لا تتخلّص مدينة طرابلس من أزمة انتشار الأبقار الشاردة في شوارعها، خصوصاً في منطقة أبي سمراء التي سجّلت منذ ساعات، اقتحام عشرات الأبقار طرقاتها وأكلها من نفايات الشارع المتناثرة من كلّ حدبٍ وصوْب، لتُشكّل حاجزاً مقرفاً ومقلقاً أمام المواطنين الذين باتوا في حيرة من أمرهم تجاه التلوّث الذي يُصيبهم، لا سيما مع انتشار النفايات التي تُحرق يومياً من مجهولين حيناً، أو تُؤكل مباشرة من الأبقار السارحة “في أمان الله” حيناً آخر.
وعلى الرّغم من إطلاق مناشدات عدّة شمالاً من بعض جمعيات الرفق بالحيوان من جهة، والفئات الشعبية من جهة ثانية، لم يتمكّن المعنيون من إيجاد حلّ لهذه القضية التي تعود كلّ فترة إلى الواجهة من جديد، وذلك من دون تحرّكات رسمية “حاسمة” تحدّ من تفاقمها وانعكاساتها المرتبطة بما يُمكن أنْ تُحدثه هذه الأبقار من ضرر على السيارات أوّلاً، وعلى الإنسان ثانياً، خصوصاً في حال استخدام حليبها أو ذبحها.
ليست المرّة الأولى التي تنتشر فيها هذه الأبقار التي لا يفصلها عن المخلّفات، النفايات وحتّى البيوت سوى أمتار معدودة، ما يُحوّل هذه الأماكن إلى مراكز “معدومة” أو مقلقة، لأنّها تسمح بانتشار الجراثيم والأوبئة بكلّ سهولة بين النّاس التي لا تعرف حتّى اللحظة هوّية من “يُحرّر” هذه الأبقار نحو الشوارع، لكن صاحب إحدى المزارع في أبي سمراء يؤكد لـ “لبنان الكبير”، أنّ المنطقة فيها أكثر من مزرعة للحيوانات والأبقار تقع خصوصاً بعد جامعة الجنان على اليمين واليسار.
ويقول: “لا يُمكن أن يتعاطى أحد مع بعض أصحاب مزارع الأبقار تحديداً، وقد حاولت بلدية طرابلس محاصرة الأبقار مرّة، وإيجاد حلول لمسألة فلتانها بصورة مستمرّة بيْن الشوارع والنّاس، لكن لا حياة لمن تُنادي، ويُمكن التأكيد أنّ أصحابها يُسرّبونها لتوفير الطعام عليهم، وقد يُخيّل للبعض أنّ الأبقار تأكل من المناطق الخضراء المتاحة في أبي سمراء، لكنّها لا تأكل إلّا من النفايات”.
ويُضيف: “الأبقار موجودة لدينا، ونشتري الحليب النظيف بـ 80 سنتاً للكيلو، لكنّهم يُحاولون بيعه لنا بـ 40 مثلاً ولا يُمكن أن نشتريه، فلا يجوز أن نأكل من هذه الأبقار شرعاً أساساً، لأنّها تأكل من أماكن غير نظيفة ومن أكياس النفايات التي تعرف جيّداً كيف تقوم بفكها لأكل ما بداخلها، ما يزيد من الفوضى والضرر”.
معطيات “لبنان الكبير”، تلفت إلى أنّ بلدية طرابلس مع محافظة الشمال حاولتا الحدّ من هذه “المهزلة” كثيراً، إذْ هدّدتا مسبقاً هذه المزارع بذبح أبقارها في مسالخ طرابلس وتوزيع لحومها على الفقراء في حال العثور عليها متروكة في الشوارع، “وذات مرّة، ذُبحت بقرة تنفيذاً للتهديد، لكنّ الدنيا قامت ولم تقعد، واعتقد المواطنون حينها من شدّة الغضب التي أحدثتها عملية الذبح، أنّ البلدية أو المحافظة قتلتا قتيلاً لهم”، مشدّدة على أنّ أصحاب هذه المزارع ينتمون إلى العشائر “وهم يُعوّلون على قوّتهم العشائرية وقدرة نفوذها، بحيث لا يُمكن لأحد أن يتجرّأ عليهم، وهذا ما يُفسّر عجز البلدية أو محافظة طرابلس والشمال عن التحكّم بجدّية بهذه الظاهرة المنبوذة شمالاً والتي كانت شهدتها مناطق طرابلسية أخرى أيضاً مثل المعرض وغيرها”.
في الواقع، يُطالب المواطنون اليوم بإعادة هذه الأبقار إلى مزارعها لكفّ الأذى الذي يتلقونه بسبب وجودها على الطرق، فيما يغيب الدور “الجدي” لجمعيات الرفق بالحيوان عن تناول هذا الموضوع، والتي يصبّ تركيزها على القطط والكلاب (لا سيما الكلاب التي يحتاج وضعها إلى العناية والمتابعة مع قدرتها على نقل داء الكلَب)، وذلك على الرّغم من تحدّث الناشطة في مجال حقوق الحيوان غنى نحفاوي عن هذا الأمر، بحيث نبّهت ولأكثر من مرّة على الخطر المحدق بالإنسان والحيوان في حال استمرار حال الفلتان التي يشهدها الشمال، مؤكّدة أنّ هذه النفايات قد “تُعرّض أمعاء الأبقار للأضرار بسبب المواد الكيميائية الخطيرة فيها ومنها البلاستيك، الأمر الذي يضرّ بجودة حليبها الملوّث بالدهان، المنظفات والشامبو…”.
ويُجمع الناشطون والخبراء البيئيون على أنّ تعرّض الأبقار للنفايات وما تحتويه من مواد عضوية، حيوانية وكيميائية مختلفة، قد يُعرّضها لأمراض عدّة، ومنها الإصابة بجنون البقر بعد حدوث ضرر وتشوّه بالبروتينات (الموجودة بصورة طبيعية في أدمغة الحيوانات والبشر) وتُسمّى بالبريونات أو البريون، أيّ أنّ ما يُصيبها من تشوّه أو خللٍ قد يحدث لأسباب غذائية وصحية، سيُصيب الإنسان الذي يأكل لحومها وحليبها لا محالة، الأمر الذي يؤكد أهمّية الحدّ من الاستهتار البشريّ “المردود عليهم”.