“نكبة” وادي خالد المائية… خسائر بالملايين والمواطن مشرّد!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا ينقم مواطن على دولته، بقدر ما ينقم ابن منطقة وادي خالد على المؤسسات الرسمية والأمنية التي لا تُسجّل تدخّلات ملحوظة ومطلوبة في هذه البقعة الجغرافية “المنسيّة” التي لطالما ناشدت المعنيين أهمّية بسط نفوذهم ضمن هذه المنطقة الحدودية التي شهدت منذ ساعات، كارثة ضخمة بعد “اقتحام” السيول للمنازل والمحال بطريقة مفاجئة وغزيرة دفعت الكثير من الأهالي إلى الخروج من منازلهم للبحث عن منطقة مرتفعة وآمنة تقيهم خطر الغرق أو الاصابة بجروح.

الكارثة الطبيعية التي أصابت وادي خالد وغيرها من المناطق والبلديات، لم تكن الأولى من نوعها هذا العام، فقد عاشت عكّار لحظات عصيبة رافقت فصل الشتاء ومنخفضاته الجويّة العنيفة، خصوصاً بعد طوفان النهر الكبير الجنوبي الذي أحدث أضراراً في الممتلكات والأراضي الزراعية منذ أيّام، لكنّ السيول التي تشّكلت هذه المرّة، كانت بفعل الأمطار الغزيرة لا بسبب طوفان النهر، وجاءت من الجبل واقتحمت هذه الأراضي وحاصرت الأهالي وأغرقت المنازل، المحال، والمزروعات التي غمرتها المياه “الموحلة”، الأمر الذي أحدث حال رعب وهلع لدى الأهالي الذين قلقوا على ذويهم وعلى ممتلكاتهم التي دُمّرت وهم يُدركون جيّداً أن لا إمكان محتمل لتعويضهم عنها. لذلك يُجمع عدد من الناجين في حديثٍ لـ “لبنان الكبير” على “شكرهم وحمدهم الله على حدوث هذه الأزمة قرابة الساعة السادسة مساءً أيّ قبيل خلودهم إلى النوم، ليشعروا بصوت المياه ودخولها إلى منازلهم وإلى خيم النازحين، ليُنقذوا أرواحهم قبل وقوع كارثة أكبر”.

يُمكن التأكيد، أنّ المناطق الشمالية لا تتمتّع بجهوزية واستعدادات كافية لمواجهة هذا النوع من المخاطر، وذلك بغياب الفرق المتخصّصة بالانقاذ، ما دفع بعض الجمعيات المعنّية خصوصاً على المستوى الطبّي أو الانقاذي من عكار، طرابلس والقلمون، إلى التدخل سريعاً إضافة إلى تدخل الجيش اللبناني، الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني في عملية الانقاذ والحماية.

مصدرٌ من وادي خالد يُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ المياه كانت تجري بغزارة لتتجّه إلى البلديات التي لم تُحاول القوى الرسمية تجهيز بنيتها حتى تكون قابلة لاستقبال كمّيات هائلة من الأمطار، “ففي هذه الطرق، جسور لا تكفي حتّى نصف برميل من المياه من دون مبالغة، وبالتالي فإنّ هذه السيول أزالت الزفت أو الأسفلت ومحت معها الطرق والمنازل التي غرقت، وكلّ ما خسره المواطن يحتاج إلى موازنة جديدة لتعبيد الطرق بعدما حوّلتها المياه إلى حفر تصل إلى متر تحت الأرض، كما إلى توزيع تعويضات على المواطنين الذين هرعوا إلى الطبقات العليا إنْ أمكن أو خرجوا من منازلهم بعد غرقها بما تحتويه، الى بيوت أقاربهم ومعارفهم، ومن المؤسف فعلياً أن يعود صاحب المنزل إلى بيته من جديد ولا يجد ملعقة فيه، وهذا يعني أنّ الكارثة شرّدت المواطنين من بيوتهم التي يعجزون عن العودة إليها حالياً”.

ويعتبر المصدر أنّ “من الصعب أيضاً على منطقة وادي خالد، أنْ يغرق فيها مخفر الدّرك القريب من الجبل بالمياه وأن تغرق سيارة الدرك في الوحل، وذلك لأنّهم كانوا يصمتون على تعدّيات لا تُعدّ ولا تُحصى”، مضيفاً: “نحمد الله أنّ قلم النفوس موجود ضمن القبيات، وإلّا لكانت غرقت كلّ أوراقنا الرسمية وبتنا في خبر كان وربما خارج الدّولة التي لا نجد لها علماً لبنانياً بيننا أي ضمن المخفر أو في المدراس وغيرها”.

