نساء غيَّرن مجرى التاريخ

السيد محمد علي الحسيني

خلق الله الكون على نظام ذكر وأنثى فقال في محكم تنزيله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى}، ولم يميز بينهما إلا بالأعمال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وساوى بينهما في التكاليف الشرعية وفي الحقوق والواجبات، بل جعل للمرأة دوراً عظيماً في بناء الحضارة الإسلامية العريقة، ورفع عنها الضيم، ورسخ مكانتها الانسانية والاجتماعية والعلمية والسياسية، فأعاد إليها حقها في الحياة {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت}، وأكد أنهن “شقائق الرجال” كما جاء على لسان الصادق الأمين رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، وأوصى بهن في خطبة الوداع “واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا”. كما دعاهن إلى تحمل المسؤولية جنباً إلى جنب مع الرجال في عمارة الأرض {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، وأكد أن المرأة الصالحة هي أساس صلاح الأسر والمجتمعات وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها*** أعددت شعباً طيب الأعراق.

عندما يكون الحديث عن المرأة فإننا نخر احتراماً لها ولجهادها ونضالها، فقد ضرب لنا التاريخ نماذج عن بطولاتها، وحكى الأدباء والشعراء عن عمق تأثيرها في وجدانهم لتخلد مكانة كبيرة في ذاكرة الأمم والحضارات.

مكانة المرأة في الإسلام

إن من يهمّش دور المرأة ويقلل من قيمتها ومكانتها، هو يسعى لا محالة الى ضرب استقرار المجتمعات. ومن يحاول دحض دورها في النهوض بالدول وتحقيق ريادتها يناقض أوامر الله. ولا شك في أن وضع المرأة تغير جذرياً مع فجر الإسلام، وشهد ثورة فكرية واجتماعية وحوّل النظرة الدونية إلى المرأة إلى نظرة عزة وكرامة، فجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وأجزل العطاء لمن يكرمهن ويحسن إليهن، وقد قال نبينا (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): “ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”، بل تحدث عن فضل البنات فقال (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): “من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة”، ولقد أصبح الإسلام ملاذاً آمناً لكثير من نساء العالم اللواتي عشن الظلم والاستبداد وسلبت حقوقهن فقط لأنهن نساء، فرفض الإسلام كل مظاهر العنف والتمييز ضد المرأة بل وحاربها، وكرّس المساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، ومنحها الحق في أن تكون في قمة الهرم الاجتماعي.

دور المرأة في الإسلام

عندما نتصفح التاريخ نجد أن المرأة كان لها الدور الأعظم في تحقيق العدالة والدفاع عن المظلومين، وأنها كافحت لأجل انتصار الحق، فكانت في ساحات الوغى مجاهدة، وفي مجتمعها مناضلة، ومع أسرتها مضحية، بل كانت وستبقى اللبنة الأساسية والجوهرية في بناء الأمم والمحافظة على استمرارها وبقائها؛ فأول من واجه الديكتاتور فرعون بكل شجاعة وقوة وإيمان، لم يكن رجلاً، إنما كانت امرأة بحجم أمة، وهي السيدة آسيا بنت مزاحم، وقد بقيت قصتها خالدة تتلى في القرآن على مر الأزمان {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}. كما أن أول من ازدهرت مدينة مكة والكعبة الشريفة بوجوده، وتباركت بشرب أطهر ماء على وجه الأرض، وسعى بين الصفا والمروة، لم يكن رجلاً، بل كانت السيدة هاجر أم سيدنا اسماعيل (عليه السلام).

أما النساء اللواتي غيَّرن مجرى التاريخ وحفظن الإسلام ودافعن عنه فكانت على رأسهن امرأة هي أول من آمن من الناس أجمعين وقدمت مالها وآوت المسلمين، نعم إنها السيدة خديجة زوج رسول الله (ص). كما لا ننسى أن أول من استشهد من أجل الإسلام وبقائه لم يكن رجلاً، بل كانت السيدة سمية زوجة سيدنا ياسر وأم عمار الذين تعرضوا إلى أعتى أنواع التعذيب حتى قال فيهم نبينا (ص): “صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.

إنهن نساء مؤمنات صالحات قدمن حياتهن لتحيا القيم والأخلاق، وهن اللواتي نهضن بالأمم وحافظن على الرسالة، فما أحوجنا إلى هذه النماذج الطاهرة في هذا العصر الذي غابت فيه القيم وضربت هوية المرأة المسلمة الصالحة، ليدفعوا بها إلى الفساد واستخدامها لتدمير المجتمعات بدل بنائها. وإننا نأمل أن نتعاون جميعاً لإعادة دور المرأة الريادي والمحافظة عليها من مختلف المشاريع الهدَّامة.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال