“قنابل” رعب في طرابلس… “نيترات الأمونيوم” في المرفأ بعد المصفاة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تمضِ سوى بضعة أيّام على تأكيد تقارير أجنبية وجود مواد خطيرة وقابلة للتفجير “المدمّر” في مصفاة البدّاوي، حتّى بدأ الحديث عن عملية نقل “نيترات الأمونيوم” إلى مرفأ طرابلس قبل تفجير مرفأ بيروت عام 2020، وذلك في تقارير إعلامية أُسندت الى مصادر أمنية قلّلت من “خطورة هذه المواد”، لكنّها أحدثت “قنبلة” رعب لأبناء الشمال الذين لم يتوقّعوا هذا السيناريو الذي يتزامن فعلياً مع طرح إعادة تأهيل مرفأ العاصمة من جهة، وعودة تحريك ملف التحقيقات في التفجير المشؤوم من جهة ثانية.

وتستغرب الأوساط الطرابلسيّة هذه “الضربات الاخبارية” التي أُثيرت في هذا التوقيت تحديداً، ومن “مصادر أمنية” قرّرت الحديث عن وجود مواد خطيرة للغاية في مرفأ عاصمة الشمال، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الكارثة، في وقتٍ كان يُمكن لها أنْ تكشف عن هذه المعلومات بعد التفجير (مباشرة أو بعد فترة وجيزة منه) الذي أدّى إلى تدمير بيروت.

وفي وقتٍ لا ينفي فيه مصدر سياسيّ خطورة هذه المواد أينما وجدت، يقول لـ”لبنان الكبير”: “إنّ التقرير الأجنبيّ الذي رفعته شركة سالفاج كومبيليفت GMBH بالتعاون مع فوج الهندسة في الجيش اللبناني، بعد كشفهما على مصفاة البداوي عقب تفجير المرفأ، (بغية التخلّص من المواد القابلة للتفجير والتي تُشكّل خطراً على المواطنين والمدينة)، أثبت وجود مواد خطيرة في المصفاة تحديداً، كما لم تتم إثارة هذه القضية المؤكّدة والمعروفة أمنياً وإدارياً منذ سنوات إلّا قبل أسابيع، لكن لم يتحدّث التقرير عن مرافق أخرى كان لا بدّ من أن يتضمّنها البحث والرصد أيضاً (نظراً الى تخصّص الشركة)، وأوّلها المرفأ بسبب ضرب مرفأ بيروت أيّ المرفق الاقتصادي نفسه، لكن على ما يبدو أنّ عملية انتقال المواد التي بدأت منذ 2006، شملت المصفاة فقط مع إدراك المعنيين هذا الأمر، وبالتالي لم يشمل تقريرهما المرفأ وغيره من المرافق التي يُمكنها أنْ تحمل الخطورة عينها، في حال لم تتمّ مراقبتها ورصد تفاصيلها”.

ويُضيف: “يتمتّع مرفأ طرابلس عموماً بإدارة حكيمة أوّلاً، ومراقبة أمنية مشدّدة ثانياً، خصوصاً في الفترة الأخيرة بحيث يُراقب القائمون عليه الشاردة والواردة، ولن يقبل أحد وقوع الحادثة نفسها ضمن هذا المرفأ الرّاغب دائماً في تطوير عمله الاقتصاديّ والتجاريّ، والذي لا يُمكن إخفاء حجم أهمّيته لأسباب عدّة، أبرزها موقعه الجغرافيّ، ولكونه رافعة المرافئ كما ترى وتُثبت إدارته دائماً، وبالتالي يُمكن التذكير بحريق حصل منذ أشهر قليلة في المرفأ، أعاد النّاس الى سيناريو تفجير مرفأ العاصمة، لكن أتوقّع أنّ المواد لو وجدت كما يُشاع في هذا المكان لحدثت كارثة، لأنّها مواد سريعة وشديدة الاشتعال”. 

المرفأ

في الواقع، نفت إدارة المرفأ في بيان توضيحيّ المعلومات التي تُفيد بنقل المواد الخطيرة إليها قبل الانفجار أو بعده، كما نفت وجود مواد أسمدة تُستعمل للمزروعات المخزّنة في المرفأ، معتبرة أنّ هذه المعلومات كلّها “عارية من الصحة”.

مصدر من المرفأ، يقول لـ “لبنان الكبير”: “من سابع المستحيلات أنْ تدخل هذه المواد التي تضرّ بمرفقنا، بمديتنا وبشعبنا من دون معرفة المعنيين في المرفأ وهم الادارة، الأمن العام والجمارك… وبالتالي يتبرّأ المرفأ من هذا الاختلاق الذي لا يعني لنا شيئاً، لأنّه يخلط شعبان برمضان من دون تدقيق، ونستغرب فعلياً هذه الأقاويل، فنحن لا نسمح بدخول هذه المواد أوّلاً، كما أنّ وزارة الدّفاع في قرارها تمنع تخزين هذه المواد التي يُعدّ التعامل معها من صلاحيات قيادة الجيش حصراً ثانياً”.

