لم يُفلح الانقسام السياسيّ المعتاد حول “حزب الله” محلّياً، في التأثير على رغبة الشماليين بمساندة أهالي الجنوب الذين نزحوا من بيوتهم وأقضيتهم مع تصاعد القصف والضربات العدوانية عليهم وتلقّيهم اتصالات مختلفة تُهدّد بقاءهم في أماكنهم، ما دفعهم إلى الانطلاق نحو مختلف المناطق اللبنانية ومنها الشمالية التي رحبت بوصول الآلاف من المواطنين إليها بعد رحلة شاقّة امتدّت لساعات على الطرق التي اجتازوها بصعوبة.
طرابلس
ومن مدخل طرابلس وتحديداً عند دوار السلام- البحصاص، استقبل الطرابلسيون النازحين الجنوبيين الذين توجّه الكثير منهم إلى منازل أقربائهم، فيما توجّه آخرون إلى المعهد الفندقيّ في الميناء (المدرسة المتخصّصة لاستقبال الوافدين من المناطق المتضرّرة) الذي بدأ باستقبالهم مع غيره من المدارس الرسمية مثل: مدرسة فرح أنطون، مدرسة مي الثانية، مدرسة بعل محسن، مدرسة القلمون صبيان… كما فتح فندق “كواليتي إنْ” أبوابه أمام النازحين بتوصية من النّائب فيصل كرامي، بينما بادر طرابلسيون الى البحث عن بيوت جاهزة لمساعدة بعض النازحين في محنته.
وبعد رصد “لبنان الكبير” لتفاصيل الإيواء شمالاً، يُمكن تأكيد ترحيب الطرابلسيين بضيوفهم وتضامنهم مع معاناتهم على الرّغم من حال الإرباك الملازمة لهذه “الضربة” الوطنية التي تحتاج إلى ساعات أو أيّام إضافية لتتضح الرؤية الصحيحة وليتمكّن المعنيّون من البدء بتسجيل وإحصاء الأرقام أو الداتا بدقّة (التي يُحصيها الصليب الأحمر وفق المعنيين). ولكن يُؤكّد مصدر متابع لتسجيل الوافدين في المعهد الفندقيّ أنّ الأعداد تزداد مع تقدّم الوقت، فيما يلفت مصدر آخر من فندق “كواليتي إنْ” لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ الأعداد فيه تتراوح حتّى اللحظة بين 600 و700 نازح وستُصبح “مفوّلة”، بحيث يتوزّع حوالي ثمانية أفراد في غرفة واحدة من أصل 118 غرفة تقريباً. ويقول: “معظم النازحين من النّساء والأطفال، جاء من مختلف أقضية الجنوب ووصلت غالبيته عبر السيارات من دون عرقلة، أمّا عن التفاصيل اللوجيستية، فهي تُؤمّن تدريجياً، مع أهمّية التذكير بأنّ الطرابلسيين ومنذ اللحظة الأولى، هبّوا لمساعدة النّاس وتقديم المبادرات الفردية التي تُؤمّن الفرش، الطعام والبطانيات لهم، إضافة إلى تسجيل تدخل من الجمعيات الإغاثية والمسعفة. والحزب كان نظم خطّة نزوح تُنفذ حالياً”.
ولا تُخفي أمين السرّ العام لمحافظة الشمال، القائم بأعمال بلدية الميناء إيمان الرافعي وجود صعوبات مرتبطة بتأمين مستلزمات النزوح من جهة، ووصول نازحين إلى مدارس فُتحت لهم لكنّها لم تجهّز كما يجب ولم تُعيّن كأولوية من جهة ثانية، ما يُشير إلى “أهمّية الضبط وتنسيق الجهود الجماعية”.
وتقول لـ “لبنان الكبير”: “كنّا بدأنا بفتح المدارس وتجهيز الواحدة تلو الأخرى لاستقبال النّازحين، واجتمعنا مع المنظمات وننسق معها ومع محافظة الشمال 24 ساعة، لاقتراح المدارس الأولوية ولتحديد آلية التنسيق وتعيين مدراء لبعض المراكز عبر اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات، وفي وقتٍ لا يتردّد فيه البعض عن دعم الخطّة الوطنية، إلا أنّ تعيين مدراء في المراكز سيُسهّل العمل كثيراً بعد تحديد كلّ مدير حاجيات مركزه لإرسالها إلى المركز ولتصل إلى المنظمات والجمعيات الأهلية، وفي المدينة، هناك مديران فقط”.
وبعد افتتاح مراكز في طرابلس (خمسة مراكز) وزغرتا (أربعة مراكز) أوّلاً، ثمّ افتتاحها في مختلف الأقضية كالبترون، المنية- الضنية، وبوجود مراكز افتُتحت عبر الأحزاب، أو مدراس افتُتحت على الرّغم من عدم تجهيزها رسمياً أو عدم اقتراح فتحها، تُشدّد الرافعي على أهمّية التنسيق والإعلام عن وجود المراكز للمساعدة في تجهيزها “وقد أبلغنا اللجنة الوطنية التي ستُصدر تعميماً بهذا الشأن”.
عكّار
ومن عكّار التي أعلنت تضامنها مع ضحايا الحرب ونازحيها، يُؤكّد مصدر من بلدة سفينة القيطع أنّ معظم العائلات كان وصل إلى ببنين، برقايل والبيرة حتّى اللحظة، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لا يُمكن إحصاء الرقم حالياً، لكن حسب معطياتنا، وصلت أكثر من 20 عائلة إلى عكّار التي رحّبت وأبدت رغبتها في المساعدة، وقد أمّنتُ ثلاثة بيوت لعوائل قد تصل إلينا كنوع من التضامن الانسانيّ”. ويشدد على غياب تدخل لأيّة جمعية ويقصد جمعية “وتعاونوا”.
أمّا مصدر آخر من ببنين، فيشير الى وصول أكثر من 50 عائلة إلى المنطقة حيث “فُتحت لها المهنيات والمدارس، فيما يقوم بعض الشبان بتدبير شقق لها، مع العلم أنّ الأعداد الكبرى قد تكون بمعظمها في طرابلس بسبب قرب المسافة، عدا عن النازحين الذين قد يتوجّهون إلى سوريا”.
مخيّما البداوي والبارد
العدو الذي أعلن تخطيطه لاستهداف المخيّمات الفلسطينية، لم يمنع أهلها شمالاً من استقبال الجنوبيين، ويقول عضو المكتب السياسي لـ “الجبهة الدّيموقراطية لتحرير فلسطين” أركان بدر من مخيّم البدّاوي لـ “لبنان الكبير”: “لا نخاف ولا نخشى من ضربات العدو وارتضينا على أنفسنا هذا الدرب لتقديم التضحيات، وبما أنّ الجنوبيين يدفعون فاتورة وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني وإسكات صوت الحقّ دعماً لغزة وضدّ المشروع الاستيطاني والتوسعي، سنكون جاهزين لنفتح قلوبنا وأفئدتنا للشعب الفلسطيني، اللبناني والسوري، ولنقدّم واجب احتضانهم لأنّنا شعب واحد وقضية واحدة ضدّ عدوّ واحد، وسنفترش الأرض ونلتحف السماء لنُسكن النازحين في بيوتنا ونكرمهم، لكن في البدّاوي ليست هناك مراكز إيواء، ووصلت عائلات جنوبية للعيش في منازل مقرّبين منها”.
أمّا مصطفى أبو حرب، أمين سرّ فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح” شمالاً، فيُوضح لـ “لبنان الكبير” توفير “الأونروا” (بخطتها الاستباقية المخصّصة للطوارئ وبالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية، المجتمع المحلّي والمؤسسات)، مركزيْن لإيواء النازحين، أحدهما في المخيّم ويشمل سبع مدراس معتمدة فيه لاستقبال النازحين اللبنانيين، الفلسطينيين، والسوريون. ويقول: “بالأمس، وصلت أسرة واحدة إلى مدارس الإيواء، لكن العدد يزداد طبعاً وقد وصل إلى ثلاث عائلات مسجّلة، في وقتٍ سجّلنا فيه وافدين اتجهوا إلى منازل لا إلى المراكز، ونتوقّع أنْ تصل موجة من الوافدين إلى المدراس المفتوحة منذ الصباح وتتوافر فيها أطقم جاهزة وبإمكانات جيّدة قدّمتها الأونروا التي قد تتمكّن من توفير تعاقد مع مطبخ لتوزيع الطعام على النّازحين الذين نقف إلى جانبهم”.