fbpx

عبد المجيد الرافعي… أسطورة طرابلس ورفيق الفقراء

إسراء ديب
إسراء ديب
تابعنا على الواتساب

يرى الطرابلسيّون الذين واكبوا مسيرة الدّكتور والسياسيّ عبد المجيد الرافعي الذي رحل عن عالمنا في 12 تمّوز 2017، أنّ ذكراه هذا العام، ليست كسابقاتها، بل تأتي وسط تغيّرات إقليمية واضحة كان حذّر منها وتحدّيات صعبة ترتبط بالهوّية والقومية العربية في ظلّ اندلاع حرب شعواء ضدّ الفلسطينيين الذين دافع عنهم ووقف إلى جانبهم منذ النّكبة في العام 1948 بقدراته ونضالاته التي لم تسلخه يوماً عن انتمائه الى مدينته طرابلس أو الى وطنه.

“حكيم الفقراء ورفيقهم” كما يقول أبناء المدينة رحل عن عمر يُناهز الـ 90 عاماً، حاملاً تاريخاً ثقيلاً يتضمّن الكثير من المواقف الجريئة التي تميّز بإظهارها في كلّ قضية، فالنّائب السابق الذي ولد في 11 نيسان 1927 في طرابلس ومن عائلة طرابلسية عريقة ومعروفة بانتمائها القوميّ، درس الطبّ في جامعة لوزان السويسرية لعدم قدرته على إيجاد مقعد في كلّية الطبّ في القاهرة التي أعطته منحة في العام 1945، ومارس المهنة منذ منتصف الخمسينيات بعيادته في السرايا العتيقة، فكان يُساعد الطرابلسيين ويُداوي الكثير منهم مجاناً بطيبة وأخلاق رفيعة، وسعى في وقتٍ لاحق إلى تأسيس “دار العجزة” مع آخرين وغيرها من الخدمات التي تُفسّر قربه الكبير من الطرابلسيين والشماليين، ليُحقّق نجاحاً تفوّق فيه لأوّل مرّة على الرّئيس الشهيد رشيد كرامي في الانتخابات النيابية العام 1972 بـ 543 صوتاً واستمرّ نيابياً لعام 1989، مع العلم أنّه لم يصل إلى مقعده بكلّ سهولة بل أخفقت محاولاته أكثر من مرّة.

نضاله بدأ مبكراً، وتظاهر للمرة الأولى في العام 1941 (بعمر الـ 14 عاماً) لمناصرة ثورة رشيد عالي الكيلاني أو ثورة الضباط الوطنيّين في العراق ضدّ الانكليز والمعروفة أيضاً باسم “دكّة رشيد عالي”. كما شارك في تظاهرات عدّة، منها تظاهرة الاستقلال المعروفة في مدينته العام 1943، والتي شهدت على مجزرة طلّابية يستذكرها أبناء المدينة وحتّى الرافعي الذي فقد فيها صديقه أمين هاجر، لكنّ التحاقه بالجامعة السويسرية لم يمنعه من متابعة حراكه الطلّابي، فتابع نصرته لفلسطين وقرأ عن حزب “البعث” لأوّل مرّة.

وفي العام 1956 وبعد العدوان الثلاثي على مصر، فكّر الرافعي مع مجموعة من الشبان في كيفية الرّد على كلّ ما يمس العروبة التي ناصر فيها الوحدة بين مصر وسوريا، لينضمّ إلى حزب “البعث العربي الاشتراكي” (بشقّه العراقي) حيث حضر أوّل اجتماع في العام 1957، فبات أمين سرّ حزب “البعث” العراقي – فرع لبنان ومن أبرز قياداته، ومن خلال متابعة إحدى مقابلاته عبر قناة “الجزيرة”، تظهر معرفته العميقة بسوريا وبتاريخ العراق الذي تأثّر به قائلاً: “لا أقول إنّ النّظام العراقي انهار بسرعة، وهذه ليست مكابرة ولكن أقول إنّ الاحتلال صار بسرعة”، مؤكّداً أنّ “الفكر القومي لم يتقهقر”.

وانعكس الانقلاب الذي وقع في 23 شباط 1966 على الرافعي وحزبه، فبعد
“الاستقطاب الطائفي في الجيش السوري وحزب البعث بين السنّة والعلويين”، وقع انقلاب بقيادة العلويَّيْن صلاح جديد وحافظ الأسد والدّرزي سليم حاطوم، فحكم على الرئيس السوري السابق أمين الحافظ (تولّى الرئاسة العام 1963) بالسجن ونفي بعدها إلى لبنان، لكنّ الحزب في لبنان أصدر بياناً أدان فيه الانقلاب، فزجّت الدّولة اللبنانية قيادات منه في السجن منهم: عبد المجيد الرافعي، نقولا الفرزلي، خالد يشرطي، مالك الأمين وعلي الخليل، وفق المراجع.

ولم ترحمه القيادات السورية التي ناهضها في الحرب الأهلية، وقصفت منزله في العام 1976 لمدّة ثلاثة أيّام، فغادر لبنان وعاد إليه، ثمّ غادره مرّة جديدة في العام 1983 مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات من لبنان بعد معارك طاحنة شمالاً، وتوجّه إلى العراق ليستقرّ فيها ملتزماً بمهمّات عدّة، حتّى غزو العراق في العام 2003 وسقوط نظام صدّام حسين الذي تربطه به علاقات وثيقة، فذكر أنّه التقى به للمرّة الأخيرة في شباط 2003 خلال “الأضحى”.

عاد الطرابلسيّ المثقف إلى طرابلس (أبي سمراء) في العام 2003 بعد تطمينات سورية حلّت الحزب البعثي، فأسس حزب “طليعة لبنان العربي الاشتراكي”، وكان منارة ثقافية وإنسانية لا يُمكن الإغفال عن تضحياتها حتّى آخر لحظة من حياتها.

الرافعي الشاهد على حروب إقليمية تأثّر بها لبنان خصوصاً طرابلس، كان بعيداً كلّ البعد عن الانتماءات التي ينتهجها البعض حالياً، ولم يكن يُشبه بآرائه الحرّة أحداً، فهو قوميّ، مناصر للقضية “حتّى النّخاع”، لكنّه لم يُناصر النفوذ الايراني يوماً، وكرّر رفضه لتدخلات إيران العسكرية في المنطقة ولا سيما في العراق (قبل الغزو وبعده)، محذراً من تطوّر هذا النفوذ خوفاً من اقتحامه للمجتمعات العربية، فيما لم تمنعه محبّته لفلسطين من انتقاد الشعار الذي أطلقه أحد مؤسسي منظمة التحرير صلاح خلف (أبو إيّاد) في العام 1976 وهو “طريق القدس تمرّ من جونية”، مع انتقاد غيره من القيادات التي كانت تضرب أمن المدينة واقتحمت منزله، ما دفع الرافعي حينها إلى مواجهة الرئيس ياسر عرفات الذي لم يكن يعلم بهذه التصرّفات التي كشفها “البعثيّ العنيد”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال