fbpx

“سمسرة” بعض التجّار شمالاً تخنق النازحين!

إسراء ديب
إسراء ديب
تابعنا على الواتساب

لم يتمكّن بعض النازحين (اللبنانيون منهم والسوريون) الهاربين من الأوضاع الأمنية القاتلة والخانقة أخيراً، من إيجاد مأوى مناسب لحاجته في طرابلس، فعلى الرّغم من افتتاح عشرات المراكز أو المدارس لإيواء بعضهم، ورغبة البعض الآخر في استئجار شقق سكنية في مختلف المناطق والأحياء، إلا أنّ الواقع الميداني في المدينة يُنذر برغبة بعض السماسرة في استثمار هذا الملف كما استُغلّ سابقاً في مسألة النزوح السوريّ، ما يزيد من حدّة معاناة النازحين خصوصاً مع بدء هطول الأمطار وتسارع حركة الرياح الباردة خلال الساعات الماضية.

في الواقع، إنّ تطوّر الأحداث العسكرية وتبدّل وجهتها في أقلّ من أسبوع واحد، كانا كفيليْن بنقل أكثر من 12 ألف نازح إلى طرابلس ومنها إلى الشمال، لكنّ المشهد اللافت يكمن في افتراش مئات النازحين السوريين الأرض عند باحة ومحيط مسجد التقوى الذي تعرض سابقاً لتفجير دمويّ في العام 2013، إذْ تنتشر الأمتعة والأغطية (أو البطانيات) التي تحمل الكثير من الأطفال النائمين في العراء وبلا وسادة بالقرب من حديقة المسجد ومنهم من ابتلّ بمياه المطر، وبالتالي إنّ هذا المشهد المأساوي الذي يقع ضحيته النساء والأطفال خصوصاً، دفع بعض الطرابلسيين إلى التحدّث عن ضرورة فتح أبواب المسجد لهم، فيما رفض آخرون هذا الأمر، معتبرين أنّ “المسجد للصلاة لا للنوم” وأنّه لا بدّ من توجّه النازحين إمّا الى وريا (لا سيما وأنّهم مناصرون للنظام وفق المتابعين)، أو إلى مدارس بموافقة رسمية.

النازحون الذين يرفض بعض المراكز استقبالهم بسبب الضغط وتفضيل “اللبناني على السوري” كما يقول بعضهم، يُؤكّد أحدهم لـ “لبنان الكبير” (من دون ذكر اسمه)، معاناته مع اللجوء أخيراً، ويقول: “في اللحظة الأولى التي نزحنا فيها، ظهرت شائعات تُؤكّد أنّ سوريين يُبدّلون شققهم المستأجرة في طرابلس ليلجأوا إلى مراكز الإيواء عوضاً عن أبناء الجنوب، وهذا ما أثر في موضوعنا، لكنّنا لا نريد استغلال الأزمة، بل نحن أساساً في أزمة دفعتنا إلى النوم في شوارع طرابلس وحديقتها قبالة المسجد، وننتظر الفرج”.

وفي وقتٍ يرصد فيه أبناء الجنوب والبقاع من الشمال أبرز المستجدّات السياسية خصوصاً مع قرب التوغل البرّي، يخشى الكثير منهم استمرار ارتفاع أسعار العقارات، المواد الغذائية والألبسة شمالاً، ويُؤكّد محمّد ع. ابن طرابلس، أنّه توجّه إلى أحد السماسرة في أبي سمراء ليبحث عن شقّة لا يزيد ايجارها عن 300 دولار شهرياً في المدينة، فأجابه السمسار بأنّ “أسعار الشقق باتت مرتفعة للغاية، وأقلّ شقّة حتّى في أيّة منطقة بسيطة بات سعرها لا يقلّ عن 400 دولار”، لافتاً إلى أنّ شقة في بلدة العيرونية- قضاء زغرتا (تُعدّ ضمن نطاق شعبيّ)، أجّرها صاحبها بـ 400 دولار غير مفروشة، “فما بالك بمدينة طرابلس؟”.

ولوحظ أنّ الشقق المفروشة (التي كان يصل إيجارها شهرياً إلى 400 دولار تقريباً في طرابلس)، تجاوز سعرها الألف دولار منذ بدء عملية النزوح، مع دفع أشهر مسبقاً، فيما يُؤكّد أحد المتابعين عدم العثور على الشقق المفروشة حالياً بعدما تمكّن بعض النازحين من دفع 1000 أو 1500 لأصحابها.

