سوق سوداء لإخراج القيد… وبالدولار!

راما الجراح

لم تعد السوق السوداء مقتصرة على المحروقات أو الدواء، فكل فترة يتم إدخال ظاهرة غريبة عجيبة إلى نظام حياتنا، “تُكركب” حساباتنا وتقلبها رأساً على عقب، وآخرها سوق لإخراجات القيد و”قرِّب عالطيّب”، مَن يحتاج أي معاملة رسمية لتيسير أموره عليه “ضرب أخماس بأسداس” لمفاوضة أحد السماسرة حتى يؤمن له إخراج قيد فردي!

وكان الأمن العام قد أصدر قراراً وافق فيه على تصديق إخراجات قيد يعود تاريخها إلى عام ٢٠١٧ وما بعد لتسهيل الأمور على اللبنانيين في ظل الأزمات التي يعاني منها البلد في جميع دوائره ومؤسساته ومجالاته.

وينتظر عثمان من البقاع إصدار إخراج قيد فردي لتجهيز أوراقه للسفر إلى تركيا، ويقول: “لم أكن أتوقع أن تصل بي الأمور في بلدي إلى عدم تأمين ورقة كانت تحتاج فقط زيارة إلى دائرة النفوس تستغرق نصف ساعة، واليوم بعد شهر من تقديمي طلب للحصول على إخراج قيد لم أحصل حتى على جواب مؤكد أن صدوره سيتم في المدى القريب! للأسف نحن نعيش تحت حكم سلطة لا تحب شعبها وإلا لسهلّت لهم أمورهم”.

إخراج القيد إلى ١٠٠ دولار!

من جهته، يشرح مختار بلدة المرج البقاعية محمد الشموري أن “أزمة إخراج القيد لم تعد محتملة، أصبح المواطن اللبناني مذلولاً حتى لـ”شقفة” ورقة لتسيير أموره بها، دخلنا في مرحلة السوق السوداء في هذا الموضوع لدرجة أنه وصل سعر إخراج القيد إلى مليون ليرة في بعض المناطق، وبمناطق أخرى تراوح ما بين ٥٠ دولارا و١٠٠ دولار، وهذا الأمر غير منطقي وغير طبيعي ولا يتطابق مع أي معايير كنا نتبعها كمخاتير، والأخطر من هذا أننا لم نتوصل حتى اليوم إلى معرفة مصدرها ومن أين تأتي هذه الأوراق إلى الناس”.

ويضيف: “هناك عدد من المواطنين يطلبون مني إعطاءهم طلبا لإخراج القيد وأُفاجأ بأنهم بالفعل يأتون به وأنا كمختار أعجز عن ذلك! مَن يقوم بتأمينه؟ وإلى مَن يتم تسليم هذه الطلبات؟ وكيف تسير هذه العملية الخارجة عن القانون؟ فهل وصلت بنا الأمور إلى استعمال أسلوب المحسوبيات والواسطات حتى في موضوع إخراج القيد! أفقدونا مصداقيتنا أمام عدد كبير من الناس فأمامي اليوم ما يفوق ١١٥ طلبا ولا أستطيع تأمين إخراجات قيد لهم وغيري يستطيع!”.

القديم “بيمرق” والجديد” علقان“!

ويشير الشموري إلى “أزمة كبيرة تُعيق عملنا، من شحّ في الأوراق وعدم توفر نماذج لإخراجات القيد، والكهرباء مقطوعة بشكل شبه كامل، ولا يوجد موظفين بسبب أزمة البنزين، ودائرة النفوس “فلتانة” واضرابات “على مدّ عينك والنظر” وغير متوفر داخلها أي شيء يؤهلها لتسليم طلبات جديدة للناس”.

وعن إتباع آلية جديدة لإخراج قيد قديم يقول: “أي مواطن لديه إخراج قيد فردي ولم يطرأ عليه أي تغيير في القيود (زواج/طلاق) منذ عام ٢٠١٧ نستطيع تصديقه فقط ويمكن أن تجري اي معاملات عليه بشكل طبيعي”.

يبدو أن ناشطي السوق السوداء يتحدّرون من أصول داروينية “مشقلبة”، إذ أن عالم الاحياء الإنكليزي الشهير تشارلز داروين صاحب نظرية التطور، يعرف التَّطور بأنه التغير في الصّفات الوراثية المتوارثة بين الكائنات الحية مع الوقت… أما ناشطي السوق السوداء في لبنان فيعملون على أساس التغيّر في المواد المدعومة والمفقودة فيه لكن مع انعدام “التطور”!

شارك المقال