قصّة مبنى آيل للسقوط في طرابلس… من يتحمّل المسؤوليّة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُعر المعنيون في طرابلس اهتماماً للتقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدّولية منذ أيّام، وتبّين لها أنّ السكّان في المدينة كانوا دقّوا جرس الإنذار بسبب سوء حال مبانيهم المروّعة حتّى قبل وقوع زلزال عام 2023، لكنّ الحكومة بمعنييها مع الادارات المتخصّصة لم تتحمّل مسؤوليتها في حماية حقّ السكان بمكان آمن، كما لم تُعدّ خطّة واحدة تُسهم في تأهيل الأبنية المتضرّرة، أو تقي المواطنين من المقاولين الذين يتجاوزون أنظمة السلامة العامّة في مدينة تتضمّن أعلى نسبة في الفقر محلّياً، ما يُشير فعلياً إلى عجزهم الكبير عن إيجاد بديل لعائلاتهم وذويهم الذين يُطلقون صرخات استغاثة منذ أعوام بلا جدوى، تُضاف إليها صرخات “تُراثية” أطلقتها جمعيات ونواد تكترث لحال المباني القديمة في طرابلس، لكن “لا حياة لمن تُنادي”.

وقد تكون الصرخة التي أطلقها سكان مبنى عزّ الدّين المير في الزاهرية هي الأقوى خلال الأيّام الماضية، إذْ لا يخفى على أحد أنّ هذا المبنى الذي لا يُعدّ قديماً أو تراثياً، بات آيلاً للسقوط بعد بحث قاطنيه لأعوام عن السبب المباشر الذي يُضعف بنيته التحتية أو أساسه الذي يرونه لا يزال متيناً حتّى اللحظة ودفعوا من أجل إصلاحه وتأهيله أموالاً طائلة لإبقائه صامداً.

المبنى الذي بني عام 1986، بات حديث مواقع التواصل الاجتماعيّ، خصوصاً بعد اعتصام نفذه سكّانه منذ أيّام، بحيث شكّلت وقفتهم الاحتجاجية ودوافعها، صدمة كبيرة لم يتوقّعها أبناء المدينة الذين يعرفون جيّداً موقع المبنى الاستراتيجي القريب جداً من البلدية، ويعرفون أيضاً أنّ لهذا المبنى لجنة قانونية مسجّلة لدى كاتب العدل، وتتعاون مع أحد مهندسي نقابة المهندسين للاهتمام بتفاصيل دقيقة تدفع بناية “المير” لتكون نموذجاً إيجابياً يُميّزها عن مختلف الأبنية التي لا تتبّع النّظام نفسه قانونياً أو هندسياً، ليكون تهديدها بالسقوط “صاعقة” أحدثت جدالاً بين القاطنين من جهة، وبلدية طرابلس التي اتضح للسكان أنّها كانت المتسبّبة في كلّ ما كان يُؤرقهم ويُنفق أموالهم التي دفعوها من اللحم الحيّ خصوصاً مع تفاقم الأزمات الاقتصادية (وفق ما يُؤكّدون) من جهة ثانية. 

تفاصيل المشكلة

وفي تفاصيل هذه الأزمة، واجه 130 شخصاً يعيشون في المبنى (يُعدّ معظمهم من المغتربين سابقاً والملّاكين)، مشكلة رئيسة دامت لأعوام، وترتبط بتسرّب المياه بصورة متكرّرة ومستمرّة من دون معرفة مصدرها فعلياً إلى البنى التحتية، وتحديداً إلى الطبقتيْن السفليتين (الكاراجين)، واعتقد الأهالي طيلة الفترة السابقة أنّها مياه تعود الى الأمطار وتتسرّب بسبب القساطل الخاصّة بالمبنى، الأمر الذي جعلهم يدفعون أموالاً كثيرة للتصليح من جهة، وللترميم الذي بلغ 5000 دولار، وأجري تحديداً بعد الهزّة وعقب كشف الجيش ومهندسيه على الأعمدة التي قيل انّها تأثرت بسبب الارتجاجات التي دفعت البلدية إلى إرسال إنذاريْن بالاخلاء (الأوّل قبل الهزة والأخير بعدها) من جهة ثانية، ليكتشفوا فيما بعد أنّ العطل الرئيسي، يكمن في قناة قديمة أسفل الأرض يتجاوز عمرها الـ 100 عام، لكنّ البلدية ومنذ أكثر من 20 عاماً لم تحدّ من إمداداتها التي كانت تتسبّب في التسرّب، ما أحدث جدلاً واسعاً بين الطرفيْن، لا سيما وأنّ البلدية ووفق السكّان “كانت تتبرّأ من مسؤوليتها”.