وتُشدّد عائلة نازحة (من النبطية) لـ “لبنان الكبير” على صعوبة وضعها الماليّ بعد هروبها من القصف الاسرائيلي الذي لم يرحم عائلة أو مدنياً. ويقول أبو مهدي ربّ هذه الأسرة: “عجزنا عن أخذ كلّ متاعنا من منزلنا المعرّض للقصف، فلجأنا إلى طرابلس حيث لاحظنا ارتفاعاً في أسعار الشقق، وقد طلب مني أحدهم 1600 دولار وغيرها من الأسعار الصادمة والمضحكة في آن، فمن قال للبعض إنّني من إفريقيا أو أنتج ذهباً؟ وباختصار، لجأت إلى منزل أحد أقربائي في بلدة شمالية وأمكث فيه حتّى عثوري على منزل بسيط يأوي تسعة أفراد”.

الأسواق والمواد الغذائية

الغلاء الذي تُسجّله العقارات، يُفرض أيضاً على بعض الأسواق التجارية المكتظة بالنازحين، وعلى المواد الغذائية كالزيت مثلاً الذي ارتفع 5 دولارات في أسبوع. وتُؤكّد معطيات “لبنان الكبير” متابعة وزارة الاقتصاد للتجار وتسعيراتهم، خصوصاً في ظلّ رفع بعضهم (كتجار البيض) صوته ليشتكي من قلّة الانتاج وارتفاع الطلب “وذلك لرفع السعر أكثر”.

ويرفض نقيب أصحاب محال بيع المواد الغذائية والمنزلية في لبنان الشمالي بسام المصري، استغلال التجار لهذه الأحداث المأساوية وضحاياها، معتبراً أنّ رفع الأسعار لدى البعض حقيقيّ وموجود، ويُبرّره بارتفاع الطلب على البضاعة. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “صُدمنا من ارتفاع بعض أسعار المواد الغذائية مثل البيض، الزيت، السكر، والأرز… ويتضح أنّ البعض يرفع أسعاره عند كلّ أزمة ليُنافس غيره الذي يرفع السعر أوّلاً فيرفع الثاني السعر مثله، مع العلم أنّ البضاعة موجودة، كما أنّ الأسعار الجمركية والدولار ما زالا على حالهما”. ويشدّد على أهمّية ملاحقة الفاعلين.

أمّا نقيب عمّال المحال التجارية والشركات والمكاتب في الشمال، بشير أفيوني، فينفي عبر “لبنان الكبير” ارتفاع الأسعار في المحال التجارية والأسواق في طرابلس. ويقول: “لا نُسجّل تعديلات في الأسعار بين شهر واليوم، على خلاف العقارات، أمّا في البيع والشراء فلا نجد استغلالاً تجارياً إلّا بنسبة 5 إلى 10 بالمئة محتملة، وهذا لا يعني أنّ كلّ الشمال يستغلّ ظروف غيره الصعبة، وقمت بإجراء جولة على المحال ولم أرصد استغلالاً حتّى اللحظة”. ويوضح أنّ الأسواق القديمة في طرابلس لا تشهد حركة كما يلفت البعض، “فالحركة الأكبر تُسجّل في الأسواق الجديدة والمولات الموجودة مثلاً في الضم والفرز”.

ويلفت أفيوني إلى تعرّض النقابة التي تتألّف من 12 عضواً كأيّ نقابة تجارية أخرى، الى كثير من الضغوط الموجودة قبل الحرب والنزوح إلى طرابلس، مؤكداً “أننا في حال علمنا بوجود استغلال أو تلاعب في الأسعار، فلا يُمكننا التحرّك لإيجاد حلّ، ليس من هذه اللحظة بل منذ أعوام، لأنّ الوضع الطرابلسيّ يشهد تفلتاً أمنياً يُصعّب المواجهة، مع نزوح سوري لا نرفضه، لكنّنا نؤكّد أنّ عددنا النقابيّ (كلبنانيين تجارياً) يتراجع عاماً بعد عام، ونحاول حلّ هذه المعضلة التي أدّت إلى خفض عدد العمّال لدينا من 3000 عامل منذ 20 عاماً إلى بضع مئات”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال