لا تتوقّف المفاجآت التي تصدم أبناء مدينة طرابلس بواقعهم البيئي “المأساوي”، إذْ لا تزال الفضيحة البيئية قائمة وتجرّ معها فضيحة أخرى سريعاً، لتُؤكّد حجم الإخفاق السياسيّ ومستوى التناقض الاداريّ في المدينة، فمن فضيحة حرائق الاطارات والنفايات، مروراً بفضيحة المكبّ والمسلخ، وصولاً إلى فضيحة من محطّة التكرير الطرابلسية، بحيث قامت شاحنات (يُقال إنّها آتية من جبيل)، بتفريغ شحناتها من المجارير في مجرى نهر أبو علي من دون معالجة أو تكرير، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً، خصوصاً حينما روّج البعض بأنّ “جبيل ترمي مجاريرها في طرابلس”.
وبعد مرور أقلّ من شهرين على عقد مؤتمر “الواقع البيئي لطرابلس بين الحاضر والمرتجى في ميزان العلم” الذي نظّمته دار الفتوى في طرابلس والشمال، ووزارة البيئة بالتعاون مع بلدية طرابلس ونقابتيّ المهندسين والأطباء في الشمال، أثار المقطع المصوّر (الذي نشره “حرّاس المدينة” من محطّة التكرير، كاشفاً هوّية الشاحنات واعتراف سائقيها بالصوت والصورة أنّهم جاؤوا من جبيل)، جدلاً كبيراً يطرح علامات استفهام حول مصير المؤتمر وتاريخ هذه التعدّيات.
وفق معطيات “لبنان الكبير” فإنّ عملية إفراغ الصهاريج من مياه الصرف الصحيّ في المحطّة، ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، “فأوّل من سمح بدخول المجارير عبر الشاحنات من الكورة إلى المدينة هو رئيس بلدية طرابلس الأسبق نادر الغزال، كما أنّ دخولها منذ أعوام إلى المدينة تمّ بتنسيق وعبر كتاب قديم بين اتحاد بلديات الفيحاء، مجلس الإنماء والإعمار مع الأقضية المجاورة، فمحطّة التكرير التي تُعدّ الأكبر والأكثر تطوّراً، باتت محطّة لكلّ الأقضية المجاورة التي تمّ توصيل كلّ شبكات صرفها وتمديدها إلى المحطّة”.
رئيس اتحاد بلديات الفيحاء حسن غمراوي (الذي أرسل كتاباً منذ ساعات إلى مجلس الإنماء والإعمار أمل فيه منه الطلب من الشركة المشغّلة “سويز” الافادة بهذا الخصوص، مع التشديد على عدم السماح بتفريغ حمولة أيّة آلية في المحطّة أو عند انقطاع التيّار الكهربائي)، يُؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ الاتحاد يُعطي تصريحات ضمن الشمال، (وذلك بناءً على طلب من وزير الطاقة وليد فياض، مجلس الإنماء والإعمار، وعبر توصية وزارة الصحّة بتكريرها)، للصهاريج برمي المجارير في محطّة التكرير التي تقوم بفلترة المياه المبتذلة وتكريرها، ثمّ رميها على بعد 100 متر عن الشاطئ، فهناك أنبوب مع الصهاريج يرمي المجارير في حفرة لتقوم المحطّة بشفطها وتحويلها للمعالجة، لكنّ تأكّدنا بعد التقصّي، أنّ السبب في وصول المياه إلى النهر بهذه الطريقة، كان لعدم تشغيل المضخّات بسبب انقطاع التيّار الكهربائي، فتمّ رميّ المجارير في الحفرة وحُوّلت إلى مجرى النهر مباشرة، مع العلم أنّ الاتحاد كان أعطى تصريحات مسبقة لبعض الجهات، بناءً على مراسلات سابقة لكن بشرط معالجتها قبل تحويلها إلى البحر”.
ويُعبّر رئيس لجنة البيئة والطاقة في مجلس بلدية طرابلس المهندس محمّد نور الأيوبي، عن رفضه دخول شاحنات من جبيل أو غيرها من المناطق إلى المحطّة التي لا تعمل بكلّ طاقتها، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “وصلتنا الفيديوهات التي تُشير إلى الحادثة، لكن طرابلس معنيّة بها صحياً، وكذلك رئيس بلديتها رياض يمق، فصحيح أنّ المحطّة لا تقع تحت إدارته، لكنّها موجودة ضمن نطاق المدينة البلديّ، ما يعني أنّه يتمتّع بصلاحيات قانونية كاملة لتحدّ من التعدّيات في المناطق التي تقع تحت سلطته وفي الملفات التي تضرّ المصلحة والصحّة العامّة”.
ويُضيف: “لا ندرك ما إذا كانت هذه العملية قد حدثت مسبقاً أم لا، لذلك لا يجب إدخال أيّ صهريج إلّا بتصريح من الرئيس، وهذا حلّ سحريّ لمراقبة هذا الملف ومتابعته مع رصد المخالفين وإحالتهم على القضاء، تماماً كما تمكّنا مسبقاً من كشف عمليات الغش والفساد وكيفية معالجة النفايات في معمل الفرز، بحيث علمنا حينها أنّ النفايات تدخل إلى المعمل بـ 400 طن وتخرج منه بـ 600، ما يلفت إلى دخول نفايات من خارج المدينة لتُرمى في مكبّها، لذلك تمّ توقيف المعنيين بهذا العمل، بعد كتاب رفعته إلى النّيابة العامّة البيئية بتوقيع يمق، أمّا في الملف الحاليّ، فمن أدخل هذه الشحنات يحمل تصريحاً بالتأكيد”.
وعن المؤتمر الذي شكّل لجنة يُعدّ الأيوبي عضواً فيها، يُؤكّد أنّها تُتابع المستجدّات البيئية في طرابلس وستعقد لقاء اليوم الجمعة يتناول ملف النفايات الصلبة ومعالجتها “لأنّها تُشكّل الهاجس الأكبر، خصوصاً بغياب الأراضي المخصّصة للطمر، وستنعقد جلسة أخرى في 18 تمّوز مع وزير البيئة ناصر ياسين والمفتي محمّد إمام لنرصد تطوّرات الاقتراحات البيئية”.
رئيس البلدية الذي يرفض “الشعبوية” في هذا الملف، يُؤكّد إلقاء البلدية القبض على بعض المعتدين وتسليمه الى القوى الأمنية العام الماضي “لأنّنا لا نرضى بدخول الصهاريج بلا موافقة مسبقة، لكنّ البوصلة اليوم يجب أن تُوجّه إلى محطّة التكرير التي لا تعمل بقواها كاملة ولم ينته العمل بها بعد، أيّ أنّ المياه التي تتلقّاها قليلة، فلا يُمكن تشغيلها بالصورة المطلوبة والقائمة على النّوع الثلاثي لها، لا الأحادي الذي يُبقي أكثر الملوّثات فيها على الرّغم من التكرير”.
مصادر طرابلسيّة تلفت لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ تصاريح إدخال الصهاريج إلى المحطّة، قد تصدر عن إدارات مختلفة، وتقول: “مسؤولية المحطّة تقع على عاتق مجلس الإنماء والإعمار والشركة المشغّلة التابعة له، وقد يُعطى عبرهما إذن دخول إلى المحطّة لتشغيلها، لأنّها لا تعمل إلّا بكمّية كبيرة من المياه المبتذلة نظراً الى طاقتها الضخمة، وقد تمّ السماح بإلقاء المجارير من دون معالجتها، كما يُقال إنّ اتحاد بلديات الكورة يمكنه إعطاء تصاريح لدخول الصهاريج، (خصوصاً بعدما كانت تُرمى المجارير في الوديان والأنهار فيه مؤدّية إلى تلوّثها)، فيما يُشير آخرون إلى أنّ التصاريح قد تصدر من “اليونيسف” وتحديداً ضمن نطاق عكّار، لأنّها مرتبطة بنظام الصرف الصحيّ في مخيّمات النّازحين، ويستذكرون كتاباً صدر عن “الطاقة” في العام 2022، حينما طلبت من الشركة المشغّلة الالتزام بطلب إثبات من “اليونيسف” يُؤكّد أنّ المواد المنوي تفريغها تمّ تطهيرها وفقاً للبروتوكول.
ويستغرب رئيس اتحاد بلديات الكورة ربيع الأيوبي هذه الشائعات، نافياً اعطاء اتحاد الكورة أيّة تصاريح. ويوضح لـ “لبنان الكبير” أنّ الاتحاد لا يملك هذه الصلاحيات مناطقياً وجغرافياً، ولا سلطة له على طرابلس أساساً.