ويتحدّث رئيس اللجنة في المبنى المخرج محمّد توتنجي لـ “لبنان الكبير” عن معاناتهم الناتجة عن تلف الأعمدة مع تغييرهم القساطل لأكثر من مرّة من دون جدوى، قائلاً: “كنّا نؤكّد دائماً وجود مشكلة ما، وقدّمنا شكوى الى البلدية في فترة رئاسة المهندس أحمد قمر الدّين لها، وإصدار الأخير قراراً باطلاع رئيس دائرة المجاري المهندس أكرم الحاج حسين على التفاصيل، وأكّد الأخير ضرورة وجود متعهّد ليتأكد من الثغرة، ودفعنا 1950 دولاراً للمتعهد بحيث حفر بعمق ثلاثة أمتار عند الرصيف لا في الشارع، أيّ في المكان الذي تغيّرت فيه القساطل بإشراف مهندس متخصّص ولم تتوقّف المياه، فصدمنا جميعاً بتسرّب ناتج عن قساطل للبلدية من دون تحمّل أحد من المعنيين تكلفة العطل والضرر علينا، فصدر قرار بحفر الشارع (أيّ التوجه إلى المجرى الرئيسي في نصف الشارع) وكشفوا على القناة العربية التي تعود الى حقبة العثمانيين وكان عليهم تحويلها منذ 20 عاماً وهي تُسرّب المياه إلينا ما تسبّب في التلف المستمرّ”.

وبعد اكتشاف مجرى القناة العربية التي كانت مخصّصة لري الأراضي والبدء بالحفر، توّقفت بصورة مفاجئة أعمال الحفر والتصليح من دون معرفة الأسباب، فتُركت الحفرة الكبيرة، وبعد الأخذ والردّ وعودة الدكتور رياض يمق إلى رئاسة البلدية في ظلّ وجود حفرة بقيت في الشارع لأكثر من شهر، وتسبّبت في إحداث تسرّب كبير وصل إلى الطابق الأوّل عقب العاصفة الأخيرة، لجأ وفد من المبنى إلى البلدية من جديد، وبارك ليمق وفتح معه ملف القناة، فأكّد الأخير ضرورة التقدّم بشكوى. وفي اليوم الثاني نفذ الأهالي اعتصاماً بوجود الوسائل الاعلامية التي اصطحبت يمق معها الى مكان الاعتصام، وأكّد أنّه لا يعرف شيئاً عنها ووعد بحلّ هذه المعضلة التي اصطدمت بإضراب عمّال البلدية الذي بدأ يوم الاثنين واستمرّ ليومين، مع العلم أنّ الحفرة كانت موجودة قبيل الاضراب بشهر.

هذه الحفرة لم تُشكّل مشكلة بين البلدية والأهالي فحسب، بل بين البلدية وعمّالها أيضاً، ففي الوقت الذي أُعلن فيه الاضراب، تحدّث يمق عن نقيب عمّال بلدية طرابلس عمر دلال، موضحاً أنّ الأخير أشار في رسالة صوتية إلى أنّه لا يُريد إرسال العمّال حتّى ولو وقعت كارثة، ما دفع دلال إلى الردّ عليه، ليُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ “الأقاويل التي تتردّد غير صحيحة على الاطلاق، فعمّال البلدية لم يتردّدوا يوماً في مساعدة أهالي المدينة ودعمهم، فقد تواجدنا خلال كورونا، احتراق البلدية، وفي أيّة ظروف كانوا جاهزين ومستعدّين للعمل”.

ويُضيف: “نلبّي الحاجات في المدينة بلا تردّد، وكنّا نريد إرسال العمال للتصليح لكنّهم قالوا لنا انّ المواد المتخصّصة لم تُؤمّن بعد، أيّ الاسمنت، البحص والقساطل وغيرها، ولكن بعد تأمينها يوم الخميس، أيّ منذ ساعات، باشرنا بعملنا”. ويشدد على أنّ فكّ الاضراب لا علاقة له بحرصهم المتواصل على التدخل عند الطوارئ أو الحاجة، “فلو أمنوا لنا المواد قبل تعليق الاضراب، لعملنا بصورة طبيعية، لكنّنا التزمنا بالاضراب المفتوح لأنّنا ظلمنا وأردنا أنْ نتساوى مع القطاع العام، الا أننا بالتأكيد لم نقفل يوماً بابنا في وجه أحد، لذلك تحدّثت مع المهندس الحاح حسين وأكّدنا أنّ الحفرة لم يتوقّف العمل فيها بسبب الاضراب بل بسبب غياب المواد”.

إلى ذلك، تُشير أوساط طرابلسية إلى أنّ مشكلة مادّية بين المتعهّد ودائرة المجاري، أدّت إلى حدوث تأخير في تقديم المواد التي قامت البلدية بتأمينها أساساً، لكن بعد الاتفاق بين الجهتيْن المعنيتيْن، اتجهت ورشة العمّالالى لعملها من جديد بحضور يمق الذي اطّلع على الأعمال في يومها الأوّل.

كما تلفت المعطيات إلى أنّ القاطنين الذين رفضوا الاخلاء منذ اللحظة الأولى، ينتظرون انتهاء أعمال الورشة، في وقتٍ يخشون فيه احتمال حدوث أيّ تقصير يُعيد إليهم “شبح القلق” من انهيار المبنى، ما يُنذر باحتمال تصعيدهم لمطالبهم بغية حماية ممتلكاتهم.

شارك المقال