يعيش صيف لبنان هذه السنة بين نارين، نار حرارة الطقس المرتفعة ونيران حربه المشتعلة جنوباً التي لم يتوصل أي اتفاق الى إخمادها. فبعد قرابة ٩ أشهر على اشتعال الحرب، لا يزال العدو يقصف ويدمّر متخطياً قواعد الاشتباك، و”حزب الله” يطلق صواريخه ومسيّراته لردعه.
وبين رسائل التهديد والقصف المتواصل، طار الموسم الصيفي في المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة على عكس مدينة صور وبلدات في الجنوب التي تعجّ بالمغتربين والنازحين على الرغم من افتقادها أهالي بيروت والشمال.
على الرغم من كل ما يحيط بلبنان من سواد، الا أن صيفه “ولعان” اذ عادت الأعياد الى بيروت وغيرها بعد أن كانت الأزمة المالية سبباً لحجبها، اما المغتربون وخصوصاً الجنوبيون فلم يأبهوا لتهديدات وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت وتحدوا الحرب وحطّوا رحالهم في مناطق الجنوب بين أهلهم وأصدقائهم ليُثبتوا أن طبول السهر أقوى من طبول الحرب.
في المقابل، الحرب لا تخلو من الخسائر وهذا ما تشهده المناطق الموجودة في قواعد الاشتباك، مثل كفركلا، العديسة، الطيبة، الخيام والوزاني… التي كانت جميعها تعج بالسياح تحت أنظار العدو، اما اليوم فهي خالية منهم ومن السكان بسبب الاعتداءات الاسرائيلية.
ويقول صاحب “استراحة شلالات الوزاني” عبر “لبنان الكبير”: “اختربت بيوتنا، كنا ننتظر فصل الصيف لندخّر الأموال للمدارس والقوت اليومي وتلبية احتياجاتنا في فصل الشتاء لكن هذه الحرب أعادتنا ١٠ سنوات الى الوراء، فلا مدخول آخر لدينا”. ويوضح أن “العائلة نزحت الى ضواحي النبطية، ولا مساعدات تقدّم سوى من حزب الله، اما الجمعيات فقدمت احداها ١٠٠ دولار مرّة واحدة فقط.”
ويشير الى أن “اللبناني جبار لا يخاف، على الرغم من استفزازات العدو المتكررة والدائمة على منتجعات الوزاني، وهذه الحركات لم تعق ارتياده الاستراحات. صحيح أننا اليوم تعرضنا للخسارة كما سائر القطاعات في الجنوب، الا أنها مادية ولا يمكن احصاؤها ومعرفة كلفتها الا عند انتهاء الحرب والكشف عليها. في المقابل لا وجود للتلوّث المائي، اذ ان الفوسفور الأبيض لم يطل مياهنا انما طال البلدات العالية مثل كفركلا، الخيام وغيرها ما جعل هذه المياه الجارية تروي الصامدين في الوزاني.”
ويؤكد أن “الحرب في حال انتهت قبل نهاية الموسم الصيفي، في غضون ١٠ أيام تصلّح الاستراحات وتفوّل”، آملاً “أن تنتهي هذه الحرب ويعود المواطنون الى منازلهم.”
في الوقت الذي نجد الحياة شبه معدومة في المناطق الحدودية، الا أن المشهد مغاير في المناطق القريبة الآمنة حيث يسمع القصف ويشاهد من دون أي أضرار.
ففي القليلة، وتحديداً في منتجع ومسبح “turquoise” حياة أخرى مليئة بالفرح والتسلية تشبه روح اللبناني المحب للحياة. ويشرح صاحب المنتجع عبر “لبنان الكبير” حال الموسم السياحي، قائلاً: “يبعد هذا المنتجع ٢٠ كيلومتراً عن الحدود الا أننا نسمع أحياناً القصف حسب المنطقة التي تم الاعتداء عليها، ناهيك عن جدار الصوت الذي ينفّذ كل فترة، لكن جميع هذه العوامل لم تمنع الناس من ارتياد المنتجع ومنهم من يبيتون عدة ليالٍ في الـ “Bangalow.
ويؤكد أن “الحرب أثّرت قليلاً على الموسم، ففي السنة الفائتة على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف بالبلد الا أن الموسم كان أفضل من اليوم، وذلك لا ينفي أن الاقبال هذه السنة جيّد، ولكن لا يمكننا تأكيد ماهيته الا في الأسبوع الأول من شهر آب وذلك بعد انتهاء السنة الدراسية ومجيء المغتربين الذي بدؤوا بالتوافد شيئاً فشيئاً ونلاحظ وجودهم على شاطئ صور، فهم سيأتون الى مناطقهم ويتمتعون بوقتهم فيها”، معتبراً أن “الموسم حتى الآن متأرجح ولكنه أخذ المنحى التصاعدي تدريجياً”.
ويلفت الى أن “رواد المنتجع لا يقتصرون على الجنوبيين فقط، انما للسياح حصة جيّدة ومنهم عراقيون، أميركيون ومن جنسيات أخرى يبيتون في الـ Bangalow، بالاضافة الى قوات اليونيفيل الحاضرة دائماً بصفة زوار.”
على الرغم من امتداد فترة الحرب، الا أن الجنوب لم يخلُ من زواره، ومن الطبيعي أيضاً أن نجد المناطق التي تتعرض للقصف فارغة من سكانها ولا موسم سياحياً فيها كمنطقة الوزاني التي ليست المرة الأولى التي يتوّقف فيها الموسم الصيفي، فقد سبق أن أغلقت أبوابها ابان حرب تموز وعادت بعدها بإصرار كبير الى مقارعة العدوان الاسرائيلي على لبنان والتغلب أيضاً على نتائجه، وهذا ما سيحصل بعد انتهاء الحرب وعودة العجقة الى بوصلة الجنوب في الموسم الصيفي كاسرة الجمود القسري.