القطط والكلاب لم تنجُ من تداعيات حرب الجنوب

فاطمة البسام

وحشية الحرب الاسرائيلية غرزت أنيابها في كل الكائنات التي تتنفس، من الشجر حتى البشر. بعيداً عن معادلات الردع التي تحتوي الحرب تحت سقف مشترك حتى اليوم، وبعيداً عن الأعراس الدامية بين ركام الغارات والمسيرات، هناك ضحايا لا أحد يسمع أنينها في القرى التي أصبحت شبه مهجورة من سكانها بسبب نزوحهم القسري بحثاً عن الأمان في ظل حرب طالت إلى أجل غير مسمى.

قبل أسبوع، تعرضت مزرعة مواشي للقصف في بلدة الوزاني، ما أدى إلى نفوق عدد من الأبقار. هذا الخبر ليس الأول من نوعه، فأعداد كثيرة من الحيوانات نفقت، أو تشردت بسبب القصف أو تداعيات الحرب.

بعض الجمعيات التي تعنى بالحيوانات، حاول المساعدة قدر المستطاع، من تأمين طبابة، مأوى وطعام، بحسب الامكانات اللازمة، والبعض الآخر أخذ الأمر على عاتقه الشخصي وقام بمبادرات ترفع لها القبعة، مثل الشاب العشريني قاسم حيدر، إبن الجنوب الذي تعهد على مسؤوليته القيام بمهمة إطعام الكلاب والقطط وحتى الطيور المشردة، على طول خط القرى الحدودية.

تواصل موقع “لبنان الكبير” مع الشاب المذكور، لم يكن متاحاً في فترة الصباح كونه يقوم بجولته المعتادة على القرى، محمّلاً بأكياس الطعام المخصصة للقطط والكلاب، التي صارت ترحب به فور وصوله، فتتجمع حوله بفرح قبل أن تحصل على حصتها من الغذاء الذي يكفيها لعدّة أيام، حتى عودة قاسم من جديد.

“مشهد لا أستطيع نسيانه”

يروي قاسم يومياته لـ “لبنان الكبير”، وكيف أخذ عهداً على نفسه أن يخاطر بحياته في سبيل إطعام هذه الحيوانات التي أصبحت بلا مورد غذائي بسبب خلو القرى من السكان، مؤكداً أنه لولا أصحاب الأيادي البيض، التي تقدّم المساعدات، لما إستطاع إطعام الحيوانات جميعها في القرى على طول الشريط الحدودي، من بليدا، عيتا الشعب، مارون الراس وغيرها.

إلاّ أن الحادثة التي تركت أثراً كبيراً في نفسه، وقرر على إثرها الاستمرار في نشاطه فهي رؤية كلب من شدّة الجوع يفترس قطّة كانت تركض وتختبئ في محاولة للنجاة بحياتها، ومنذ ذلك الوقت صمم على المساعدة.

كثيرون قد لا يعني لهم هذا المشهد شيئاً، ويشير الى أنه تعرّض للكثير من الكلام والانتقادات التي تقلل من أهمية ما يقوم به، والبعض الآخر اعتبره يبحث عن الشهرة في الوقت الذي يجازف فيه بحياته حرفياً، ويذكر أنه نجا في احدى المرات من غارة إسرائيلية على إحدى القرى، إلاّ أنه لا يريد أن يركز على السلبيات في الوقت الحالي.

ويؤكد قاسم ضاحكاً، أن القطط والكلاب أصبحت تعرفه، والكثير من السكان الصامدين الذين يرحبون به فور قدومه، فيترك عندهم زوادة كافية في حال تأخر عن المجيء، معتبراً أن العمل الذي يقوم به يخفف من استشراس الكلاب، الذي ينتهي في نهاية المطاف بقتلها، وهذا ما حصل بعد حرب تموز فمئات الكلاب المسعورة لقيت حتفها قتلاً.

ويقول: “لو كل بلدة تقوم بتخصيص مساحة للكلاب المشردة، لكانت هذه الحيوانات في حال أفضل”. 

“فرد من العائلة”

ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان عام 2019، وخسارة معظم اللبنانيين مدخراتهم في المصارف، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية بنحو 98 في المئة بحسب البنك الدولي، تتحدّث جمعيات الرفق بالحيوانات عن أزمة كبرى نشأت بعد تخلّي كثر عن حيواناتهم الأليفة، لعدم قدرتهم على توفير متطلبات العناية بها.

وأطلقت تلك الجمعيات حملات لمساعدة الحيوانات المتروكة لمصيرها، وناشدت الناس عدم التخلّي عمّن كان يوماً “فرداً من العائلة، ولم يقدّم شيئاً سوى الحب”.

يلفت قاسم الى أن معظم الكلاب والقطط الشاردة التي يهتمّ بها حالياً، لم يُترك مع بداية التصعيد العسكري الحالي فحسب، لكنه كان مشرّداً من قبل، إلا أن العدد ارتفع حتماً خلال الحرب.

وتشير تقديرات لجمعيات معنية إلى وجود ما يصل إلى 70 ألف كلب شارد في مختلف المناطق االلبنانية، ولا إحصاءات دقيقة حول عدد القطط، وهذا ما “يصعب علينا استقطاب الدعم الخارجي لأنّ المنظمات الدولية تشترط توافر البيانات قبل المساعدة”، بحسب نائبة رئيس “جمعية بيروت للمعاملة الأخلاقية للحيوانات” آلينا حسيني.

شارك المقال