نزوح كهربائي بين قرى البقاع

راما الجراح

اعتدنا في هذه الظروف سماع أخبار عدة عن هجرة اللبنانيين حتى باتت الهجرة حلم الكثير منهم وهم الذين كان طموحهم بناء حياة كريمة في وطنهم وأصبح هدفهم تأمين مستقبل ناجح لأبنائهم في بلد آخر يؤمن لهم حاجاتهم ويحرص على أمانهم، ففي هذا البلد سوء الأوضاع الإقتصادية دفعت الشباب الى الهجرة إلى الخارج، السبيل الوحيد الذي يؤمن لهم الخلاص من تقنين الكهرباء وإنقطاع الماء وغلاء الدواء واحتكار المواد الغذائية والمحروقات.

لم تقف بنا الأمور عند هذا الحد بل تخطيناها بأشواط بعدما لمسنا نسبة لا يُستهان بها من الأهالي من عدة مناطق ريفية نزحوا إلى قرى بقاعية تتغذى من شركة كهرباء زحلة تحديداً للاستفادة من ساعات التغذية الإضافية في هذه المنطقة. وقد شهدت منطقة المرج وبرالياس حركة نزوح لا بأس بها من قرى قضاء البقاع الغربي وراشيا طمعاً بالكهرباء بالتزامن مع اشتداد أزمة عدم وجود شقق للإيجار تكفي العدد المطلوب في هذه المنطقة.

والنزوح الداخلي هو حركة معاكسة لتعريف النازحين كـ”لاجئين”، لأنهم لا يعبرون حدوداً دولية بحثاً عن الأمان، لكنهم مهاجرون داخل أوطانهم، ويبقون تحت حماية حكوماتهم حتى لو كانت الأخيرة هي السبب في نزوحهم، وغالباً ما تحصل هذه الحركة في الحالات الصعبة جداً كالنزاعات المسلحة، حالات الكوارث، وأخيراً عهد ميشال عون!

تقول لمى.د ابنة الـ٢٧ عاماً من كامد اللوز البقاع الغربي: “لم أعد أقوى على المخاطرة بغض النظر عن أي دورة تدريبية أونلاين بسبب أزمة الكهرباء، لأن عملي بدأ يتأثر بشكل كبير وأنا غير مستعدة إلى خسارته لذلك قررت وزوجي العيش في منزل للإيجار في منطقة المرج بسبب توفر ساعات كهرباء إضافية من كهرباء زحلة ما يسهل عليّ العمل وأخرج من دائرة الخطر”.

أما ديما.ك من عانا التي تدرس “بيولوجي” في إحدى جامعات فرنسا، فجاءت إلى لبنان في فترة إجازتها وطلبت الجامعة منها حضور جلسات مؤتمر عن بُعد، بالإضافة إلى طرحها مواضيع عدة وتقديمها عن بعد أمام لجنة معينة على مدى شهر، الأمر الذي اضطرها إلى استئجار منزل في منطقة شتورة التي تبعُد عن منزلها ١٥ دقيقة فقط وذلك لتستفيد من ساعات التغذية الكهربائية خاصة في المساء من الساعة الخامسة حتى الواحدة صباحاً.

ضاقت الأحوال بأبي علي وهو رب عائلة مكونة من شابين وبنتين، بعدما اشتدت أزمة المحروقات ولم يعد يعد يتمكن من الحصول عليها، ويقول: “لدي مولّد كهرباء صغير كنت أقوم بتشغيلة عادة عند إنقطاع كهرباء لبنان، ولم أكن أشعر قبل الأزمة بأي انزعاج منه، لكن مع احتكار المحروقات وصعوبة الأزمة لم أعد أجد مازوتا لتشغيله وإذا وجد تكون كلفته عالية جدا (السوق سوداء) في الوقت الذي نحتاجه بشكل كبير في المنزل لدروس الاولاد، وللطعام في البراد، وغيرها من الأمور، عندها قررت أن أدفع هذا المبلغ لاستئجار منزل في منطقة البقاع الأوسط على أن أدفعه لتأمين المازوت من المحتكرين”.

ويؤكد رئيس بلدية المرج منور جراح أنه “على الأغلب أن تشهد جميع قرى البقاع التي تتغذى من كهرباء زحلة حركة نزوح “لبنانية” على وجه التحديد إليها للاستفادة من ساعات الكهرباء لوقت أطول لتسيير أعمالهم ودراستهم وخاصة أننا أصبحنا على مشارف فتح المدارس والجامعات، والله يستر شو ناطرنا!”.

لم تكن مُفاجئة هذه الخطوة على أغلب اللبنانيين، فمن يعيش في عهد عون سيتوقع الأسوأ دائماً، والله يكون بعونّا!

شارك المقال