ويُتابع: “لا تتحمّل الدّولة وحدها مسؤولية الاهمال على الرّغم من أنّنا ناشدناها آلاف المرّات التدخل في مناطقنا إثباتاً لوجودها على المستويات كافّة، لكن البلديات ساعدت على الطوفان أيضاً، بسبب النفايات والتعدّيات التي يبنى بموجبها جدار في المياه مع غيرها من التجاوزات التي يعلمها القاصي والدّاني”.

حسب معطيات “لبنان الكبير”، فإنّ أهالي وادي خالد وبعد الحادثة يشعرون بالغبن الشديد وأنّ الدّولة لن تعوّض عليهم بأيّ شكل، وذلك في ظلّ تحدّث بعض المسؤولين الذين زاروا المنطقة عن أزمة اقتصادية تُعانيها الدّولة ونقص في الأموال والمساعدات، الأمر الذي دفع بعضهم إلى التفكير جدّياً في كيفية التعويض من “جيوبهم”.

كما تلفت المعطيات إلى أنّ اجتماعاً متوقّعاً قد يعقده بعض نواب عكّار مع المعنيين بهدف إقرار ما يلزم من مساعدات أو إحصاء للأضرار في الفترة المقبلة، “وإلّا ستكون هذه الحادثة بمثابة بصمة لن ينساها أهالي الشمال الذين سيُضيفونها إلى سلسلة من الاحتجاجات على الاهمال”.

خسائر إضافية

يعرف رئيس بلدية العماير – وادي خالد الشيخ أحمد الشيخ، أنّ هذه الحادثة كانت تحدث سابقاً لكن بمستوى أقلّ بكثير، ولم تُسجّل يوماً بهذه الضخامة والخطورة التي دفعته إلى إطلاق نداء استغاثة لرئاسة الحكومة لحثها على المساعدة الفورية. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “قدّرنا (نسبياً) قيمة الأضرار، وهي تصل إلى مليون دولار تقريباً، إذْ اختفت الطرق التي تربطنا ببعضنا البعض وكلّها باتت مجرى للمياه، كما سجّلنا أضراراً جسيمة في المنازل، المدرسة، وغيرها من الأماكن التي تحتاج إلى تعويض، بحيث أصاب الأذى 5 بلديات متضرّرة من أصل 9، وهي: الراما، العماير، العوادة، الهيشة والمقيبلة، مع خطّ البترول أيضاً”. ويوضح أنّ شخصين كانا على متن درجة نارية تعرّضا للغرق لكنّهما خرجا منها سالميْن.

ويُشدّد رئيس بلدية القنية – أكروم (المتضرّرة أيضاً من السيول) أنور إسبر على الصعوبة التي واجهوها للخروج إلى الطرق في وقتٍ كانت تشتدّ فيه العاصفة التي لم يتوقّعها أحد، معتبراً أنّ النفايات المرمية على الطرق زادت من حدّة المشكلة بصورة واضحة، خصوصاً في القرى التي ليست فيها بلدية لتتحكّم بزمام الأمور.

ويشير في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”، الى “أننا لم نتمكّن من الوصول إلى سياراتنا خلال العاصفة، وعموماً، إنّ الفئة الأكثر تضرّراً كانت الأراضي الزراعية مع بعض المنازل التي وجد أصحابها تشقّقات واضحة فيها، أمّا الطرق الداخلية فقد تعطّلت كلّياً للأسف، لأنّ ارتفاع السيول وصل وفق بعض من رصدها أو احتسبها إلى متر ونصف المتر وعجزت السيّارات عن اجتيازها، ما شلّ الحركة بصورة واضحة لمدّة تتجاوز الخمس ساعات، لذلك حاول الأهالي مساعدة أنفسهم لأنّ الأولوية كانت لوادي خالد حيث تدخلت القوى المعنية لإنقاذ الأهالي فيها نظراً الى تسجيلها الأحداث الأخطر، أمّا في بلديتنا فقد حاول الناس إنقاذ بعضهم بعضاً عبر إزالة المياه وإبعاد الأذى”.

ولم يتواصل المعنيّون مع بلدية القنية أو مع مسؤوليها للاستفسار عمّا حدث فيها، إلّا مخفر الدّرك الذي حضر ليلًا ليسأل عن الأضرار البشرية تحديداً، في وقتٍ تستعدّ فيه البلدية لتجهيز جرّافة للتنظيف خصوصاً “وأنّ الطرق باتت أسفل الزفت، أيّ أنّ هناك خطورة قد تُدمّر السيارات بسبب الحفر غير المرئية”.

شارك المقال