مبادرة إنسانية تولد من رحم المعاناة في طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

تمكّنت ورقة وضعها المواطن مصطفى عبد الواحد على زجاج محلّه من إثارة الجدل بيْن الطرابلسيين الذين ألقوا التحية احترامًا لمبادرة إنسانية قادها هذا الشاب سعيًا لمساعدة عمّال النّظافة طوال فصل الشتاء، إذْ اتخذ مصطفى قرارًا بتقديم المشروبات الساخنة المختلفة مجانًا لهم، في مبادرةٍ لاقت الكثير من التأييد الشعبي، وألقت الضوء مباشرة على وضع عمّال النّظافة ماديًا واجتماعيًا.

في الواقع، يجوب عمّال النّظافة يوميًا شوارع وأحياء المدينة في الأجواء الماطرة والعاصفة في ظلّ تأثر البلاد بموجات الصقيع التي ضربت المناطق، ولم ترحم هؤلاء العمّال الذين يعملون وثيابهم مبلّلة من الأمطار الغزيرة، مما يُعرضّهم باستمرار إلى الكثير من الأمراض التي يتحمّلونها عمدًا لتأمين لقمة عيشهم بكرامة في مدينة تستغيث بسبب إهمال نوابها الكبير لحقوقها، وغضّ الدّولة بمؤسساتها وإداراتها العامّة “البصر” عنها منذ أعوام. 

مبادرة إنسانية ومشجعة

إنّ مصطفى (26 عامًا) الذي افتتح منذ سنة وشهر تقريبًا قهوته في منطقة باب الرمل الشعبية والتي يتواجد فيها الكثير من عمّال النّظافة، لم يتمكّن من نسيان صورة الرجل الستينيّ الذي يعمل على تنظيف المنطقة في هذه الأجواء الباردة والقاسية.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “في الحقيقة، لم أتمكّن من تخطّي صورة هذا الرجل المسنّ ومسح صورته وظروفه الصعبة التي يُواجهها أبدًا من ذاكرتي، فهذا الرجل كان من المفترض أن يكون في منزله بين عائلته، لكن في بلادنا التي لا يوجد فيها ضمانًا للشيخوخة، يعيش الإنسان تحت وطأة الظروف القاسية التي تتحكّم بنا، وحين رأيته حاولت مساعدته كثيرًا فقدّمت له مشروبات ساخنة كالشاي، والزهورات وغيرهما من المشروبات العشبية الساخنة لتدفئته في هذا الطقس الذي اشتدّ في الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي دفعني إلى إطلاق هذه المبادرة سعيًا لمساعدة عمّال النّظافة الذين يعملون ليلًا ونهارًا والوقوف إلى جانبهم، وبالتالي إنّ هذا النوع من الدّعم قد يُحسّن صحتهم النفسية ويُشعرهم بتضامن اجتماعيّ معهم، لنُؤكّد لهم أنّنا نُقدّر عملهم ونشعر بهم…، مثل هذه المبادرة سبق أن نُفذت في مصر، وشعرت بأنّها ستكون مفيدة أيضًا في أحيائنا ومع كلّ إنسان محتاج، خاصّة بعد إدراكنا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يُواجهها عمّال النظافة، فهذا العامل الذي ألتقيه دائمًا لا يكفيه أجره نظرًا لالتزامه بمسؤوليات لا يتحمّلها إنسان في هذه الأزمة المالية محلّيًا”.

ولا يُخفي مصطفى أنّ الحال المعيشية باتت صعبة للغاية في الفترة الأخيرة، لكنّه يُشدّد على أنّ هذا النّوع من المبادرات سيُساهم في مساعدة الآخرين والحدّ من حالات العوز الصعبة، ويُضيف: “إنّ هذه المبادرة نجحت في جذب عدد من عمّال النّظافة في المنطقة، كما جذبت متبرّعين للمساعدة والمشاركة في الأجر الديني الذي سنحصل عليه عند مساعدتنا الآخرين، وساهموا في تقديم السكر أو الشاي مثلًا…”.

ولا يرغب هذا الشاب “العشرينيّ” في تحقيق شهرة ما، ولا سيما بعد انتشار هذه الصورة على المواقع والصفحات الإخبارية التي سارعت لنقل هذه المبادرة مباشرة أو عبر منشور افتراضيّ، ولم يكن يُخطّط في مساعدته هذه إلى “الظهور” أمام محيطه الاجتماعي على أنّه “بطل” كما قد يُخيّل للبعض، فمصطفى الذي يحثّه محيطه وعائلته التي يُعيلها منذ صغره على مساندة الآخرين إحسانًا بهم مهما كانت حاله المادّية وظروفه الاجتماعية، يرى أنّه “لو كلّ مقهى، مطعم أو أيّ متجر قام بإطلاق مبادرة إنسانية ما، قد تتحسّن حال الفقراء وهم في أمس الحاجة إلى مساندتهم في طرابلس المحرومة”.

شارك المقال