وإذْ يعتبر أنّ المرفأ متشدّد (بالتعاون مع الأجهزة الأمنية) في إتمام الاجراءات اللازمة، وأنّ بعض الكلام غير المسؤول يضرب مؤسسات الدّولة، يُؤكّد أنّ “أيّة باخرة تصل إلى المرفأ وتحتوي على سماد زراعيّ، تتوّقف على بعد 3 أميال من الميناء لأخد عيّنات منها، فلا تدخل هذه الباخرة إلّا بعد صدور نتائج العيّنات، وبالتالي إنّ دخول الباخرة يكون تحت سلطة الجمارك التي تتواصل بدورها مع القضاء لتنفيذ الاجراءات الضرورية”، مشيراً الى أن “إدارة المرفأ وضعت الأجهزة الأمنية في الصورة بالتواصل معها، لتُدرك سبب صدور هذه الأقاويل ومصدرها فعلياً”.

إنّ التوضيح الذي يُشير إلى عدم وجود هذه المواد في المرفأ تحديداً، قد يُسكن فزع الطرابلسيين من المرفأ الذي يقع بالقرب من مكبّ النفايات وغيرها من المصانع أو المعامل الصناعية والتجارية في المهجر الصحيّ، لكن يُمكن القول، إنّ القلق لا يزال قائماً، في ظلّ وجود رغبة شعبية ومتخصّصة طرابلسية، بضرورة التخلّص من المواد في المصفاة سريعاً من جهة، ورصد أيّ مرفق، أرض أو معمل آخر (حتّى ولو كان مقفلاً أو مهجوراً) قد تخزّن فيه هذه المواد المتبقيّة، والكشف عن غيرها من المواد “إنْ وجدت” ضمن الاطار عينه من جهة أخرى، وذلك لحماية أبناء المدينة من أيّ ضربة جديدة قد تحدث بسبب الاهمال وعدم إدراك خطورته على المواطنين.

المصفاة… تابع

في الواقع، إنّ ما أثارته مصفاة البداوي من خفايا، كانت “إشارة” للتحرّكات القضائيّة والأمنيّة، فبعد الضجّة التي أحدثها التقرير الذي تحدّث عن وجود مواد كيميائية ومشعّة خطيرة، كما نووية تتفاوت درجة خطورتها بين متوسّطة وشديدة الخطورة، وهي موزّعة على 75 حاوية في المصفاة، قام النّائب العام التّمييزي بالتّكليف القاضي جمال الحجّار بتسطير استبانة، كلّف بموجبها المدير العام لأمن الدّولة اللّواء ​طوني صليبا​، تنظيم محضر تحقيق عدلي وإجراء التّحقيقات بشأن صحّة وجود أيّ مواد خطرة مهما كان نوعها، سواء في منشآت عامّة أو خاصّة، وإجراء الكشوفات اللّازمة بالتّنسيق مع الوزارات والادارات المعنيّة، مع أهمّية الاستعانة بالخبرات الضّروريّة، بغية التّحقّق من وجود مثل هذه المواد وكميّاتها.

من هنا، يُؤكّد مصدر مطّلع على ملف المصفاة، لـ “لبنان الكبير” أنّ التقرير الذي أصدرته الشركة وغيرها من التقارير الصادرة، لم تذكر وجود مواد “نيترات الأمونيوم” أو عدم وجودها في المصفاة، كما تُغيّب التقارير أيضاً، مسألة تحديد مركز هذه المواد أيّ مكانها تحديداً ضمن المصفاة، لافتاً إلى وجود تعتيم أمنيّ وقضائي على هذا الملف خصوصاً بعد التدخل القضائي الأخير، وذلك ربما لإتمام التحقيقات اللازمة، “لكن نخشى بالتأكيد تغافلهم عن هذه القضية الخطيرة كما حدث في ملفات مشابهة، إذْ ندرك أنّ المواد خطيرة وتحتاج إلى عملية استخراج وترحيل قائمة على تدخّل شركة متخصّصة”.

في السياق، أكّدت وزارة الطاقة منذ أيّام بما يخصّ إزالة هذه المواد، أنّ “مناقصة أجريت بتاريخ 15/1/2024، أُعيدت بتاريخ 15/2/2024، ومرّة أخرى بتاريخ 26/2/2024، لكن لم يتقدّم عدد كافٍ من العارضين، وفي مرّة جديدة، “أجريت أيضاً مناقصة بعد استشارة هيئة الشراء العام، وستفضّ عروضها بتاريخ 12/3/2024، لترسو على إحدى الشركات التي ستقوم بترحيل هذه المواد”، وحتّى اللحظة لم تُبصر النور هذه المناقصة وسْط صمت غير مفهوم وفق المتابعين، مع العلم أنّ مناقصات عدّة أجريت منذ العام 2022، رست إحداها بتاريخ 22/12/2022 على شركة Garco الايطالية، لكنّها كانت شركة “متلكئة”، وفق وصف الوزارة حينها.

شارك المقال