الحرب ساوت نساء غزة برجالها… ولا تعطيهن وقتاً للحزن

فاطمة البسام

مفجعة المشاهد التي تلتقطها عدسات الكاميرا، لوجوه السيدات المكلومات في غزّة. من دون مبالغات أو مزايدات، لا يمكن وصف ما يمرنّ به، مختبرات كل أنواع العذاب، إلاّ أنهن في معظم المواقف سطّرن بطولات كنا نسمع عنها في القصص وكان أبطالها من الرجال، لكن المرأة الغزاوية كسرت القاعدة، بصلابتها وشجاعتها، على الرغم من عظيم مصابها.

في يوم المرأة العالمي، منذ بداية العدوان على غزّة، قتلت الآلة الاسرائيلية 9 آلاف سيدة، من إجمالي عدد الضحايا البالغ 30717، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وأشارت الاحصاءات إلى أن 75% من إجمالي عدد الجرحى في قطاع غزة البالغ 72,156 جريحاً هم من الإناث، وشكلت النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين البالغ عددهم 7000 شخص.

“الشبشب مقطّع”

تنقلنا حنين ابراهيم، إلى خيمتها التي تقيم فيها مع زوجها وطفليها في منطقة رفح، جنوب قطاع غزّة.

“الخصوصية معدومة”، تقول لموقع “لبنان الكبير”، وهي تشرح المعاناة التي تمر بها السيدات اللواتي تشردن من بيوتهن. “فالحياة داخل الخيمة ليست سهلة، أبسط الأمور التي تريد أن تقوم بها المرأة غير متاحة، مثل تغيير الملابس، أو الاستحمام، الأمر الذي يشكل إنتهاكاً لخصوصيتها، وفي بعض الأحيان تضطر النسوة إلى كشف سبب اضطرارهن الى الاستحمام، كي يتجنبن الانتظار في الطابور المؤدي إلى الحمام المشترك”.

ومن الأمور التي كثر الحديث عنها الفوط الصحية، التي تشكل تحدياً للمرأة في فلسطين، في سبيل الحصول عليها، وتوضح إبراهيم أن ثمن العلبة الواحدة يتراوح بين 25 و30 شيكل، أي ما يعادل 7 و8 دولارات، وهذا تحدّ بنفسه، كون معظم الأسر فقدت موردها المادي، ولا تمتلك ثمن الأشياء، فتتوجه السيدات إلى البدائل البدائية، والتي غالباً ما تسبب أمراضاً طويلة الأمد.

تكثر أنواع المعاناة التي تتحدث عنها ابراهيم، مؤكدة أن النساء لا يستطعن خلع الحجاب لدقيقة واحدة، فهن في كل لحظة مستعدات للهروب، وهذا أيضاً يشكل عليهن عبئاً إضافياً.

وتذكر حادثة حصلت معها، أثناء خروجها من منزلها، للحظة فكّرت لو أن لديها ابناً ثالثاً بأي يد كانت ستنتشله، وتهرب، “كيف بمسك ايده؟”، ولم تتمكن في تلك الأثناء إلاّ من إنتعال حذائها، الذي استبدلته بـ”شبشب”، أصبح مقطعاً اليوم، ولا متجر لشراء غيره.

بين الفينة والأخرى، ينقطع صوت ابراهيم بسبب رداءة الارسال، وتحاول في كلّ مرّة إيصال المعاناة التي شاهدتها وهي تتنقل من مكان إلى آخر، وأصعبها تأمين الطعام، الذي أصبح شبه مفقود، وطريقة تحضيره، فتمضي النسوة ساعات أمام موقدة النار، لاعداد وجبة لا تكفي لكل الأفراد.

تتمنى في يوم المرأة العالمي، أن تتوقف الحرب، ليتمكنّ من البكاء على كلّ الذين قُتلوا، لأن الحرب حتى لا تعطيهن وقتاً للحزن، “فأكثر النساء اللواتي تعرضن للإهانة هن نساء غزة”.

“الأم الخارقة”

وثّق بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومصورين مشاهد ولقطات لأمهات وسيدات فلسطينيات، يقمن بأعمال وصفها روّاد المنصات الافتراضية بأنها “خارقة”، مثل الأم التي جرّت طفليها الجالسين على مقعدين مخصصين للأطفال، لأكثر من 5 ساعات وهي مسافة 14 كيلومتراً، من ساحل غزة إلى المنطقة الوسطى، بحثاً عن الأمان.

