صحة المواطن على “المحك”… والدواء في المستودعات!

راما الجراح

كانت لافتة جداً طريقة تعاطي وزير الصحة حمد حسن مع الصيدلي عصام خليفة الذي ضُبطت في مستودعه كميات هائلة من الأدوية بعد مداهمته ليلة أمس. كمدير مدرسة يُوبّخ أحد التلاميذ المتهم بـ”الغش” في امتحان البيولوجيا! بهذه البساطة، عتاب وملامة، تكاتف أيادٍ، والغوص في الحلال والحرام، والتعاطي بلغة المنطق!

ما هكذا يتم التعاطي مع “الحاج” الذي تسبب بحرمان نسبة كبيرة من الشعب اللبناني من تلقي علاجهم بالشكل السليم يا معالي الوزير بسبب فساده وطمعه! ولم يعد يشفي “غليل” المواطن المحروم تصريحات الحبر على الورق، فالبارحة داهم الجيش محطات الوقود في كل لبنان وصادروا ملايين الليترات المخزّنة التي تم توزيع بعضها بشكل مجاني على المواطنين ولم نشهد أي محاسبة لأصحابها. والحال عينها بالنسبة لتخزين الدواء الذي سيشهد المصير عينه كالعادة، لا حساب ولا عقاب، و”يا خوفنا” أن يكون ما حصل عبارة عن “بروباغندا” فقط لنتذكر أن هناك وزيراً للصحة في لبنان… عذرا معاليك، مَن يشاهد الفيديو يكاد يجزم أنك ممكن أن تكون شريكاً في الجريمة!

وكان وزير الصحة أعلن توقيف أصحاب مستودع PSD وتمت مصادرة الأدوية لصالح الوزارة لتوزع مجاناً بين المرضى، كما ألزم مستودع نيوفارم في العقيبة ببيع مخزونه المدعوم للعموم، بالاضافة إلى إلزام شركة “Pharmanet, Picomed & Bellapharm” في جدرا ببيع مخزونها المدعوم للصيدليات وتحويل أصحابها للقضاء المختص. وقدم حسن نصيحة إلى المستودعات العامة، التي تهرّب الأدوية، بصرف الدواء للصيدليات لأن نظام التتبع الإلكتروني يعمل جيداً وإلا سيتعرض أصحابها لخطر ما تعرض له المحتكرون أمس.

التفتيش تأخر

ويؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي لـ”لبنان الكبير” أنه “كان من الضروري أن يحصل تفتيش دوري على المستودعات، والتنسيق دائما مع المستوردين وموزعي الأدوية، بالإضافة إلى مراقبة طريقة توزيع الأدوية، والتفتيش الصيدلي، ولو كان هذا يحصل لما صُدمنا بالكميات الهائلة من الأدوية المخزنة، والذي حصل كان يجب أن يحصل من قبل لأن المواطنين منذ فترة يعانون من انقطاع كميات مختلفة ومتنوعة من الدواء حتى الشح في أدوية السرطان وأنواع عديدة من أدوية الأمراض المزمنة وهذه كارثة كبيرة”.

ويضيف: “من الممكن أن يكون وزير الصحة قد تلقى معلومات حول هذا المستودع من جهة أمنية معينة حتى قام بهذا التحرك المفاجئ، لأن هناك العديد من الصيدليات تقوم بتخزين كميات الدواء في مستودعات بعيدة عن موقع الصيدلية عينها ما يصعب كشفها ومصادرتها ومحاسبة المتورطين، ولكن على الرغم من ذلك لا بد من الاعتراف أن هذا التفتيش جاء متأخراً جداً، وكان يجب وضع النقاط على الحروف بالنسبة لمحاسبة صاحب المستودع لأن المواطن اليوم بحاجة لسماع ضجة إعلامية عن محاسبة المحتكرين بشكل شخصي وبقرارات صارمة حتى يكون هؤلاء الأشخاص عبرة لغيرهم وبهذه الطريقة يمكننا الحد من هذا الاحتكار في الأدوية أو المحروقات أو غيرها”.

الحق على المستوردين!

أما بالنسبة لاستيراد الدواء من الخارج، فيقول عراجي: “هناك قانون الدواء الذي يعمل على تنظيم استيراد الدواء، ويقوم بفحص المعايير العلمية، التسعير، المراقبة، والخضوع للمختبرات المركزية، لكن المشكلة أن إنقطاع الدواء سهّل العملية من دون العودة إلى هذا القانون، ويتحمل مسؤولية ذلك المستوردون، الذين تلقوا حوالي 150 مليون دولار من مصرف لبنان وحتى اليوم لم يفتحوا إذن الاستيراد من الخارج، وهم أنفسهم ساهموا بطريقة أو بأخرى بأن يستعين المواطن بالأدوية السورية وخاصة في البقاع حيث يضطر للذهاب إلى سوريا عند انقطاع نوع معين من الدواء في السوق لشراء حاجته ولو كانت التركيبة غير مطابقة 100% للدواء الأساسي”.

ويشدد على أن “هذا الاستيراد الطارئ من المفروض أن يخضع للجنة فنية تابعة لوزارة لصحة التي يفترض أن تعطي الإذن الطارئ في هذا الموضوع، ولكن شرط أن تكون خاضعة لمعايير دوائية عالمية، وأن تستحصل على إذن من إحدى شركات الدواء العالمية، متمنياً على القضاء محاسبة المتورطين بشكل صارم لأن تخزينه لكميات الدواء يجب اعتباره جرماً بحق الشعب الذي يصرخ يومياً من أجل حبة مُسكن لآلامه!”.

إقرأ أيضاً: أزمة الدواء تتفاقم والصيادلة ينتظرون حلول وزير الصحة

وللاستيضاح أكثر حاولنا مراراً التواصل مع نقيب الصيادلة غسان الأمين لكنه لم يُجب على مكالماتنا المتكررة، وهو صرح لـ”الجديد”، عبر اتصال هاتفي، بأنه فوجئ بالخبر كباقي اللبنانيين مؤكداً أن أصحاب المستودعات ليسوا صيادلة مؤكدا أن “عصام خليفة صيدلي ونحن كنا نجري تفتيشاً دورياً للمستودعات والصيدليات!”.

بكل أسف، اعتاد الشعب اللبناني على مشهدية “جريمة من دون عقاب”، فقط لأن المجرم نفسه يكون محسوباً على أحد الأحزاب السياسية الفاسدة التي تقف بوجه القضاء لحمايته لأنه منهم وفيهم!

شارك المقال