في لبنان… الحقوق أصبحت أمنيات!

يارا المصري

يستيقظ اللبناني يومياً على مآسٍ جديدة جعلت من حياته كابوساً مرعباً، فينطلق في رحلة البحث عن أبسط حقوقه لعله يكافأ في نهاية يومه المرهق بليترٍ إضافي من الوقود لسيارته، أو بربطة خبز لعائلته، أو دواء لوالديه المسنين، أو حليب لطفله الرضيع.

فقد فرض هذا الـ”تسونامي” من الأزمات واقعاً أصعب من أن يوصف حتى أصبحت أبسط الحقوق أمنيات يصعب تحقيقها، فتجد رب المنزل غارقاً في همومه ومآسيه ينظر إلى أطفاله بحرقة وندم عاجزاً عن تأمين أبسط متطلباتهم، باحثاً وسط هذا الظلام الدامس عن ضوء يخرجه وعائلته من تلك المجزرة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب اللبناني.

بعد أن تفشّى الفقر بين اللبنانيين، كثرت الأخبار عن عائلات تعيش حالات أصعب من أن يتحمّلها إنسان، وأصبحت نشرات الأخبار أشبه بأفلام رعب تتكرر يومياً بسيناريوات مختلفة، من انقطاع الأدوية إلى طوابير الذلّ أمام المحطات مع أنباء عن رفع الدعم الكلي عن الوقود، إلى طوابير أمام الأفران، وأنباء عن احتمال توقف التعليم وغيرها من المصائب التي تفقد اللبناني صبره وصوابه.

ويقول رامز الأب لستة أولاد: “لم يعد لدينا طاقة لتحمل هذا الكم الهائل من الأزمات، إذ أصبحنا نعيش كل يوم بيومه ونحاول ألّا نفكر بالغد لأننا أصبحنا وبكل بساطة عاجزين عن التأقلم والتفكير ما قد يقودنا إلى الجنون!”.

ويعمل رامز في مجال البناء وراتبه لا يتخطى المليون ليرة شهريًّا، وحسب قوله، فإن راتبه لم يعد كافياً لتأمين الحاجات الأساسية بعدما تخطى معدل التضخم الـ100%، هذا إضافة إلى إيجار المنزل.

وتقول أمل زوجة رامز: “لقد فرضت علينا الأزمة توفيراً ليس فقط في الكماليات، ولكن حتى في الحاجات الأساسية أيضاً، فمثلاً لم نعد نتمكن من شراء اللحوم بعدما أصبح كيلو لحم البقر 170 ألف ليرة، إلى الأجبان التي تخطى سعرها الـ40 ألفاً. ومع تفاقم أزمة المازوت وطوابير الذلّ أمام الأفران أصبح من الصعب تأمين حاجاتنا من الخبز، فاضطررنا للاقتراض من الجيران أحياناً، أو أن أخبز في المنزل، فنحن عائلة كبيرة ولا تكفينا ربطة واحدة في اليوم”.

وككل لبناني، ألقت تلك الأزمة بثقلها على رامز، فبات عاجزاً عن تأمين المتطلبات الأساسية لعائلته، وصار يعاني أمام طفلته التي لم تبلغ السنة من انقطاع حليب الأطفال من الصيدليات، وتقول زوجته: “أضطرّ أحياناً إلى أن أطعم طفلتي حليباً عادياً أو ماء الرز، لأنه ليس هناك أصعب من أن ترى طفلك جائعاً ولستَ قادراً على إطعامه”.

من جهة أخرى، يعاني رامز أمام والده المريض، مع انقطاع الدواء وعدم قدرته على توفيره، ويضيف: “نحن بإمكاننا أن نعضّ على جراحنا ونتحمل حتى تنتهي الأزمة، لكن ماذا عن المرضى؟ هل يمكن لوالدي الذي يعاني من مرض مزمن الانتظار إلى أن يتم توفير الدواء؟”.

وبعد أن تقرّرَ رفع الدعم الكلي عن الوقود نهاية شهر أيلول المقبل، قد يصبح الخروج من منزله خطوة أشبه بسياحة أو سفر من الصعب على اللبناني تحمّل أعبائها، فبعد أن يبلغ سعر الوقود أكثر من 300 ألف ليرة سيصعب على أي فرد الخروج من منزله. ويقول رامز: “إنّ رفع الدعم عن الوقود قد يجبرني على التوقف عن العمل، لأن راتبي بالكاد يكفي لدفع الإيجار وتأمين الحاجات الضرورية للمنزل فكيف سأتمكن من الذهاب يومياً إلى عملي؟”. وعن البطاقة التمويلية، يرى رامز أن “البطاقة ما هي إلّا وهم لتخدير اللبنانيين، في حين تغيب السبل لتمويلها في بلد مفلس”. وتضيف زوجته أمل: “لا أعلم ما سيكون حالنا في حال رفع الدعم، لكن بالتأكيد ستكون كارثة علينا وعلى كل لبناني”.

إقرأ أيضاً: نفسية “صفر ٪” … شباب لبنان رماد

تتكرر تلك المآسي، نسمعها كثيراً في كل نشرة إخبارية، في كل منشور على مواقع التواصل الإجتماعي، وفي كل حديث بين الأصدقاء والجيران والعائلات، إنّها الروتين اليومي لكل لبناني، روتين المآسي والويلات. نحاول الهروب منها بإطفاء التلفاز والهاتف لنبتعد عن الأخبار وثقل الأزمات، نحاول التأقلم معها وإيجاد حلول موقتة، نحاول الهروب من الواقع والاستمتاع باللحظة وعدم التفكير بالغد.

هكذا يحاول اللبناني تخفيف آلامه، لكنه واقع يلاحقنا يومياً، ويدخل في تفاصيل حياتنا، ويطال كافة القطاعات. ويختم رامز: “الأزمة تشتد خناقاً يوماً بعد يوم، ويشتد معها الخوف والقلق على مستقبل أطفالنا، نحاول التأقلم لكن لم يعد من مجال لذلك بعدما أصبحنا عاجزين عن شراء أبسط ما قد يحتاجه إنسان. لم يمر علينا مثل تلك الأزمة من قبل حتى في أيام الحرب. إنها حقاً مأساة عندما تصبح أبسط حقوقنا أمنيات!”.

شارك المقال