“ممرضة تخاطر بحياتها”

تصدّر هذا العنوان محركات البحث قبل شهر. الممرضة بكنزتها الخضراء، أميرة العسولي، التي تعمل في مستشفى ناصر في خان يونس، لم تفكر للحظة، خلعت معطفها المقلّم وأعطته لزميلها، قبل أن تهب راكضة نحو الجريح الملقى على الأرض على الرغم من سلاح القنص المتربص بهم. شجاعتها حوّلتها من مجرّد ممرضة، إلى بطلة تخاطر بنفسها لإنقاذ الآخرين.

“أم التوأمين”

بخمار الصلاة، انتحبت رانيا أبو عنزة وهي تحمل طفليها الرضيعين المكفنين، بعدما قتلا في غارة جوية، متسائلة: “من سيقول لي ماما؟”.

الفيديو المصوّر للأم الثكلى كان موجعاً وهي تقبّل طفليها للمرّة الأخيرة، موضحة أنها أنجبتهما بعد 10 سنوات خاضت خلالها محاولات تلقيح عدة وزراعة داخل الرحم، لتحقق حلمها في أن تصبح أماً. وتضيف: “زرعوا لي 3 أجنة، بقي منهم اثنان، وها هما ذهبا”.

“الكاميرا تشهد”

يحاول محمود بسام المصوّر الغزاوي أن يضعنا إلى جانب عدسة كاميرته التي وثّقت الحروب والانتهاكات منذ العام 2013، إلاّ أن ما رآه خلال معركة “طوفان الأقصى” كان الأشد قسوة، بحسب ما يقول لموقع “لبنان الكبير”.

يضيف بسّام: “الحرب جعلت المرأة مساوية للرجل بأفعالها، فأصبحت تقوم بالكثير من الأعمال التي كانت من مسؤولية الرجل، مثل إشعال الحطب، الانتظار في طابور الماء والخبز، فالحرب لا تفرّق بين ذكر وأنثى عندما تحكم قبضتها، إلاّ أن الفاجعة يبقى أثرها أكبر على قلب المرأة”.

من خلال جولات التصوير التي يقوم بها بسام، على المستشفيات، الأحياء المدمرة وغيرها، وثّق الكثير من الظلم والاجرام اللذين تتعرض لهما المرأة، قائلاً: “صرخة المرأة الثكلى وحدها تكفي”، فيظل صداها يتردد في أذنيه حتى في نومه.

ويذكر أصعب مشهد صوّره، وهو الأم التي تحتضن طفليها، وهي في شبه صدمة، لدرجة أنها كانت تتكلم أمام الكاميرا وكأنها “تفضفض”، ونظراتها تقول انها خارج هذا العالم، كانت تنظر إلى الفراغ.

ويؤكد بسام أن “معاناة المرأة ليست وليدة اليوم، فالمرأة تضرب وتهان وتعتقل مثلها مثل الرجل، وفي الظروف نفسها، وكانت ولا تزال تتعرض للقنص على أيدي الإحتلال، إلاّ أننا اليوم أصبحنا نوثّق هذا الإجرام”.

وأفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بأن 300 امرأة من الضفة الغربية اعتقلت خلال العام 2023، منهن 200 منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. أما على مستوى محافظة القدس فاعتقل الاحتلال 165 امرأة منهن 84 خلال العدوان. وعلى مستوى القطاع لا تتوافر معطيات دقيقة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحق معتقلات غزة.

وتشير المعطيات الصحية في قطاع غزة، إلى وجود تحديات جمة تواجه النساء الحوامل، فهناك حوالي 60 ألف امرأة حامل بمعدل 180 حالة ولادة يومياً. ومن المرجح أن تعاني نحو 15% من هؤلاء النساء مضاعفات الحمل والولادة التي يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، كما أن عدد الولادات المبكرة لدى النساء قد ارتفع بنسبة الثلث تقريباً بسبب عوامل مثل التوتر والصدمات، ومنهن من أجهضن نتيجة الخوف، ما أدى إلى ازدياد حالات الاجهاض بنسبة 300%.

شارك المقال