاباً ثانياً عن انتهاء المدّة، وأنّه لا بدّ من التواصل لتسليم الموقع وفق ما ورد في العقد الذي يُلزمها بتسليم الأمور الثابتة وتسلّم مثل الآلات والمفروشات… ولم نتلقّ رداً على الرّغم من تبلّغها، ثمّ عدت وأرسلت إنذاراً لأذكّرها بأنّ لديها 48 ساعة للاخلاء والتسليم، ولم نتسلم أيّ ردّ”.

ويُضيف أبو رضا: “وضعت مجلس الادارة في الأجواء، وصدر قرار يُؤكّد انتهاء العقد وطلب اتخاذ الاجراءات المناسبة لإنهاء هذا الأمر، وبالتالي هذا القرار حصل على موافقة بعدها من وزارة الاقتصاد الوصية على المعرض ووافقت على المحضر، وحين حصلت على قرار المجلس وموافقة الوزارة، لم أنفذ مباشرة، بل أرسلت كتاباً شرحت فيه القرار والموافقة إلى الشركة، وأعطيت مهلة 48 ساعة للإخلاء، ولم أتلقّ جواباً، أو أيّ اتصال أو حراك، لكنّ الواقع يُؤكّد أنّني أتحمّل مسؤولية قانونية وإدارية ألتزم بها، لأنّ المعرض يُعدّ ملكاً عاماً بالتأكيد، ولا بدّ من تطبيق القانون، لذلك استشرت المحامي وأعلمني أنّ القرار الاداري لا بدّ من تنفيذه، ليتمّ إقفال الموقع يوم الخميس أيّ بعد 72 ساعة، وبعد إرسالي أربعة إنذارات بلا ردّ”.

وفي ما يخصّ تسليم المعدّات بعد انقضاء المدّة، يُشير أبو رضا الى أن لا بدّ من الحصول على طلب تُقدّمه الشركة الفرنسية بنفسها، أو بقرار قضائي لأخذ المعدّات وبالتالي “سيكون العقد معي وسننفذ محضراً كيّ يأخذ كلّ ذي حقّ حقّه بالقانون ولنتجنّب المخالفات”.

وعن علاقة “مؤسسة رينيه معوّض” التي ذكرها المتظاهرون، يلفت أبو رضا إلى أنّ “الشركة الفرنسية وفي آخر سنة من عقدها، اتفقت مع مؤسسة معوّض على أن تُدير المشروع، فأرسلت لنا كتاباً يتحدّث عن إبرامها مناقصة رست على معوّض، فلم نعارض هذا الاجراء، مع تنويهنا بعدم الرغبة في إخراج العمل عن الاطار الذي أسس من أجله”.

أبعاد الاشكالية

لا يُخفي مصدر متابع لهذه القضية، أنّ المشكلة ترتبط بأهمّية دفع تعويضات في حال نقل المشروع إلى منطقة أخرى من جهة، ومعرفة أين وكيف صرفت الأموال التي خصّصت للمشروع من جهة ثانية، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “مشكلة العاملين اليوم ترتبط بالشركة التي شغّلتهم وعدم نقلهم إلى المكان الجديد، وقد تبيّن أنّ مؤسسة معوّض شغلت الناس مستفيدة من التجارة والاستثمار، لذلك كانت تُصدّر للخارج ما يعني أنّ الغاية من المشروع قد حرّفت، إذْ استهدف المشروع تعليم الطرابلسيين على الحرفة لتستمر فقط لا تحويله إلى مشروع تجاريّ”.

أمّا عن التمويل، “فكان يتمّ بواسطة الداعمين والشركة الفرنسية وكان مخصّصاً لدعم النّاس عبر معدّات ما زالت في المبنى، ومن تحدّث عن 15 مليون دولار من العمّال، غفل عن أنّ التمويل في البداية كان أكبر بكثير، وكان بلغ 800 ألف يورو تقريباً للمفروشات والترميم الذي استفاد منه المعرض ضمن نطاق التحسين الذي لا يدعمه أحد”، مشدّداً على وجود خلافٍ كبير على المعدّات بين مؤسسة معوّض، جمعية الصناعيين والشركة الفرنسية، أيّ “خلاف ثلاثي يُجبر البعض منهم على التحدّث قائلاً: يا ليتنا سحبنا المعدات”، واصفًا ما يحدث بأنّه “لعب تحت الطاولة” بسبب بعض المنظمات الدّولية التي لا ترعاها الدّولة، في ظلّ اعتماد السلطات المحلّية على مبدأ “الشحاذة” فقط، وهذا ما رُصد ضمن مشروع توصف إدارته بـ “الفاشلة”، وفق ما يقول المتابع.

شارك المقال