“النوروز” في لبنان… ألوان وبهجة واستذكار لقضية الأكراد

حسين زياد منصور

في الواحد والعشرين من آذار من كل عام، تحتفل قوميات من شعوب تركيا وإيران والعراق وسوريا، وعدد من دول العالم بعيد “النوروز”. فهذا العيد يشترك فيه الكرد والفرس، وينتظرونه للاحتفال به والتعبير عن ثقافة حضارتهم القديمة.

وفي لبنان، ينتظره الأكراد سنوياً ليحتفلوا به، فيرتدون الأزياء الشعبية الكردية، والتي تتميز بالزركشة والألوان.

الشعوب الآرية

“النوروز” يعني اليوم الجديد وهو عيد له أهمية كبيرة لدى الشعوب الآرية وشعوب الميزوبوتامية، خصوصاً الشعب الكردي. وطقوس العيد تبدأ عشية 20 آذار بإشعال شعلة نوروز في الجبال والضواحي حتى من هو غير قادر على إشعال الشعلة يضيء شمعة. يعود تاريخ هذه الطقوس الى إنهاء ظلم الحاكم الآشوري الملك ضحاك على يد الميديين ومقاتل كردي يدعى كاوه الحداد الذي صعد الجبال وبيده شعلة نار تعبيراً عن النصر والانعتاق من الظلم، فهذه الشعلة ترمز الى الانعتاق والحرية. الطقوس تبدأ في 20 آذار ولهذا اليوم أهمية كبيرة عند الشعب الكردي لا سيما في العقود الأخيرة، اذ كان يحتفل بهذا العيد بصورة سرية وممنوعاً على الكردي حتى جلب الألوان الثلاثة الأحمر والأخضر والأصفر الى جانب بعضها البعض، وهو ما يتسبب في اعتقاله والقتل أحياناً. وكان الاحتفال بعيد “النوروز” تعريضاً لحياته وعائلته للخطر، وعلى الرغم من كل ذلك كان الشعب الكردي يحيي الاحتفال سراً في أماكن بعيدة في الجبال خصوصاً في تركيا وسوريا وإيران لأنه شعب آري، أما في العراق فكان الوضع مختلفاً، هذا ما تقوله رئيسة “رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية للكرد اللبنانيين” حنان عثمان.

وتقول: “إن معظم من يحتفلون بعيد النوروز يعتبرونه عيداً قومياً لأنه أصبح مساحة للتعبير عن الهوية الكردية والمطالب المحقة للشعب الكردي وحقوقه القومية والسياسية، وعموم الشعب الكردي يحيون هذا اليوم بفرح وببهجة وألوان ربيعية ومعنويات عالية ويعتبرونه كعيد رأس السنة الجديدة عند بقية الشعوب، وهذا ما اعتبر رأس السنة أو اليوم الجديد لدى الكرد، بحيث تكون هناك مشاركة جماهيرية كبيرة جداً، واحياؤه هو تأكيد على تمسكه بأرضه وجذوره وقوميته ووطنيته”.

أكراد لبنان

وعلى الصعيد اللبناني، الأكراد في لبنان يحتفلون بهذا اليوم في أجواء من الفرح والبهجة، محافظين على تقاليدهم وثقافتهم. ووجودهم في هذا البلد ليس جديداً، بل على العكس، ويوصف بـ “التاريخي”، ويعود الى العهود الاسلامية القديمة، وبحسب عدد من المؤرخين، الى عهد الدولة الأيوبية. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى واتفاقية “سايكس بيكو”، انتشر الأكراد أكثر في بلاد الشام والعراق، ووصل عدد كبير منهم الى لبنان، وكثيرون منهم أصبحوا فيما بعد لبنانيين.

اليوم الكرد في لبنان هم مواطنون لبنانيون ولهم تاريخ طويل فيه، وهناك ما يقارب 70 ألف كردي، لكن لا دراسات واحصائيات رسمية عنهم، بحسب عثمان، التي تشير الى أن :لا أحد أخذ الموضوع بصورة جدية كي يبحث عن تاريخهم وأسباب قدومهم الى لبنان، هذه المعلومات ضئيلة جداً والاحصائيات غير متوافرة. نحن كجمعيات ومنظمات كردية في لبنان نحاول قدر المستطاع جمع المعلومات وأي شيء يوصلنا الى تاريخ الكرد في لبنان، لتكون عندنا معطيات للعمل على أساسها، وكان عدد الكرد أكبر بكثير مما هو عليه الآن ولكن خلال الحرب الأهلية توجه عدد كبير منهم الى أوروبا”.

وتضيف: “نحن كمواطنين علينا حقوق وواجبات ضرورية، فنحن لسنا مواطنين من الدرجة الثانية، الا أن تاريخ تعامل السلطات اللبنانية مع القومية الكردية كان يؤدي الى شعورهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية، ولكن مؤخراً تم تغيير ذلك وانحسرت هذه الظاهرة”.

وتؤكد عثمان أن “ما نطالب به اليوم هو الحقوق الثقافية، حق التعليم والتعلم باللغة الكردية، فتح مدارس ومؤسسات لإحياء اللغة والتراث الكردي وهو أمر ضروري للكرد، ومن الناحية السياسية أن يكون لنا ممثل في البرلمان اللبناني لأننا جزء من هذا النسيج الوطني”.

وعن دور الكرد وتضحياتهم، توضح عثمان “أننا قدمنا الكثير من التضحيات منذ نشوء الدولة اللبنانية الى الوقت الحالي وقدمنا شهداء ضد العدو الاسرائيلي، وقلعة الشقيف خير دليل على التضحيات التي قدمها الشباب الكرد دفاعاً عن لبنان وعن حقوق الشعب المظلوم والشعب الفلسطيني، وله كامل الحق وأثبت وفاءه وولاءه للبنان كوطن له”، معتبرة أن “على السلطات والأحزاب والقوى اللبنانية أن يكونوا أوفياء مع هذا الشعب الذي قدم الغالي والنفيس في سبيل لبنان وتراب هذا الوطن لأننا نعتبر لبنان الوطن الذي احتضننا في الأيام الصعبة ولن نستغني عنه”.

تفاعل إيجابي

الأكراد موجودون في لبنان كغيرهم من الشعوب والقوميات، وعلى الرغم من تغير بعض أوجه المجتمعات والأجيال لا يزالون يحتفلون بهذا العيد، الذي يتفاعل معه الجيل الجديد على الرغم من بعده عن أراضي كردستان، إن كان في لبنان أو فلسطين أو مصر وبقية البلدان العربية وأوروبا، ويحيي العيد ليؤكد تمسكه بحقوقه وقوميته وأنهم شعب لا يرضخ للعبودية ويملكون ميراث كاوه الحداد.

شارك المقال